أوكرانيا: حرب كلامية بين واشنطن وموسكو أم أكثر؟

حسناء بو حرفوش

في الوقت الذي تتبادل فيه الولايات المتحدة الأميركية وروسيا التحذيرات حول الملف الأوكراني، إلى أي مدى يمكن تصديق التلويح بنشوب الحرب؟ حتى الآن، يقتصر الأمر على حرب كلامية كما تقول المحللة لورا كينغ في مقال بموقع “لوس أنجلس تايمز” (LAtimes). ولكن هل يتحول الوضع إلى صدام أكثر خطورة؟ لا شك في أن حدة الخطاب تزداد يومياً بالتزامن مع احتمال نشوب الصراع الذي يطرح بشكل يومي على خلفية حشد كبير للقوات الروسية بالقرب من أوكرانيا الجمهورية السوفياتية السابقة والديموقراطية المتعثرة بين روسيا والغرب.

وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، قد حذر خلال لقائه نظيره الروسي في ستوكهولم، موسكو صراحة من الغزو، في سيناريو وصفته الحكومة الأوكرانية، بالمحتمل. وبدوره، ألمح الكرملين إلى ضرورة تدخل قواته لوقف تصعيد القتال في شرق أوكرانيا. ويرتبط الكثير مما سيحدث في الأيام أو الأسابيع المقبلة بنوايا ودوافع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي لم تتضح تمامًا. ويرى المحللون أن الزعيم الروسي الأوتوقراطي يوازن كالعادة المخاطر والفوائد ببراعة، لتحديد ما إذا كانت التنازلات التي قد ينتزعها من خلال تهديد أوكرانيا تستحق ردود الفعل والعقوبات المحتملة.

وفي هذا السياق، أشارت الخبيرة الأمنية الأوكرانية البارزة هانا شلست، في ندوة افتراضية في موقع Atlantic Council إلى جدية بوتين التي تزيد من حدة المخاطر. وعلى الرغم من أنه لا يمكن الكلام على تدخل مباشر للقوات البرية الأميركية، تعتبر أوكرانيا واشنطن شريكا قريبا، وقد قدمت الولايات المتحدة منذ سنوات أسلحة متطورة إلى الحكومة الأوكرانية. عدا عن ذلك، يُظهر الحلفاء الأوروبيون المنقسمون في بعض الأحيان تضامنًا ملحوظاً لناحية التحذير من العواقب الاقتصادية الجدية في حال أصبح الزعيم الروسي عدوانيًا بشكل مفرط. فما هي العوامل التي التي اضطلعت بدور في أزمة أوكرانيا الأخيرة وما مدى جدية حشد القوات الروسية؟

اعتبرت أوكرانيا نفسها تحت تهديد مستمر بعد أن استولى بوتين بشكل جريء على شبه جزيرة القرم في البحر الأسود (…) كما تدعم روسيا حركة انفصالية في منطقة دونباس شرقي أوكرانيا، حيث أسفر القتال عن مقتل نحو 14 ألف شخص، وفقًا للمراقبين الدوليين. وقامت موسكو بشكل دوري بتحركات قد تبدو مصدر تهديد. وفي الربيع، حركت روسيا قوات داخل حدودها بالقرب من أوكرانيا ونشرت بعض الوحدات في شبه جزيرة القرم. وأطلق النشاط العسكري الروسي الأخير بالقرب من أوكرانيا أجراس الإنذار ليس فقط في العاصمة الأوكرانية كييف، ولكن في واشنطن وأوروبا أيضًا. وتشير الاستخبارات الأميركية إلى نشر موسكو حوالى 100 ألف جندي وأسلحة ثقيلة، تسمح بهجوم سريع وواسع النطاق ومتعدد الجوانب على أوكرانيا.

وكان وزير الدفاع لويد ج. أوستن الثالث صريحاً أيضاً بشأن هذا الموضوع، إذ تكلم خلال زيارة لكوريا الجنوبية على التنسيق بين الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لمواجهة أي تحركات عسكرية روسية في أوكرانيا. كما أكد بلينكين وأوستن، مع كبار المسؤولين الآخرين، على الديبلوماسية بصفتها الحل الأفضل.

أما التكتيك الأساسي لموسكو فقضى بقلب الوضع رأساً على عقب واتهام أوكرانيا، الأضعف عسكريا، بأنها المعتدية. وهذا ما ترجم من خلال إشارة المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، المقرب من بوتين، الخميس، للاستفزازات المتزايدة للسلطات الأوكرانية ضد الانفصاليين الموالين لروسيا. كما اشتكى بيسكوف من تصريحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي قال إن روسيا تستعد لغزو بلاده، معتبرا أن القيادة الأوكرانية لا تستبعد أي سيناريو فيه لجوء للقوة. وكرر لافروف، في ستوكهولم، تحذيرات بوتين المتعلقة بمساعدة حلف شمال الأطلسي لأوكرانيا عسكريا. كما أعاد التأكيد على موقف زعيم الكرملين الذي يرى في منح العضوية لأوكرانيا في التحالف خطأ فادحًا، ويحذر من أن توسيع الناتو سينتهك أمن روسيا.

ولكن ماذا عن أوروبا؟

لقد واجهت موسكو عقوبات أوروبية بعد الاستيلاء على شبه جزيرة القرم، لكن أوكرانيا تطالب بفرض عقوبات أشد بكثير في حال حاولت روسيا السيطرة على 16 منطقة أخرى (…) وليست أوكرانيا عضوا في الناتو، على الرغم من أنها تطمح لذلك، لذا لا ينطبق المبدأ التأسيسي للحلف المؤلف من 30 عضوًا والذي ينص على أن الهجوم على أحد بلدان الحلف هو هجوم على الحلف بأكمله. ومع ذلك، أكد الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ أن الدعم العسكري الدفاعي المقدم من الحلف لأوكرانيا يتماشى مع الالتزامات الدولية. كما رفض ستولتنبرغ هذا الأسبوع طلب بوتين بأن يتعهد الناتو بالامتناع عن التوسع شرقاً، لافتا الى عدم امتلاك موسكو حق النقض.

ويريد الرئيس الروسي تخفيف العقوبات من ضمن جملة من الأشياء، لكن المحللين يشيرون أيضًا إلى رغبة بوتين الشاملة بأن يعترف الغرب به كزعيم شرعي لقوة عظمى. ويشكك مراقبوه بأنه سيتخلى عن طموحه الذي لا يقتصر على التحكم بثروة أوكرانيا من الطاقة، ولكن أيضا بمصيرها السياسي وبالتالي يترك الوضع في أوكرانيا واشنطن وحلفاءها بمواجهة “معضلة غير مريحة” كما كتب ألكسندر باونوف الباحث البارز في مركز كارنيغي بموسكو هذا الأسبوع. ويراوح الخيار بين تعزيز مكانة روسيا، وبالتالي مكافأة الاستغلال الخطير لصراع محتدم، أو رفض إعطاء موسكو الوعود التي تريدها، وبالتالي الإبقاء على التوتر.

وعلى الرغم من إصرار بايدن المعلن على الاستقرار في العلاقات مع روسيا، من المرجح أن يواصل بوتين زرع بذور الخلاف في الغرب. وبالأصل، يصر كثر على سبيل المثال على أن أزمة المهاجرين في بيلاروسيا ما كانت لتحدث من دون علمه وموافقته. وفي هذا السياق، يجد الديبلوماسي المخضرم دانيال فرايد في سلوك الزعيم الروسي في أوكرانيا نموذجا طويل الأمد ويحذر من أنه لا ينبغي مكافأة روسيا على إنهاء الأزمة التي قد تتحمل مسؤوليتها في الأساس”.

شارك المقال