اغتيال مرفأ بيروت مرة ثانية… لهذه الأسباب!

جورج حايك
جورج حايك

مرّت سنة وأربعة أشهر على انفجار مرفأ بيروت، ولم تبادر السلطات اللبنانية إلى البدء بإعادة إعماره، والسبب الأساسي هو الإهمال الذي يبدو مقصوداً، ربما يبحث المسؤولون اللبنانيون عن الصفقة الأكثر ربحاً لهم شخصياً وليس الصفقة الأكثر ربحاً للوطن، فيما تعتبر إسرائيل المستفيدة الأكبر من المماطلة والتسويف، وباتت أنظار الدول متجهة إلى مرفأ حيفا الذي يشهد حركة تجارية ناشطة وازدهاراً ملحوظاً. أما مرفأ بيروت فيكاد يتعرض للاغتيال مرة ثانية بعد انفجار 4 آب 2020، إذ تتركه الحكومة اللبنانية منكوباً ومدمراً ولا حياة فيه.

أبدت عواصم القرار اهتماماً كبيراً بمرفأ بيروت بعد انفجار 4 آب على كل الصعد، وتلقت السلطة اللبنانية منذ ذلك الانفجار المشؤوم العرض تلو الآخر لإعادة اعماره، وكانت النتيجة هي الرفض، خصوصاً أن المرفأ كان يمتلك واحدة من أهم محطات الحاويات في حوض البحر المتوسط، علماً أن لبنان يعيش على الاستيراد، وتأتي معظم المستوردات عبره!

واللافت أن محطة الحاويات في المرفأ أعيد تشغيلها بعد مرور أسبوع على الانفجار، ولبنان يعتمد على سفن الحاويات لجلب مواد تراوح من شحنات الأغذية المبردة إلى الملابس وغيرها من السلع الاستهلاكية. ولأن الثقل الأكبر لحركة المرفأ يقع على عاتق محطة الحاويات، فإن تطويرها وإعادة تشغيلها بالزخم الذي كانت عليه قبل التفجير، هو الخطوة الأبرز لتحسين أحوال المرفأ.

كل ذلك ليس إلا مجرد عمليات تجميل، فالمرفأ يحتاج فعلاً إلى إعادة اعمار شاملة ليستعيد دوره في المنطقة، وكل تأخير في هذه العملية يصب لمصلحة إسرائيل. وقد تلقى المسؤولون اللبنانيون اهتماماً روسياً للمشاركة في مناقصات إعادة إعمار المرفأ، أما العرض الأبرز فكان من شركات ألمانية أعلنت مشروعاً لإعادة إعماره ومحيطه، تقدّر كلفته بـ7.2 مليارات دولار، ويؤمن 30 مليار دولار من القيمة الربحية غير المباشرة لنحو 25 عاماً، مقابل توفير 50 ألف وظيفة، ويفتح المجال أمام أنشطة اقتصادية بمليارات الدولارات!

من جهتهم، أبدى الأتراك استعدادهم لإعادة بناء المرفأ، بنظام ​البناء​ والتشغيل والتحويل. ودخل الفرنسيون أيضاً في المنافسة، وأكدت جمعية أرباب العمل الفرنسية “ميديف” أنّ الشركات الفرنسية مستعدّة لإعادة بناء المرفأ، قابلتهم حماسة لبنانية لإعادة إعماره من الكوادر البشرية الهندسية الكفوءة في لبنان.

كل هذه العروض لم تغرِ السلطة اللبنانية، والذرائع عديدة: الذريعة الأولى كان يُقال أن حكومة حسان دياب ليس لديها الصلاحية باعتبارها كانت في مرحلة تصريف الأعمال، الذريعة الثانية قالت إنه لا يمكن إعطاء أي موافقة على استثمار ضخم كهذا في ظلّ الشلل السياسي والاقتصادي والمالي التام المتربّص بالبلاد، الذريعة الثالثة كانت بعد تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بأنها حكومة معطّلة، وهنا لا بد من التساؤل، أليس السبب الحقيقي هو تناتش هذه السلطة الحصص والبحث عن صفقات ضاربة عرض الحائط إعادة العافية إلى المرفأ المنكوب؟

لكن بعض المسؤولين اللبنانيين يتكلمون بموضوعية بأن كل هذه العروض الدولية التي تُعنى بالتمويل، تربط الدخول في عملية إعمار المرفأ بصورة رسمية، بتشكيل حكومة وإجراء إصلاحات. وهذا ما تعجز عنه كل هذه الحكومات المنبثقة من أكثرية حاكمة محسوبة على “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” وحركة “أمل”.

يبدو أن المرفأ لن يشهد ورشة اعمار قبل إجراء انتخابات نيابية وتغيّر هذه الأكثرية وتشكيل سلطة جديدة وحكومة فعلية تستعيد ثقة المجتمع الدولي والانتشار الاغترابي اللبنانيّ، المفقودة حالياً لأنهما أهم وأبرز مصادر للتمويل.

في هذا الوقت، تستفيد إسرائيل من الطاقة المحدودة لمرفأ بيروت وحالة عدم الاستقرار التي يعيشها لبنان، وتساعدها سلطة لبنانية فاسدة ومتآمرة في شعبها لا تجيد سوى التعطيل ودفع البلد إلى الانهيار!

لذلك، كثر الكلام على أن مرفأ حيفا سيحل مكان مرفأ بيروت الذي كانت تُفرغ فيه بضائع وجهتها النهائية دول عربية معيّنة من بينها العراق وسوريا والأردن والخليج العربي.

إعلامياً، يكاد بعض المسؤولين في الدولة اللبنانية يروّجون بأنها مؤامرة اسرائيلية على لبنان، الا انها في الواقع هي نتيجة مؤامرة بعض اللبنانيين الذين يخدمون المصلحة الايرانية على حساب لبنان، وخصوصاً بعدما حوّل “حزب الله” بيروت الى مدينة إيرانية على البحر المتوسّط!

في المقابل، لا يمكن التغاضي عن تعاقد شركة إماراتية لتطوير مرفأ حيفا الاسرائيلي بعد التطبيع الاماراتي – الاسرائيلي، مما أثار خشية من سحب البساط من تحت مرفأ بيروت، خصوصاً أن “حزب الله” عكّر علاقات لبنان مع الدول العربية ولا سيما الخليجية. ويجب أن لا ننسى أن التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول الخليجية قادر على أن يفتح الباب على مرفأ حيفا، خصوصاً أنه أقرب جغرافياً إلى الدول الخليجية. واللافت أن إسرائيل لديها إمكانات واسعة لناحية تجهيز ميناء حيفا وطرقاته والتعامل معه، من خلال الشركات الأجنبية وتسهيل تبادل الحاويات، هذه التسهيلات تقابلها تعقيدات وخلافات في لبنان وسط غياب أي رؤية مستقبلية. الجدير بالذكر أن إسرائيل دشّنت مرفأ جديداً للشحن في مدينة حيفا، على ساحل البحر المتوسط، تشغّله شركة صينية، في خطوة تثير قلقاً أميركياً من العلاقات التجارية المتنامية، بين تل أبيب وبكين.

لكن مهما بلغت الحركة في مرفأ حيفا، فإن مرفأ بيروت لديه موقع جيواستراتيجي تزداد أهميته لدى الدول التي لم تحجز لنفسها بعد مكاناً على الجانب الشرقي للبحر المتوسط، في ظل التقسيم الحاصل بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية، إذ تسيطر الأولى على الساحل السوري، وتحافظ الثانية على نفوذها في الساحل الاسرائيلي. ولذلك، تحاول كلٌّ من فرنسا والصين وألمانيا، تعويض ما فاتها من وجود استراتيجي، من طريق الساحل اللبناني. لكن المشكلة أن المنظومة الحاكمة في لبنان عاجزة عن تلقُّف هذه الفرصة نتيجة خلافاتها وانشغالها بحروب المنطقة وخدمة مصالح ايران!

شارك المقال