الترقيات العسكرية في مهب تصفية الحسابات السياسية

هيام طوق
هيام طوق

الأزمات السياسية باتت كابوسا يلاحق كل المؤسسات والقطاعات لترسو مفاعيلها وتداعياتها مؤخرا على المؤسسة العسكرية. وكأنه لا يكفي العسكري الذي يعاني كسائر اللبنانيين، الفقر والجوع والتعب، لتضاف اليه مسؤولية الأمن والتضحية والسهر والوفاء لبلده وشعبه ومؤسسته في ظل أزمة سياسية ومالية خانقة ترخي بظلالها على الأسلاك الأمنية والعسكرية المطلوب منها جاهزية مضاعفة في الظروف الحالية الصعبة حيث التخوف من أعمال أمنية أو شغب بات واردا في أي لحظة.

حوالي 120 ضابطاً يتوزّعون بين دورة ضباط 1994 التي عرفت باسم “دورة عون” وضباط من سائر الدورات استحقّت ترقيتهم بعد نيلهم أقدمية ودورة الحقوقيين في قوى الأمن، اذ كان يفترض أن يُرقّى ضباط الـ 94 إلى رتبة عميد في 1-1-2020 و1-7-2020، إلا ان الكباش السياسي على مستوى الرئاسات خصوصا الأولى والثانية، أغرق قضية الترقيات في مستنقعات الكيديات والتجاذبات وتصفية الحسابات.

ووفق مصادر صحافية، لم يوقع وزير المال يوسف خليل، بناءً على توجيهات رئيس مجلس النواب نبيه بري، ترقيات ضبّاط دورة 1994 في الجيش، ووقّع سائر الترقيات من دورة العام عينه في الأجهزة الأمنيّة الأخرى وأحالها الى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي وقّعها، وأحالها الى رئاسة الجمهوريّة. وبدوره، وقع الرئيس عون مراسيم ترقية الضباط في الاسلاك العسكرية كما وردت اليه من رئاسة الحكومة، باستثناء الترقية من رتبة عقيد الى رتبة عميد “نظرا لعدم ارسال مراسيم ترقية ضباط الجيش من رتبة عقيد الى رتبة عميد للسنتين السابقتين للتوقيع”، اذ لفتت المصادر الى ان ذلك جاء كرد على استثناء دورة الـ94 على الرغم من ان لضباطها الاقدمية المستحقة.

وأسفت مصادر عسكرية لـ”لبنان الكبير” لـ”إدخال المؤسسة العسكرية في مستنقع السياسة، واستخدامها ككبش محرقة بين الأطراف المتنازعة. هذا لا يجوز لأن المؤسسة العسكرية مؤسسة قائمة ويجب تحييدها عن السياسة لأنها المؤسسة الوحيدة الصامدة، ومن المؤسف استخدامها كبريد بين السياسيين. قضية ترقية الضباط محقة للجميع، وهو اجراء يتم وفق آلية متبعة من دون أي أبعاد سياسية”.

وفي وقت زار قائد الجيش العماد جوزف عون على رأس وفد من ضباط قيادة الجيش، الرئيس بري، رجّح مصدر متابع لـ “لبنان الكبير” عدم البت بأي قرار بشأن الترقيات قبل نهاية عطلة رأس السنة، وعودة الرئيس نجيب ميقاتي من سفره على أمل أن نشهد حلحلة ما في هذا الاطار لأن قضية الترقيات حق للعسكريين، ولا يجوز زيادة الاحباط احباطا لدى الضباط.

وأشار المصدر الى انه لا يجوز الحديث عن عدم التوقيع بسبب التوازن الطائفي من هنا (28 ضابطاً مسلماً و98 ضابطاً مسيحياً) أو بسبب مقايضة من هناك، ولا يجوز الحاق الضرر بالضباط الذين استحقوا الترقية من رتبة عقيد الى رتبة عميد منذ سنتين، وربط ترقيتهم بترقية ضباط دورة الـ1994 الذين ظُلموا بسبب اطلاق “دورة عون” على دورتهم، خصوصا ان الكثير من بينهم صُبغوا ” بالصبغة العونية” وهم ليسوا كذلك، إضافة الى ان عددا منهم استشهد والبعض هاجر.

وأوضح العميد المتقاعد جورج نادر ان “هناك عددا من الشبان تطوعوا في المدرسة الحربية بصفة تلميذ ضابط أوائل سنة 1990 حين كان البلد مقسوما، وأغلبية المتطوعين من المسيحيين، وكان الرئيس ميشال عون رئيس حكومة وقائد جيش في الوقت عينه، فسميت الدورة “بدورة عون”، لكن الضباط دخلوا الى المدرسة الحربية بكفاءتهم بعيدا عن الوساطات. وبعد 13 تشرين الاول، وتوحيد الجيش تم تسريح هؤلاء الضباط لمدة سنة قبل أن يعودوا ويلتحقوا بالمؤسسة، ليتخرجوا سنة 1994 أي بعد 4 سنوات من دخولهم الى المدرسة الحربية. وفي عهد الرئيس عون قرر الأخير انصافهم، وأعطاهم سنة أقدمية بدلا من السنة التي سُرّحوا فيها”.

وشدد على انه “لا يجوز ربط ترقية العسكريين بالاشتباك الحاصل بين الرؤساء، ولا تجوز تصفية الحسابات السياسية على حساب السلك العسكري، وربط قضيتهم بأي قضية أخرى، لافتا الى ان ما يهمنا انصاف العسكريين وليس ما يجري بين المسؤولين من تصفية حسابات خصوصا ان المؤسسة العسكرية مؤسسة قائمة بحد ذاتها”.

وأكد نادر “أحقية قضية العسكريين الذين يجب أن يحصلوا على الترقيات، لكن الاهم اليوم هو ان المسؤولين يتلهون بالتوقيع أو عدمه، والبلد ذاهب الى الانفجار الاجتماعي الكبير، متسائلا: ألم يسمع المسؤولون قائد الجيش حين قال اننا على أبواب فتنة؟ على الجميع أن يأخذ كلامه على محمل الجد قبل فوات الأوان، معتبرا اننا نعيش وفق شريعة الغاب”.

إشارة الى ان هناك عددا من الضباط بلغوا سنّ التقاعد وهم برتبة عقيد، ففقدوا حقّهم بالترقية بسبب الاشتباك السياسي إلا ان قائد الجيش العماد جوزف عون عمد إلى استدعائهم من الاحتياط مما سيتيح ترقيتهم لاحقاً إلى رتبة عميد مع توقيع مراسيم الترقيات، حرصا على حفظ حقوق هؤلاء الضباط. وفي حال عدم التوصّل إلى تسوية تتيح الترقية، فلا إمكانية لحلّ هذه المعضلة إلا في 1-7-2022 حين تستحقّ ترقيات ضباط دورة 1995 (غالبيتها من المسلمين) مما يؤدي إلى تصحيح الخلل الطائفي.

شارك المقال