القدح والذمّ لتحصين لبنان والمجتمع

راغدة صافي
راغدة صافي

لبنان العظيم! طبعاً ولم لا؟ فهو عظيم في تضييع الفرص، عظيم في الاخفاقات وخذل الأجيال المتعاقبة، عظيم في تفريخ القيادات الموتورة التي تفضّل مصالحها الشخصية الضيقة على مصالح اللبنانيين الموجوعين والمتروكين لمواجهة أقدارهم بصدورهم العارية، عظيم بتحويل أرضه الى ساحات لتصفية الحسابات الاقليمية والدولية أينما وجدت على امتداد الكرة الأرضية وصولاً الى أوكرانيا وروسيا، لم لا؟ انها لعنة نأبى أن نفارقها لا بل نتشبث بها حتى ولو أرادت هي المغادرة! فمن سمح لنفسه بزج اللبنانيين في هذا الأتون من المعاناة الطويلة التي لا تنتهي؟

من هو المجرم الحقيقي أو المجرمون الذين ساهموا في كسر بصيص الأمل الذي عشناه جميعاً في الرابع عشر من آذار حين توهمنا أننا أصبحنا جميعا قلباً واحداً وروحاً واحدة ويداً واحدة في الدفاع عن لبنان العظيم؟ مجرم بكل ما للكلمة من معنى ذاك الذي فرّط بالصورة الجامعة التي رسمها أكثر من مليون لبناني في 14 آذار 2005، لا بل حاقد وخبيث. أما ملّ زعماؤنا الحروب العبثية والتناحر الداخلي والصفقات المشبوهة والمشاريع الفئوية المذهبية الضيقة؟ ألم يكتفوا من الدماء التي سالت على أرضنا ومن دموع الأمهات وتشريد الأطفال؟ ألم يملوا رؤية شوارعنا تتحول مجدداً الى أزقة يملؤها الحقد الدفين بين أفراد طبقة سياسية ما عرفت يوماً حبّ لبنان ومصلحة شعبه؟

لقد أصبح جزء من قادة قوى 14 آذار تحت التراب بعد أن اغتالتهم يد الغدر اللبنانية الهوية المعلومة الأصل والمصدر، أفلا يستحي من بقي منهم من الاستمرار في اتباع نهج التخوين والمزايدة والدلع من أجل الوصول الى كرسي ما أو الفوز برضى سفارة ما؟ عيب لا بل حرام هذا الذي نشهده اليوم وما وصلنا اليه من أيام باتت تقارن فيها أوضاعنا الاقتصادية بأوضاع السودان وأريتريا والموزمبيق وأوغندا، وحالتنا السياسية بما يحصل في اليمن وسوريا والعراق بعد أن كنا منارة للغرب قبل الشرق ونموذجاً يحتذى به.

حتى لبنان الرسالة الذي تحدث عنه قداسة البابا يوحنا بولس الثاني لم يعد موجوداً و”ما حدا يضحك ع حالو” فالرسالة التي كان يفترض بمسيحييه ومسؤوليه المسيحيين تحديداً المحافظة عليها لم يستخدموها يوماً الا وسيلة لتحقيق مآربهم الشخصية أو العائلية أو الحزبية الضيقة بكل أنانية، وكانوا هم تحديداً السباقين وبكل براعة الى التفريط بها ودفنها الى جانب الشهداء الذين لم يكونوا يوماً أوفياء لدمائهم. والأنكى أنهم لا يزالون لغاية اليوم يسيرون على الطريق نفسه ويعتمدون الأسلوب عينه المليء بالنكايات والحقد والضغينة والتفرقة ولا يوفرون مناسبة الا ويستخدمون فيها أقوى عبارات القدح والذم تجاه بعضهم البعض، وهي عبارات لا تليق طبعاً لا بالأخلاق ولا حتى بالمسيحية ولا بالمسيحيين الذين يزعمون الدفاع عنهم وعن مجتمعهم وحقوقهم التي تاجروا بها على امتداد ثلاثين عاماً وباعوها في سوق النخاسة طمعاً بكرسي… وطبعاً كل ذلك من أجل بناء لبنان أفضل وتحصين المجتمع.

يتقاذفون التهم والتخوين ويلعبون على أنقاض أرض باتت رماداً، ويحكمون ما تبقى من شعب لا روح فيه، ومع ذلك لم يعلموا شيئاً مما حاول التاريخ تلقينهم إياه! فكفاكم جميعاً هذه الحروب العبثية التي لا طائل منها، وكفاكم دس السم بين الأخ وأخيه. توقفوا عن هذه اللعبة المجنونة التي لم توصلنا وتوصل لبنان الا الى الانهيار والخراب والدمار.

ويا أيها الزعماء المسيحيون تحديداً أفيقوا وانزلوا من أبراجكم العالية ولو قليلاً. تواضعوا واشعروا بألم الناس وأوقفوا المتاجرة بهم فلم يعد هناك من تتاجروا به أصلاً بعد أن بات الشعب منقسماً بين عاجز ومتعب ومرهق يقتله تناتشكم اليومي على أشلاء السلطة، وبين أكثر من 800 ألف شخص هاجروا خلال عام واحد. أفيقوا من أحلامكم التي أصبحت كوابيسنا، فلم يعد هناك ما تتقاتلون عليه لتحكموه لاحقاً. تصبحون على أشلاء وطن عملتم بجهد وكدّ ونجحتم حتى أوصلتموه الى ما هو عليه اليوم. فهنيئاً لكم ما تبقى من لبنان ولكن تذكروا أن التاريخ سينصفكم لذا فهو سيلعنكم فرداً فرداً وكذلك الأجيال القادمة! عيشوا في قصوركم وتنعموا بالمغانم ولكن لا بد للسارق من أن يأتي ولكنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة!

شارك المقال