يستمر الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله بهجومه على السعودية والعائلة الحاكمة فيها كلامياً، وكان آخرها اتهامه الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود بالإرهاب. ولا تنفصل هذه التهجمات عن النزاع الايراني – السعودي في المنطقة وخصوصاً في الحرب الدائرة في اليمن.
ولا يختلف اثنان عاقلان على أن مواقف نصرالله تسيء إلى علاقات لبنان مع السعودية والدول الخليجية، وتهدد مصالحه العليا سياسياً واقتصادياً، وترى أكثرية النقاد العالميين أن مواقف نصرالله خالية من المصداقية باعتبار أن تنظيمه مصنّف ارهابياً من قبل 47 دولة حول العالم ومن مختلف القارات، بينها 20 دولة ساوته بتنظيمَي “داعش” و”القاعدة” وحظرت أنشطته بشكل كامل، إذ بات أي متعامل أو متعاطف معه تحت مجهر الملاحقة القضائية في تلك الدول.
في ادبيات محور المقاومة والممانعة ان السعودية هي الدولة التي تقف وراء اطلاق تنظيم “داعش”، فيما تشير الوقائع إلى أن السعودية تعرضت ما بين عامي 2015 و2019 لما لا يقل عن 22 هجوماً تبناها تنظيم “داعش” وأهمها: تفجير انتحاري وقع بمسجد قوات الطوارئ في مدينة أبها في 6 آب 2015، هجوم مزدوج استهدف مسجد الرضا بمحافظة الإحساء عبر إطلاق النار، وتفجير الأحزمة الناسفة من قبل شخصين وقع في 19 كانون الثاني 2016 وأسفر عن مقتل 5 أشخاص وإصابة 36 آخرين بينهم 3 رجال أمن، وتفجير انتحاري قرب المسجد النبوي بالمدينة المنورة أدى لمقتل 4 رجال من الشرطة في 4 تموز 2016، وفي اليوم عينه وقع تفجير مزدوج لانتحاريين اثنين قرب مسجد الشيخ حسين العمران بالقطيف حيث قتل رجل أمن سعودي ومقيم بنغالي إثر تعرض نقطة أمنية في مدينة بريدة لإطلاق نار من قبل مسلحين في 8 تموز 2018، وهجوم استهدف مقراً للشرطة قرب الرياض في 21 نيسان 2019.
في المقابل، لم يتبنّ تنظيم “داعش” أي عمليات تجاه إيران، على الرغم من التعارض الفكري والمذهبي، فالتنظيم الذي يزعم انتماءاته “السنّية”، اكتفى بالنعاق تجاه “طهران” الممثل الأكبر للتيار الشيعي في العالم.
من بين تلك الشبهات أن الدولة الإيرانية تقف وراء التنظيم الإرهابي، كما كانت الداعم الأكبر لحركة طالبان وتنظيم “القاعدة” في التسعينيات من القرن الماضي، وترجح تلك الفرضية، ما جاء على لسان أبو محمد العدناني المتحدث السابق لـ”داعش” الذي أعلن مقتله عام 2017 وقال: “ظلت الدولة تلتزم نصائح وتوجيهات شيوخ الجهاد ورموزه، ولذلك لم تضرب الروافض في إيران منذ نشأتها، وتركت الروافض آمنين في إيران، وكبحت جماح جنودها المستشيطين غضباً، على الرغم من قدرتها آنذاك على تحويل إيران إلى برك من الدماء، وكظمت غيظها كل هذه السنوات؛ تتحمل التهم بالعمالة لألدّ أعدائها إيران؛ لعدم استهدافها، تاركة الروافض ينعمون فيها بالأمن والأمان؛ امتثالاً لأمر القاعدة؛ للحفاظ على مصالحها، وخطوط إمدادها في إيران”.
ومن بين الجماعات الكثيرة التي ترعاها طهران هي “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة” و”حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية” و”حماس” وثمة علاقات أخرى أقل شهرة مثل روابط إيران مع “حركة الشباب” الصومالية.
وفي دراسة أخرى لمركز “الخليج العربي للدراسات الإيرانية”، تم التأكيد على علاقة إيران بالجماعة الإسلامية في مصر، في السبعينيات والثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن العشرين. وتابعت الدراسة أن الجماعة كانت النواة الحقيقية لتنظيم “القاعدة”، وارتبطت إيران ارتباطًا وثيقا برجال الجماعة الإسلامية، خاصة بعد نجاح ثورة الخميني، واستقبال النظام المصري للشاه، فقامت الدولة الفارسية الوليدة بنصب العداء مع الدولة المصرية، ونظامها السياسي وقتئذ، وقامت بدعم المسلحين الذين يخوضون العمليات الإرهابية ضد الدولة المصرية.
الارتباط بين “الجماعة الإسلامية” و”القاعدة” و”داعش”، كلها ارتباطات فكرية فجميعها خرجت من رحم واحد، فتنظيم “داعش” الذي انبثق عن دولة العراق الإسلامية والتي كان يقودها أبو مصعب الزرقاوي وتولاها أبو بكر البغدادي، كل هؤلاء يكنون الاحترام للدولة الإيرانية!
وللمزيد من المعلومات التي يجب على نصرالله أن يدركها، وحتماً هو يدركها، وإن رفضها، أن “داعش” هو فصيل أخرج معظم قادته من السجون السورية خلال الثورة، وتحديداً عام 2013. إدّعى الخلافة عندما كان الثوار في أوج قوتهم، حيث كانوا يسيطرون على ٨٠% من أرياف سوريا ومدينة الرقة، مدينة دير الزور باستثناء مطارها وأجزاء من حمص وحلب ودمشق ودرعا والقلمون بالكامل. ظهر داعش وقاتل الثوار في كل مناطق نفوذهم. احتل الرقة ودير الزور وريف حلب الشمالي وريف حمص وأجزاء من ريف درعا. قاتل الثوار عند هجومهم لاحتلال درعا مما أدى الى فشل العملية. قاتل الثوار عند تحرير مدينة كسب على الساحل السوري وقطع عنهم خط الإمداد ممّا أدى لاسترجاعها لاحقاً. هاجم مدن ريف حلب الشمالي بالتزامن مع القصف الروسي الذي كانت تتعرض له مناطق الثوار، هاجم الثوار في القلمون يداً بيد مع “حزب الله” والنظام بهجوم مشترك ومنسق على كافة الجبهات. هاجم مخيم اليرموك، في ريف دمشق الذي كان كالخنجر بيد النظام وقتل كل الثوار. ٩٨% من الضربات الجوية الروسية والتابعة للنظام هي على مناطق نفوذ المعارضة، بينما كانت قافلات “داعش” تقطع آلاف الكيلومترات في الصحراء من دون ان يتعرض لها أحد.
أما في العراق فقد قامت ثورة “سنية” من خلال العشائر واحتلت الفلوجة وبدأ العصيان المدني والعسكري في كامل المناطق العراقية السنّية. في اليوم الثاني، احتلت “داعش” نصف العراق وانسحبت القوى الحكومية – التي تقدر بـ٣٥ ألف عسكري عراقي مقابل ٣٠٠٠ لـ”داعش” – من الموصل.
وكل خبراء العالم واستراتيجييه ينسبون إنتاج “الدواعش” لنظام الأسد في سوريا ونظام المالكي في العراق. وكل خبراء العالم واستراتيجييه يقولون إن أولوية عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما كانت “إرضاء” إيران وحلفائها ولو بمنحها سوريا والعراق من أجل إنجاز الاتفاق النووي معها والذي وُقّع عام 2015.
والأمر المعلن أيضاً أنّ عدة دولٍ عربية على رأسها المملكة العربية السعودية كانت بين المتدخلين الأوائل بقواتها الجوية ضد “داعش”. ومع انهيار “الدواعش” أو جلائهم منهزمين عن مناطق احتلالهم في البلدين جاءت قوات الأسد وميليشيات إيران بسوريا والحشد الشعبي المدعوم من إيران بالعراق لممارسة الاحتلال والاكتساح لتلك المناطق البائسة والمخرَّبة من “داعش” ثم من إيران وأنصارها. ولا بد من اعطاء كل ذي حق حقه، فإنّ الأكراد في شمال سوريا وبعض مناطق العراق قاتلوا ضد “داعش” على الأرض أكثر بكثير مما قاتلت قوات الأسد والميليشيات الإيرانية و”حزب الله” الذي يتغنى بانتصارته نصر الله! ولا أحد ينسى كيف منع نصرالله عام 2017 الجيش اللبناني من مواصلة قتاله ضد داعش في معركة “فجر الجرود” في جرود القاع وراس بعلبك، وتكفّل حزبه بتهريب مقاتلي “داعش” بباصات مكيّفة عبر سوريا من دون ان يقوم النظام السوري بالتعرض لهذه الباصات، فمن هو المتماهي مع الارهاب يا ترى، بل يتقاسم الارهاب مع “داعش”؟
قد يبدو للوهلة الأولى أنه من المستحيل المقارنة بين “حزب الله” و”داعش”، الا أنه وبعد التدقيق في الوقائع بكلا التنظيمين ستظهر تشابهاً بينهما عبر النقاط التالية:
أولاً، التنظيمان يتخذان من الدين الاسلامي حجة وستارة لهما لتنفيذ مآربهما السياسية والتوسعية.
ثانياً، تشابه في عملية الاستقطاب والتجنيد واستخدام الإعلام.
ثالثاً، اعتمادهما على كل أنواع التجارة لتحصيل الأموال الكافية والداعمة لاستمرارهما.
رابعاً، استغلال القواعد الشعبية متشابه إلى حد كبير بينهما.
خامساً، يرفض تنظيم “داعش” التعامل معه ومع امرائه كتنظيم عادي أو ميليشيا، ويفرض التعامل كأنه دولة المسلمين أو دولة الخلافة. وفي الوقت عينه، يرفض مسؤولو وعناصر ومناصرو تنظيم “حزب الله” الإشارة اليه وكأنه تنظيم سياسي أو عسكري عادي، بل تراهم يروّجون لعبارة “المقاومة الاسلامية” لإضفاء هالة من القدسية على “الحزب”.
سادساً، قرارات وسياسات “داعش” لا تئاقش باعتبار انها صادرة عن “دولة الخلافة الاسلامية”، وقرارات وسياسات “حزب الله” لا تناقش وممنوع تجاوزها لكونها صادرة عن المرجعية العليا الممثلة بـ”الولي الفقيه”.
سابعاً، يعتبر امير تنظيم “داعش” نفسه أميراً للمسلمين و”الخليفة” المتحدر من سلالة النبي محمد، فيما يعتبر ولي الفقيه أو ممثله الشرعي في البلدان التي يوجد بها حزب الله من سلالة الإمام علي، وبالتالي فإن طاعته واجبة وملزمة لكل أبناء الطائفة الشيعية.
كل هذه الأسباب دفعت السعودية وعدداً كبيراً من دول العالم إلى تصنيف “حزب الله” بالارهابي، وهو يمارس أنشطة تخدم ايران وتعكّر علاقات لبنان بدول الخليج، ولا سيما انه يهيمن على القرار الرسمي اللبناني ويتحكّم بالسياسة الخارجية، ورد فعل نصرالله الأخير وتصعيده ضد السعودية واتهام ملكها بالإرهاب يعود إلى ثلاثة أسباب هي:
السبب الأول، انزعاج طهران من الدور الكبير للرياض في توحيد الصف الخليجي والعربي وتعبئة الموقف الدولي ضد اي اتفاق نووي يتساهل مع إيران نووياً ويُهمل خطورة دورها المزعزع للاستقرار في المنطقة، خصوصاً ان الجولة الخليجية التي قام بها مؤخراً ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان فعلت فعلها ولم يعد من السهل تجاوز الموقف الخليجي الذي يحظى بتفهّم دولي، وبالتالي الانزعاج الإيراني مرده إلى دور الأمير محمد وتوقيت تحركه الذي قطع الطريق على اتفاق إذعان جديد.
السبب الثاني، الهزيمة الحوثية في اليمن بعدما كانت تعتقد طهران انها على مقربة من تحقيق انتصارها في مأرب، ففوجئت بقصف مركز للتحالف أدى إلى هزيمة ما بعدها هزيمة للحوثيين، وبالتالي الصوت المرتفع لنصر الله هو محاولة لإثارة الغبار والتغطية على هزيمة الحوثيين والإحباط الواسع الذي خلّفته هذه الهزيمة داخل هذا المحور المتهالك.
السبب الثالث، كون طهران التي تخوض حواراً مع الرياض لا تريد الدخول في مواجهة مباشرة معها، وهي منزعجة من رفض المملكة فتح أي صفحة قبل وقف إيران لأنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة، فطلبت من “حزب الله” الهجوم بالنيابة عنها في رسالة إيرانية عن طريق بريد الحزب الذي ينفّذ السياسة الإيرانية.
ان عودة العلاقات اللبنانية – السعودية مستحيلة في ظل “حزب الله” الذي يسمح لنفسه بمهاجمة المملكة تنفيذا لأوامر ايرانية، فهل هناك أي دولة في العالم تقبل ان تتعاون مع دولة أخرى تشكّل حاضنة لأحزاب تستهدفها بالموقف السياسي، وتهريب المخدرات، وتدريب شبكات ومنظمات أمنية تعبث بأمن دول المنطقة؟ بالتأكيد كلا، ولبنان هو الاستثناء بفعل الأمر الواقع الذي يفرضه “الحزب” على اللبنانيين بخطفه لقرار الدولة اللبنانية.