سمير جعجع مرشّح أكثر من طبيعي!

جورج حايك
جورج حايك

لا يعيش رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع هاجس الانتخابات الرئاسية، بل يرتكز نضاله السياسي والوطني الى الواقعية والحق الطبيعي لوصول “القوات” إلى المؤسسات الدستورية سواء بالانتخابات أو بالتعيينات، لكن حتماً الطريق ليست مفروشة بالورود، إنما مزروعة بالألغام والكثير من تعقيدات الحياة السياسية اللبنانية التي تدركها معراب جيداً وتسعى إلى تفكيكها، فما طبيعة هذه الألغام التي قد تواجهها “القوات” خلال سنة 2022؟

ليس سراً أن “القوات اللبنانية” تستعد بجديّة لخوض الاستحقاقات الدستورية في هذه السنة التي تشكّل منعطفاً مهماً لكل القوى السياسية وستحدد مصير لبنان وإمكان التغيير فيه، ولا سيما أنه يعيش عزلة عربية ودولية انعكست تدهوراً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً على الساحة المحلية. وبالتالي تراهن “القوات” على وعي الشعب اللبناني لمنع الأكثرية النيابية الحالية المشكّلة من “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، من الاستمرار في السلطة ووضع قرار الحرب والسلم في محور المقاومة والممانعة الذي وصل مشروعه السياسي في لبنان إلى الحائط المسدود، ولا يمكن أن يعيش لبنان في كنف هذا المحور الذي لا يؤمن بالدستور والقانون والمؤسسات ومنطق الدولة، ولا يعيش سوى في الفوضى وعدم الإستقرار. من جهة أخرى، لم تعد تنفع “صحوة الموت” التي أطلقها رئيس الجمهورية ميشال عون في كلمته الأسبوع الفائت، لأنه يتحمّل مسؤولية الانهيار الذي أصاب البلد. ولا يمكن للرئيس ولا لصهره جبران باسيل أن ينتقدا التعطيل الذي يمارسه “الحزب” اليوم لكونه يضرّ بمصلحته، فيما كانا مشاركين فيه عندما كان يخدم هذه المصلحة في تشكيل الحكومات أو “عون أو لا أحد في بعبدا”.

إنطلاقاً من هذا الواقع تركّز “القوات” على الانتهاء من هذا الوضع الانهياري والاقتصاص من منظومة السلطة معتمدة على إرادة الناس في صندوق الاقتراع، وبدءاً من الأسبوع المقبل، ستبدأ “القوات” ورشة اختيار مرشحيها للانتخابات النيابية، وقد بات استمرار بعض النواب الحاليين وخصوصاً الذي قدّموا نموذجاً ناجحاً، مضموناً، ومسألة استبدال البعض اصبح أيضاً حتمياً نظراً إلى الحاجة إلى التغيير أحياناً مع وجوه واعدة تتمتع بالنزاهة والكفاءة ونظافة الكف، ولا يمكن إلا التوقف عند اسماء مثل جورج عقيص وأنطوان حبشي وجورج عدوان وبيار ابي عاصي، ولا شك ان اختيار “القوات” لنوابها الجدد سيرتكز الى استطلاعات للرأي توخياً للموضوعية وحسن التمثيل، مع اتجاه إلى تحالفات مع شخصيات مستقلة تتمتع بحيثية شعبية وتتفق مع مبادئ “القوات” وثوابتها.

وليس مستغرباً تفاؤل “القوات” بقدرتها على تحقيق انجاز في الانتخابات النيابية المقبلة، إذا لم يحصل أي طارئ يؤدي إلى تأجيلها، والخروج من المعركة بتكتل نيابي واسع، يكون له وزنه وتأثيره في المجلس النيابي العتيد، بالتحالف مع تكتلات أخرى ذات طابع سيادي.

يُعتبر هذا الطموح شرعياً ومنطقياً لـ”القوات”، لذلك يركّز جعجع في كل كلماته ومواقفه السياسية على الانتخابات النيابية، وقد اتُّهم أحياناً بالمبالغة والمغالاة في اعتماده على هذه الانتخابات للتغيير، فيما يعتبر البعض ان الانتخابات لن تغيّر شيئاً، لأن النظام اللبناني الحالي انتهى بل لفط أنفاسه الأخيرة، بعدما نحره “الحزب” و”التيار” بتعطيلهما للحياة السياسية الدستورية معتمدين على التعنّت والتعاطي السلبي والاستقواء بالسلاح وفائض القوة.

يرى جعجع أن “الحزب” يعتمد سياسة الاستقواء لأن أكثرية الأفرقاء تخاف مواجهته، وهو استغل مكامن الضعف والخوف لدى بعض القادة لإحكام سيطرته على مؤسسات الدولة، وربما تجربة قوى 14 آذار أبرز دليل على سياسة الخوف والتنازلات، فيما ظهر “الحزب” بموقع العاجز والضعيف في مسألة اقصاء القاضي طارق البيطار ومسالة استقالة وزير الاعلام جورج قرداحي وحادثة الطيونة – عين الرمانة!

لا يخشى جعجع المواجهة، وهذا ما يجعل منه قائداً سياسياً مميزاً في هذا الزمن الصعب، وقد ينتقده البعض أنه لا يقوم بحسابات دقيقة لميزان القوى، او يبدو انتحارياً بنظر الكثيرين، إلا أن كل القوى، وفق رؤية معراب، اختبرت التنازلات، فلماذا لا تختبر هذه المرة المواجهة؟

يقدّم رئيس “القوات” الخيار الآخر، وليس صحيحاً إنه لا يقوم بحسابات سياسية دقيقة، فهو ينطلق من معطيات معينة بأن لبنان شهد انهياراً كبيراً نتيجة مشروع “حزب الله” ومعادلة “السلاح والفساد” التي اعتمدها مع “التيار الوطني الحر” وهذا ما لا يختلف عليه اثنان، والوسيلة الوحيدة للتغيير من دون دماء ودمار وخراب هي الانتخابات النيابية، وبمجرد الوصول إلى أكثرية نيابية جديدة، لا بد أن تحكم بكل جديّة، وتأخذ القرارات السيادية والاصلاحية، حتى ولو تطلب الأمر مواجهة سياسية قاسية، ومن يحتكم في هذه الحالة، إلى لعبة السلاح سيجد نفسه في مأزق على الساحات المحلية والإقليمية والدولية، ولبنان ليس متروكاً، ولا أحد يستطيع أن يلغي أحداً!

هذه هي رؤية جعجع على المدى القصير، فهو، وفق رأي البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، “الناسك المفكّر والمخطط”، وكلام الراعي لم يأتِ من العدم إنما شهادة موضوعية من أعلى مرجعية كنسية مسيحية في لبنان، لأن جعجع مؤمن بطرح الحياد البطريركي، بل كان الأكثر وضوحاً بدعمه منذ اطلقه الراعي، كما يرى الأخير أن جعجع الأقل أخطاء بخطواته السياسية التي تنسجم مع “رجل الدولة”، وقد أتى كلام الراعي عشية الانتخابات النيابية والرئاسية، وإذا تمعنّا أكثر بخلفيات كلامه، فهو يعطي جعجع دفعاً قوياً باتجاه مواصفات “الرئيس” العتيد انطلاقاً من رؤية بكركي. علماً ان معراب وبكركي يعرفان حجم الصعوبات لوصول جعجع إلى الرئاسة، لكن التوقعات تشير الى فوز مرجح للقوات بالانتخابات النيابية، مما سيجعل من جعجع المسيحي الأقوى والأكثر تمثيلاً، وإن لم يكن جعجع الرئيس فسيكون الممر الأساسي لأي رئيس، إلا إذا كان قرار “حزب الله” هو تعطيل الانتخابات الرئاسية والفراغ.

وربما الخوف من هذا الوضع، جعل الراعي يعطي شهادة مبكرة لجعجع بغية اطلاق يده في المعركة الانتخابية الرئاسية لأن لبنان لم يعد يحتمل رؤساء “ممانعين”، فيما جعجع يملك مشروعاً متكاملاً ومرضى عنه خليجياً ودولياً، وقادر على الحدّ من دور “حزب الله”، وإن تم انتخابه فسيدعو في بداية عهده إلى حوار في بندين أساسيين:

– إعادة الاعتبار إلى دور الدولة في قراري الحرب والسلم والدفاع عن لبنان وبسط سيطرتها منفردة على كامل التراب اللبناني.

– إدارة الدولة بطريقة مختلفة عن الإدارة الكارثية التي تعاملت مع الأمر الواقع وشوّهت وأفسدت وخرّبت.

قد يُقال أن سمير جعجع مرشح طبيعي للرئاسة إنما في الحقيقة هو مرشّح أكثر من طبيعي لأن انقاذ الدولة يحتاج إلى رئيس من هذه الطينة، يدعو إلى حوار وطني يبدأ بمرجعية الدولة وحدها من دون شريك، وينتهي بالحياد الذي يشكّل جزءاً لا يتجزأ من الميثاق الوطني اللبناني. تبعاً لكلام البطريرك الراعي أصبح جعجع “مرشّح الحياد” بإمتياز!

ليست الرئاسة هدفاً لجعجع “الناسك”، إنما جزءاً من مشروع متكامل لـ”القوات اللبنانية”، لذلك لا يعيش هاجسها ولا رغبات سلطوية ولا مصلحة ذاتية، بل يجسّد مشروعاً انقاذياً لوطن لم يرتَح منذ 50 عاماً!

شارك المقال