حذار إهمال لبنان في البركان الدولي!

جورج حايك
جورج حايك

لم يكن ينقص لبنان إلاّ الحرب الروسية – الأوكرانية حتى “يكمل النقل بالزعرور”. والمفارقة أن كل ما يحصل اقليمياً ودولياً ينعكس على لبنان نظراً إلى عدم وجود مناعة وطنية وسياسة خارجية مستقلة. فوجود “حزب الله” في المستنقع الاقليمي بتصرف الجمهورية الاسلامية الايرانية، أفقد لبنان استقراره السياسي والاقتصادي، فكيف إذا كانت نيران الصراع الدولي مشتعلة نتيجة الحرب الروسية – الأوكرانية، وتصاعد التوتر، على خلفيتها، بين روسيا والمعسكر الغربي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأميركية؟

ولا يمكن في ظل ما يحصل دولياً إلا مقارنته بحرب الخليج الثانية في مطلع التسعينيات، عندما قدّمت الولايات المتحدة لبنان الى سوريا كهديّة نتيجة مشاركتها في الحرب إلى جانبها، وغرق لبنان لفترة 15 عاماً تحت الهيمنة السورية، فهل يعيد التاريخ نفسه مع تسليم لبنان إلى إيران بصفقة أميركية – إيرانية؟

إنه عهد الصفقات في الولايات المتحدة بإدارة جو بايدن وهذا ما يُعرف به الديموقراطيون تاريخياً، فهم يساومون على رؤوس الدول، غير آبهين لا بالسيادة ولا بالحريات ولا بالديموقراطية، فهذه الإدارة التي كان يمثلها باراك اوباما سابقاً يتآكلها الضعف والصدأ منذ تخليها عن الأزمة السورية وترك الساحة للروس الأكثر حزماً ووضوحاً في سياساتهم، ولو كانوا داعمين لأنظمة ديكتاتوريّة، فيما الأميركيون يتلقّون الصفعة تلو الأخرى منذ تسلّم جو بايدن الحكم، بدءاً بالآثار السلبية للانسحاب الاميركي العسكري السيئ من أفغانستان، وصولاً إلى موافقته على شروط ايران الأساسية في مفاوضات فيينا كمثل الافراج عن الأرصدة المالية المجمدة وغيرها من الشروط مقابل عودة ايران إلى الاتفاق النووي. ويستمر الأداء الأميركي الضعيف في مواجهة روسيا التي يبدو هجومها فتاكاً على أوكرانيا غير آبهة لكل العقوبات النتي فرضها الأميركيون والأوروبيون، وهذا ما يجعل الساحة العالمية خالية من شخصيات قيادية قويّة وتتمتع بفكر استراتيجي، الأمر الذي استغله فلاديمير بوتين لفرض واقع دولي جديد سيصبح أكثر وضوحاً بعد زوال غبار المعارك.

أمام هذا الواقع الدولي المتوتر، لا شك في أن لبنان معرّض للإهمال، وتتخوّف مرجعية سياسية لبنانية كبيرة من أن عاصفة روسيا وأوكرانيا لن تهدأ قبل فترة طويلة وسترخي بظلالها على المشهد الدولي واهتمامات عواصم القرار، مما سيجعل لبنان لقمة سائغة في يد ايران وينزلق إلى مزيد من تحكّم “حزب الله” في القرار الرسمي اللبناني، وخصوصاً في ظل انكفاء الدول العربية والخليجية وافتقارها الى الفعالية والتأثير في ما يخص الأزمة في لبنان.

لكن النيران الروسية في أوكرانيا قد تلفح لبنان من بوابة سوريا التي ستتأثر أكثر بترتيبات الحرب المشتعلة في أوروبا، لأن الجيش الروسي باشر تعديل قواعد اللعبة في سوريا. طلائع هذا التبديل بدأت قبل انفجار أزمة أوكرانيا مع الاعلان عن طلعات جوية روسية وسورية في الأجواء الجنوبية. الاشارة كانت تمهيدية، واتبعت في الأيام الماضية بالتشويش على الأجهزة الالكترونية التي تعرقل تحليق الطائرات الاسرائيلية، اضافة الى تنفيذ تدريبات القوات المحمولة جواً في الجولان. والاشارات الروسية لم تقتصر على اسرائيل حليفة الأميركيين، بل طاوَلت تركيا القوة العسكرية الأكبر بعد الأميركيين في حلف “الناتو”. وبحكم عضويتها أرسلت تركيا مساعدات عسكرية الى أوكرانيا وطائرات مسيّرة متطورة، وفي المقابل أعلن نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف ضرورة إشراك الأكراد في سوريا في المفاوضات السياسية. ويبدو أن المصيبة الأوكرانية جمعت بين اسرائيل وتركيا لتكوين ما يُشبه الكماشة التركية – الاسرائيلية في سوريا ستضعف الحضور الروسي في المعادلة، فيما هنالك رأي آخر في أنّ إمساك روسيا عسكرياً بأوكرانيا وتعزيز التعاون الروسي – الايراني في سوريا سيجعلان تركيا تقع في الكماشة الروسية. إذاً الصراع قد يتخد منحى أكثر خطورة على لبنان إذا استغلت اسرائيل مواجهة روسية لتحركاتها في سوريا، وغيّرت تكتيكها بضرب مواقع “حزب الله” في لبنان وخصوصاً معامل تصنيع المسيّرات وتطوير الصواريخ الدقيقة التي أعلن عنها الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله.

على خط مفاوضات فيينا بين الأميركيين والايرانيين يروّج “محور المقاومة والممانعة” لسيناريو مقايضة أميركية مع إيران يفضي إلى انكفاء من قبل “حزب الله” عن الأزمات الإقليمية، مقابل أن يحصل على حصة أكبر على الصعيد الداخلي وفق توازنات جديدة داخل النظام اللبناني على غرار ما حصل خلال الاتفاق النووي مع إيران عامي 2014 و2015 في عهد الرئيس باراك أوباما، الذي أبدى تساهلاً مع طهران وتغاضى عن توسع نفوذها الإقليمي في سوريا والعراق واليمن ولبنان. لكن مصادر مطلعة على بعض كواليس فيينا تؤكد أن هذا السيناريو ليس سوى تمنيات لرموز “محور المقاومة الممانعة”، واللوبي اللبناني في أميركا مطمئن إلى أن تطورات الحرب الروسية – الأوكرانية ستنعكس على المفاوضات عندما ستتشدد الولايات المتحدة الأميركية بهدف استرجاع هيبتها دولياً عبر انتزاع أوراق من ايران، ويتردد في أروقة الديبلوماسية الأميركية بأنها ليست في وارد التخلي عن لبنان لمصلحة ايران ولن تتراجع عن مسألة حل أذرع طهران الإقليمية وخصوصاً في لبنان، وترجمته نزع سلاح الحزب عبر مناقشة “الاستراتيجية الدفاعية” للبلاد.

في ظل حمى الحرب الروسية – الأوكرانية والمفاوضات النووية الأميركية – الايرانية، يقترب لبنان من استحقاقين دستوريين خلال هذه السنة هما الانتخابات النيابية والرئاسية، وليس مضموناً أنهما سيحلان الأزمة اللبنانية إنما سينتجان أحجاماً تمثيلية جديدة على الخارطة السياسية اللبنانية، ولا يزال هناك شك حول حصول هذين الاستحقاقين. أما سيناريو الفراغ، فقد يدفع المجتمع الدولي في لحظة ما قبل نهاية هذه السنة إلى تنظيم مؤتمر دولي من أجل لبنان لوضع مداميك أساسية صلبة، إما لتعديل النظام الحالي أو لانشاء نظام جديد يؤيده جميع اللبنانيين، لأن الإستمرار على هذا النحو سيزيد هؤلاء بكل أطيافهم بؤساً وفقراً، وربما سيفرض عليهم حروباً جديدة غير مرغوب فيها.

شارك المقال