القرار 1559 على نار حامية… وهذا ما يحضّر له!

جورج حايك
جورج حايك

يثير الحراك الدولي والاقليمي والمحلي حول ضرورة تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بلبنان وسيادته الانتباه، ولا سيما القرار 1559 المتعلق بحل جميع الميليشيات ونزع سلاحها، ومن البديهي أن يكون سلاح “حزب الله” مطروحاً كأولوية، لأنه يشكّل العائق الأكبر أمام قيام دولة فعلية.

ما يجري من زيارات لمسؤولين أمميين وغربيين وخليجيين إلى لبنان يسبّب القلق لـ”حزب الله”، ويعتبره جزءاً من المؤامرة الدولية ضد سلاحه ومقاومته، لذلك سارعت كتلة “الوفاء للمقاومة” إلى التشديد على ضرورة الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني من دون أي زيادة أو نقصان، داعية الجميع إلى ملاقاتها عند هذا الالتزام. ونبّهت الى أن “أي خروج ولو كان تحايلاً على هذه الوثيقة ينطوي على جملة مخاطر كبرى تهدد بالتأكيد المصالح الوطنية للبنان واللبنانيين، ولن ينفع لتداركها رهان بعضهم على دعم خارجي له من هنا أو هنالك”.

هذا البيان ليس سوى انعكاس لاستشعار “حزب الله” بالخطر الداهم، لأنه يرى حراكاً محلياً لا يُطمئن في ما يخص مقاومة استمرار هيمنته على القرار الرسمي اللبناني. وما يزعجه على نحو أساسي حراك البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي واصراره على مشروع الحياد والمؤتمر الدولي من أجل لبنان، وهو مشروع يتناقض مع مشروع “حزب الله” المؤيد لسياسة المحاور والانخراط في الصراع الاقليمي. وأكثر ما أثار قلقه زيارة وزير خارجية الفاتيكان بول ريتشارد غالاغير إلى لبنان والدعم الذي يوفّره لترويج مشروع البطريرك الراعي على الصعيد الدولي.

أما النقطة الثانية التي تزعجه فهي استشعاره بموجة تغييرية قد تصيب المجلس النيابي الجديد بعد اجراء الانتخابات النيابية، وخصوصاً صوت المغتربين اللبنانيين الرافضين لمشروعه، وعلمه أن “القوات اللبنانية” قد تنزع عنه الغطاء المسيحي إذا حققت التمثيل الأكبر مسيحياً. من هنا لا يوفّر المسؤولون في الحزب انتقاداتهم لـ”القوات” في كل اطلالة اعلامية وهذا ما هو بارز على أرض الواقع، عدا الاستهداف بالتزوير وتلفيق الشائعات لتوتير العلاقات السياسية لـ”القوات” مع الأطراف الأخرى.

ونعود إلى وثيقة الطائف التي تطالب كتلة “الوفاء للمقاومة” بتنفيذها، علماً أنه احتراماً لعقول اللبنانيين يُعتبر الحزب أكثر من انتهك هذه الوثيقة. وينص البند الأول من الفصل الثاني من الوثيقة المعنون “بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية” على “الاعلان عن حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانية خلال ستة أشهر تبدأ بعد التصديق على وثيقة الوفاق الوطني وانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة الوفاق الوطني واقرار الاصلاحات السياسية بصورة دستورية”.

وهنا لا بد من لفت النظر إلى أن الانقلاب الأول على “وثيقة الوفاق الوطني” بدأ من خلال رفض “حزب الله” تسليم سلاحه للدولة اللبنانية على غرار الميليشيات الأخرى بحجة أنه مقاومة، علماً أن الوثيقة لم تتحدث عن هذا الموضوع بتاتاً، ولو وجدت نية للمجتمعين في الطائف أن تكون هناك مقاومة لتمّ تخصيص هذا الجانب ببند واضح لا يحتمل التأويل.

إذاً، على الصعيد اللبناني هناك استحقاقان قد يصبّان لمصلحة تطبيق القرار 1559 وبقية القرارات الدولية، هما الانتخابات النيابية ورئاسة الجمهورية.

اقليمياً، لا يقلّ الحراك قوة عن الحراك المحلي، ويتمحور حول تطبيق القرارات الدولية ولا سيما القرار 1559 والهدف نزع سلاح “حزب الله” ووقف تدخلاته في شؤون الدول العربية والخليجية، وقد بدأ هذا التحرك يتفاعل مع زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى السعودية ولقائه ولي العهد محمد بن سلمان وصدور بيان مشترك شدد على ضرورة تنفيذ القرارات الدولية المذكورة 1701 و1680 و1559. واستمر ذلك في جولة بن سلمان الخليجية، حيث بدا أن هناك اجماعاً عربياً وخليجياً على تطبيق القرار 1559، وتوّج ذلك بزيارة لوزير خارجية الكويت الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح إلى لبنان حاملاً مبادرة واضحة بالاتفاق مع المجتمعين العربي والدولي أبرز ما جاء فيها المطالبة بالحفاظ على استقرار لبنان واحترام سيادته ووحدته، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي 1559 و1701 و1680 والقرارات الدولية والعربية ذات الصلة، وضمان ألا يكون لبنان منطلقاً لأي اعمال ارهابية تزعزع استقرار المنطقة وأمنها، ومصدراً لتجارة المخدرات وترويجها، والتأكيد على أهمية تعزيز دور الجيش اللبناني في الحفاظ على أمن لبنان واستقراره.

ردّ لبنان الرسمي على هذه المبادرة بدا هزيلاً وغير مقنع، لذلك بات الكلام جدّياً عن عقوبات خليجية ستفرض على لبنان وحكومته وستكون موجعة، وبالتالي الوضع يسير نحو التصعيد وهذا ما ستشهده الأيام المقبلة. فالخليجيون وعواصم القرار يعرفون أن السلطات اللبنانية عاجزة عن تطبيق القرارات الدولية ونزع سلاح “حزب الله”، الا أنهم ينتظرون من هذه السلطات مواقف قوية وحازمة وصلبة تجاه أداء الحزب، فيما هم متأكدون من أن الحكومة اللبنانية عاجزة حتى عن اتخاذ مواقف مبدئية سيادية، إما خوفاً أو تآمراً!.

دولياً، لم تتوقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن منذ العام 2004 عن مطالبة الدولة اللبنانية بتنفيذ القرارات الدولية وخصوصاً القرار 1559، والجدير بالذكر أن هذه القرارات مُلزمة للبنان لأنه عضو مؤسس في منظومة الأمم المتحدة. وفي الوقت عينه، ينص الدستور اللبناني على الإلتزام بالمواثيق والقرارات الدولية، وهي في مرتبة تفوق حتى القانون الداخلي. وبالتالي فإن تنفيذ القرار 1559 مُلزم للبنان.

وهذا القرار مرتبط بالقرار 1701، لأن “حزب الله” يحاول بسرديته أن يتنصل من تنفيذ الـ1559 بالقول انه فُرض على اللبنانيين وهو نتاج الامبريالية الأميركية، وما الى هناك من تعابير للتشكيك بهذا القرار لكن في الواقع وافق عليه “حزب الله”، لأنه كان ممثلاً بالوزير محمد فنيش في الحكومة. وحينها وافقت الحكومة اللبنانية على هذا القرار نتيجة حرب تموز عام 2006، اثر قيام “حزب الله” بأسر اسرائيليين على الحدود مع لبنان، وكان الوزير فنيش حينذاك في قلب الحكومة، وبالتالي موافقة “حزب الله” كانت بخطه وحبره على الـ1701 الذي نص على تنفيذ الـ1559. وبالتالي فان الحزب لا يستطيع اليوم أن يتبرأ من القرار 1701 ويتنصل من تنفيذ الـ 1559، لكونه وافق عليه من خلال موافقته على الـ 1701.

واللافت أن تنفيذ القرارات الدولية يجب أن يحصل من قبل الحكومة اللبنانية، وإذا عجزت عن ذلك أو كانت غير قادرة على التنفيذ، يستطيع مجلس الامن بناء على طلب الحكومة اللبنانية أو بناء لقرار منه، لكونه سيد نفسه، أن يتخذ قراراً ويطلب التنفيذ تحت الفصل السابع مما يعني تدخلاً عسكرياً واستعمالاً للقوة.

أهم مفاعيل الفصل السابع أن مجلس الامن يستطيع تنفيذ قراراته باللجوء الى القوة المسلحة. والقول ان ذلك قد يؤدي الى حرب أهلية مجرد تحليلات. وهذا الأمر يتعلق بكيفية تعامل “حزب الله” مع هذا الموضوع، لكن في النهاية القرار صادر عن المجتمع الدولي ومعارضة تنفيذه تعني معارضة الإرادة الدولية.

مع ذلك، يتجنّب المجتمع الدولي ادخال لبنان في اضطرابات، ويتركّز العمل دولياً من أجل حل الأزمة على جبهات عدة أهمها حتماً مؤتمر فيينا حول النووي الايراني، ومن المتوقع أن تجد الأطراف المتفاوضة وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية وايران، حلاً لمسألة سلاح “حزب الله”، بل يعوّل اللبنانيون على ألا تكون نتيجة هذه المفاوضات، ومن أهم بنودها حلّ لمسألة ميليشيات ايران في المنطقة، على حساب لبنان. والمعلومات الآتية من مصادر مطلعة على بعض ما يجري في المفاوضات التي تتعثّر حيناً وتعود إلى نشاطها أحياناً أخرى، تؤكد أن مصير سلاح “حزب الله” سيكون مطروحاً فيها، ومن المتوقع إيجاد حل فعلي لمشروع الحزب وسلاحه المناقضين للدستور اللبناني والميثاق والشراكة الوطنية، فيتحول حزباً سياسياً أساسياً يشارك الآخرين في تعزيز كيان لبنان ووحدته وسيادته، وهو ما دأبت عليه تاريخيا الشيعيّة اللبنانية، إضافة إلى تنفيذ جدي للقرارات الدولية الأممية الضامنة نصياً استقلال لبنان وسيادته وسلطته الشرعية وحدها على كامل الأراضي اللبنانية.

حتماً، لن تظهر نتائج مؤتمر فيينا في وقت قريب، بل قد تستغرق وقتاً طويلاً، وقد تتعثّر مرات ومرات من ضمن لعبة المفاوضات التي تتطلب نفَساً طويلاً، فيما الوضع اللبناني لا يحتمل كل هذا التسويف والمماطلة، بل بلغ حداً كبيراً من الخطورة، وعواصم القرار تعرف ذلك. لذا، فإن ما تكلم عنه الأمين العام للمجموعة الأطلسية النيابية في الولايات المتحدة وليد فارس، يؤكد أن ثمة بحثاً جدياً بدأ به الكونغرس الأميركي بدفع من اللوبي اللبناني في واشنطن، يقضي بتنفيذ مرحلي للقرار 1559، وهو يشمل منطقة خالية من الميليشيات من بيروت حتى عكار، ويؤدي إلى استقرار في المناطق التي سيشملها المشروع، فتكون تحت سلطة الجيش اللبناني، وتتمتع بأمان واستقرار يجذب الاستثمارات الأجنبية، مما يؤدي إلى وضع اقتصادي أفضل. ويتبع ذلك اعلان مناطق آمنة أخرى تدريجياً حتى تنضج التسوية التي تؤدي إلى تسليم الحزب سلاحه وتحوّله إلى حزب سياسي بحت.

مما لا شك فيه أن القرار الدولي بتطبيق القرار 1559 قد اتخذ، ونطاق تنفيذه لن يتجاوز سنة 2022 أو 2023 كحد أقصى، لكن هذا لا يمنع أن هامش المناورة لدى “حزب الله” لا يزال كبيراً وهو قد لا يستطيع فرض ما يريد وفي كل الأوقات، إنما في إمكانه عرقلة الكثير من القرارات الأممية بل كبح الاندفاعة الدولية نسبياً من دون تعطيلها كلياً، علماً أن الوضع مفتوح على كل الاحتمالات.

شارك المقال