17 عاماً على الفراق… واستحضار في زمن الاندثار

هيام طوق
هيام طوق

17 عاماً مرت على ذلك الزلزال الذي هزّ بيروت ولبنان لا بل العالم بأقطاره الأربعة حين انقلبت الدنيا رأساً على عقب ظهر يوم 14 شباط 2005، وكان الخبر المفجع على الشكل التالي: انفجار ضخم دمر العاصمة، وقلب نهارها الى ظلمة، وحطم النفوس والعقول والبشر قبل الحجر، وحوّل دماء القلوب النابضة بالحب والأمل والشغف نحو الحياة الى دماء حارقة تجري في العروق. انه اغتيال كبير من لبنان، انه الرئيس رفيق الحريري.

17 عاماً مرت وكأن الاغتيال حصل منذ 17 يوماً لأن السنوات بحلوها ومرها، والتواريخ الحزينة والسعيدة، والفصول بتدرج برودتها وحرارتها وألوان طبيعتها الزاهية والكئيبة، لم تتمكن من تغيير ما هو محفور في الذاكرة من حزن وألم الفراق، ولم يلتئم ما في القلوب من جروح عميقة، لأنه منذ الساعة الواحدة الا 5 دقائق من ذلك اليوم الشباطي المشؤوم، تغيرت المقاييس وتبدلت مفاهيم القلب والروح كما المبادئ والقيم الوطنية التي اندثرت على مساحة الوطن الموجوع.

في مطلع ستينيات القرن الماضي، كان شابٌ من صيدا يدرس في ثانوية “المقاصد”، ويعمل أيام العطل في قطاف الحمضيات والتفاح، لمساندة عائلته الصغيرة. ومرت الأيام الى أن أصبح الشاب رفيق رجل أعمال لامعاً ورجل سياسة من الطراز الرفيع، وضع نصب عينيه مساندة بلده وانتشاله من تحت الركام، فرفع متاريس الحقد والاقتتال، وجعل من خطوط التماس نقاط التقاء بين أهل الوطن الواحد. والبداية من بيروت التي أحبها حتى الشهادة، فأعاد الى قلبها الخفقان لأنه لا يليق بها الا أن تكون “درّة الشرق” و”أم الشرائع”، و”لؤلؤة المتوسط”. وسرعان ما حوّل البلد الى ورشة كبيرة من “سوليدير” الى اعادة بناء المطار ومجمع الجامعة اللبنانية في الحدث، وانشاء الاوتوسترادات وغيرها الكثير حتى قيل انه “عصر رفيق الحريري النهضوي”.

اليوم وبعد كل هذه السنوات، لبنان بعاصمته ومناطقه من أقصى جنوبها الى أقصى شمالها، يستذكر بحسرة كبيرة من أضاء شعلة البلد وجاب بها على عواصم العالم لأن المسؤولين أطفأوها بأعصاب باردة، وحوّلوا منارة رفيق الحريري الى واحة رمادية، وحطموا آمال الشباب، وأغلقوا كل نوافذ الضوء في وجه شعب خططوا لايصاله الى جهنم.

تحل الذكرى الـ 17 لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، والبلد عالق في نفق مظلم، وغارق في مستنقعات “الجهنميين”، يتأرجح على حبل الاندثار، وتكاد تكون مشكلاته مستعصية غير قابلة للحل، ما دفع الجميع الى الاعتراف بأن المرحلة بأمس الحاجة الى رجال من وزن وحجم صاحب الذكرى الذي كان العمود الأساس في الداخل، ومفتاح لبنان لأبواب عواصم العالم حتى قيل له يوماً: “دولة الرئيس، لقد أصبحت أكبر من البلد”، فأجاب بسرعة بديهة، مبتسماً: “فلنكبِّر البلد فلا يعود أحد أكبر منه”.

المعلوف: عمود من أعمدة لبنان

أكد النائب سيزار المعلوف أنه “لا يمكن نسيان استشهاد الرئيس الحريري لأنه خسارة وطنية. انه عمود أساسي من أعمدة لبنان، هو الذي شيّد وأعاد إعمار ما تهدم، وعمل على إيقاف الحرب الأهلية، وعلّم المسيحي والمسلم، وكان عابراً للطوائف والأحزاب”.

وقال: “عندما نتحدث عن الرئيس الشهيد نكون نتحدث عن زعيم كبير كان يستقبل بحفاوة في أي بلد يزوره، ورفع اسم لبنان في كل العالم. نستذكر الرئيس الشهيد كلما وصلت طائرة الى المطار، وكلما جلنا في وسط بيروت، وفي كل مكان فيه بصمة جميلة من بصمات رجل السلام والاعتدال الذي لم يلطخ يديه بالدماء ولم يشارك في الحروب”.

أضاف: “لو كان الرئيس الشهيد موجوداً بيننا اليوم لما كنا وصلنا الى الوضع الحالي، والى عزلتنا العربية. وما اغتياله سوى مخطط لايصال لبنان الى ما هو عليه اليوم. الذكرى أليمة، وصاحب الذكرى سيبقى في الوجدان الى آخر العمر، والله يحمي الرئيس سعد الحريري”.

 حنكش: ترك فراغاً كبيراً

أسف النائب المستقيل الياس حنكش لأن “المجرم لا يزال على قيد الحياة، ولم تتحقق العدالة. ونرى السيناريو نفسه في قضية تفجير المرفأ لأننا لا نزال نتعاطى بالذهنية نفسها مع الجرائم التي لن تصل الى الحقيقة طالما هناك محميات”.

ورأى أن “البلد وصل الى ما هو عليه لأنه فقد الكثير من الشخصيات منذ استشهاد الرئيس بشير الجميل وصولاً الى استشهاد الرئيس رفيق الحريري وكل شهداء قوى 14 آذار. البلد يفقد رجاله الأبطال الذين يعرفون كيف يواجهون، ولديهم علاقات دولية واسعة، ويخاطبون المجتمع الدولي بطريقة صحيحة وفاعلة، ويحيّدون لبنان عن العزلة وعن الصراعات الدولية”.

ورأى أن “البلد اليوم فقد التوازنات، لكن الأمل الوحيد في أن يستعاد هذا التوازن من خلال قوة الشعب وعزمه على احياء البلد عن طريق الانتخابات النيابية”، معتبراً أنه “لو كان لدينا أشخاص بحجم الرئيس الشهيد رفيق الحريري ووزنه لما كنا وقعنا في الهوة التي نحن فيها. هناك نوعان من القادة في العالم: من يتحدث فقط من أجل الكلام، ومن يتحدث ويقرن كلامه بأفعال. نحن نفتقد الى المسؤول الذي يتحدث ويفعل”.

ولفت الى أنه “لو قدر للشهداء ألا يستشهدوا لما فقد البلد مقومات جعله منارة الشرق”، مؤكداً أن “الرئيس الشهيد لا يزال حاضراً في الذاكرة لأنه ترك فراغاً كبيراً، ومنذ استشهاده بدأ الانحدار”.

حواط: المرحلة بحاجة الى أمثاله

وقال النائب زياد حواط: “المرحلة الصعبة التي يمر بها البلد تؤكد حاجتنا الى شخصيات وطنية كبيرة مثل الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي كان يستطيع انتشاله من مشكلاته بحكم علاقاته الداخلية والخارجية، واخراجه من دوامة أزماته التي هي نتيجة تموضعه ورضوخه لمحور لا يشبه الشعب اللبناني. الرئيس الشهيد كان في صدارة أولئك الذين جابوا عواصم العالم لانقاذ لبنان”.

وذكر بأن “الرئيس الحريري ساهم من خلال شبكة علاقاته الداخلية والخارجية، مساهمة فاعلة في تخفيف الأزمات واخراج لبنان من أتون النار”.

عبد الله: بصمات سيذكرها التاريخ

أكد النائب بلال عبد الله أن “الذكرى وطنية، ولا بد أن نستذكر الجهود الكبيرة التي قام بها الرئيس الشهيد في وضع لبنان على الخارطة الدولية، ولعب حينها دوراً أكبر من حجمه، ولكن للأسف خسرنا ما حققه بعد استشهاده”.

ولفت الى أن “الرئيس الشهيد رفع شعار لبنان أولاً، وكانت له بصمات سيذكرها التاريخ، وبالتالي شخصيات من حجم الرئيس رفيق الحريري لا يمكن أن تمحى من الذاكرة ولو بعد عشرات السنين”، مشيراً الى أن “الرئيس رفيق الحريري لم يكن قامة على المستوى الوطني فحسب، انما على المستوى الدولي”. وقال: “الذكرى هي ذكرى الاستقلال الثاني حين خرج الاحتلال السوري من لبنان”.

سعيد: الاستشهاد وحّد اللبنانيين

وشدد النائب السابق فارس سعيد على أن “الرئيس الشهيد وحّد اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين، وأدى استشهاده الى اخراج الجيش السوري من لبنان. ولولا هذا الاستشهاد لما كان هناك امكان لتوحيد هذا المطلب. وبالتالي، ما يجب أن يذكره لبنان والجيل الجديد أن هناك الكثير من القامات والشخصيات التي استشهدت قبل رفيق الحريري، ولكن لسوء الحظ تسبب استشهادها بانقسامات كبيرة بينما باستشهاد الرئيس الحريري حصل العكس تماماً بحيث رأينا الراهبة تصلي على ضريحه، وناس يهتفون لا اله الا الله بشار عدو الله”.

أضاف: “هذا الحدث الاستثنائي أخرج الجيش السوري من لبنان لأنه وحّد اللبنانيين. واذا أردنا اليوم إخراج السلاح الايراني من لبنان، فعلينا العودة الى الوحدة اللبنانية التي أسسها الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط 2005”.

الصايغ: حمل لبنان الى المدى العربي والدولي

وأوضح مستشار الرئيس سعد الحريري داوود الصايغ أنه “لا يوجد مسؤول منذ الاستقلال حتى الآن تحدث عن العيش المشترك كرفيق الحريري. اليوم نرى استقواء بالخارج وبسلاح يتم التهديد به”.

وأشار الى أن “الرئيس الشهيد لم يعد الاعمار فحسب، بل انتشل لبنان واللبنانيين من تحت الركام المادي والنفسي. كان قائد السفينة حين وصل الى البلد في أعقاب حروب أهلية، وكانت هناك أزمة قيادة مسيحية بحيث أصبح محاور الفاتيكان على الصعيد اللبناني والعربي والاسلامي”.

وتابع: “الرئيس الشهيد كان قائداً وطنياً كما استطاع أن يحمل لبنان الى المدى العربي والدولي بشكل غير مسبوق، وعلى الرغم من ذلك كان يقول ما حدا أكبر من بلده”. ورأى أنه “لو كان صاحب الذكرى بيننا اليوم لما كان سمح بوصول الوضع الى ما هو عليه لأنه كان صاحب رؤية ومشروع، وتمكن من اعادة الثقة الخارجية بلبنان وباللبنانيين”.

وقال: “في هذه الذكرى نسأل أين أنت يا رفيق من كل الأزمات التي نتخبط فيها؟ أين المنقذ؟ أين الرجل الذي لن يكرره التاريخ بسهولة؟”. وأكد أن “الرئيس رفيق الحريري لم يؤذ أحداً في حياته، كذلك هو الرئيس سعد الحريري الذي يحمل الشعلة، ويسير على خطى والده”.

شارك المقال