يناقش اليوم مجلس النواب حزمة مساعدات بقيمة مليار يورو حتى العام 2027، أعلن عنها الاتحاد الأوروبي مطلع الشهر، معوّلاً على “تعاون” السلطات اللبنانية لضبط الحدود ومكافحة عمليات تهريب اللاجئين. وأثار الاعلان عن المساعدة الأوروبية توجّس أحزاب كبرى ورجال دين، أعربوا عن مخاوفهم من وجود توجه غربي لإبقاء السوريين في لبنان. وأبدت ثماني منظمات من المجتمع المدني، بينها منظمة العفو الدولية و”هيومن رايتس ووتش”، في بيان مشترك، الاثنين، خشيتها من أن تؤدي مساعدة الاتحاد الأوروبي إلى “العودة القسرية للاجئين، ما يجعل لبنان والاتحاد الأوروبي متواطئين في انتهاكات مبدأ القانون الدولي العرفي بشأن عدم الإعادة القسرية، الذي يُلزم الدول بعدم إعادة الأشخاص قسراً إلى دول يتعرضون فيها لخطر الاضطهاد أو غيره من الانتهاكات الحقوقية الجسيمة”.
يذكر أن الأمم المتحدة حذرت في شباط الماضي، من أن الكثير من اللاجئين السوريين العائدين إلى بلدهم يواجهون “انتهاكات جسيمة” لحقوقهم ويتعرضون خصوصاً “للتعذيب” و”العنف الجنسي”.
وتحوّل ملف اللاجئين السوريين في لبنان في الآونة الأخيرة إلى موضع جدل كبير في البلاد مع رغبة الحكومة في إعادتهم إلى بلدهم بعد نحو 13 عاماً من الحرب السورية التي تلت احتجاجاتٍ شعبية كانت قد اندلعت في منتصف آذار من العام 2011، على الرغم من أن الجيش اللبناني يواصل مهمته في محاربة الهجرة غير الشرعية، علماً أن الوجود السوري في لبنان بات مؤلماً وموجعاً ومؤذياً للدولة وللشعب اللبناني أيضاً، وقد أثار هذا الملف الذي تُرِك من دون حلول منذ سنوات جدلاً أيضا بين قوى لبنانية مختلفة. وآخر هذه المواقف دعوة الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله السلطات إلى فتح الحدود البحرية أمام اللاجئين للعبور نحو أوروبا، في الوقت الذي قال فيه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إن “استمرار الحملات” على حكومته بشأن ملف اللاجئين، هو نهج بات واضحاً أنه “يقصد منه التعمية على الحقيقة لأهداف شعبوية، وإلى شل عمل الحكومة وإلهائها بالمناكفات والسجالات التي لا طائل منها”.
وبعد 13 عاماً على أزمة اللجوء لا يزال معقداً ومتعدد المخاطر والتحديات، ويفوق القدرة على احتوائه والتعامل معه في ظل منظومة سياسية لا تزال هي نفسها تمسك بإدارة البلاد على الرغم من الانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي الذي شهده لبنان منذ تشرين الأول 2019 والذي تستمر تداعياته وتنذر بمصير أسود.
بالعودة إلى المساعدة الأوروبية، زارت مطلع الشهر رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فوديرلاين لبنان بصحبة الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس لتعلن بعد محادثات مع الرئيس ميقاتي عن تخصيص حزمة مالية للبنان بقيمة مليار يورو اعتباراً من السنة الحالية وحتى العام 2027، وتشعل عقب ذلك المواقف السياسية حول المنحة الأوروبية التي سُميت بـ”رشوة المليار”.
المتابعون لملف النزوح السوري يؤكدون أن ما أعلنته فوديرلاين عملياً لا يحمل جديداً، فالاتحاد الأوروبي يقدم سنوياً مساعدات تفوق المئتي مليون دولار لبرنامج الاستجابة للأزمة السورية والمجتمعات المضيفة، وهذا الرقم يقارب المبلغ المعلن عنه لأربع سنوات، لكن طريقة استثمار المساعدة أثارت الزوبعة السياسية من جهة، كما أثارت شكوكاً لصفقة ما، من جهة أخرى. في واقع الأمر، لا ثقة بالحكومة ولا بمجلس النواب الذي دعا رئيسه نبيه بري إلى جلسة اليوم لدعم الحكومة عملياً في منحة المليار يورو الأوروبية. وثمة اعتقاد بأن المنحة آتية من دون شروط الإصلاح التي كانت مطلوبة أوروبياً للإفراج عن المساعدات للبنان. وتأتي هذه المساعدة قبل مؤتمر “بروكسل” الثامن المُخصص لدعم مستقبل سوريا والمنطقة، الذي يعقد في 27 أيار.
وتعتبر مصادر عليمة أن رفع الوتيرة السياسية حول النزوح أو اللجوء السوري ليس بعيداً عن محاولات ممارسة ضغوط على الاتحاد الأوروبي قبيل انعقاد المؤتمر من أجل الحصول على مساعدات إضافية للبنان. وهناك من يتخوف من أن تكون حكومة تصريف الأعمال تراهن على الذهاب الى توقيع اتفاق على غرار الاتفاق الذي وقعته المفوضية مع كل من تونس ومصر وتركيا، ما يضع لبنان أمام مأزق كبير، لوجوب أن يؤكد على عودة اللاجئين إلى بلادهم وليس على تحصيل أموال أكثر لبقائهم في لبنان إما بصورة مؤقتة أو بعيدة المدى نتيجة تعثر الحل السياسي في سوريا، وبالتالي إن قبول لبنان بمثل هذا الاتفاق سيدخله في صف دول المصفاة أو دول الحائط التي تُبقي اللاجئين والمهاجرين لديها وتحاول دمجهم في مجتمعاتها مقابل تحصيل أموال تحت شعار الحاجة. وتوقيع لبنان مثل هذا الاتفاق سيشكل خرقاً فاضحاً للدستور، كون المسألة تتعلق بالتركيبة الديموغرافية والهوية السيادية، وكذلك بحق هؤلاء اللاجئين بالعودة، ذلك أن لبنان هو بلد عبور وليس بلد لجوء.
باتت قضية اللاجئين ملفاً للمزايدات السياسية والشعبوية والتحريض وتصفية الحسابات، في وقت يدرك الجميع أن الحل الجذري يرتبط بحل الأزمة السورية التي تنتظر بدورها التوصل إلى حل سياسي وفق رؤية المجتمع الدولي، الذي لا يزال بعيد التحقق. كذلك، فإن الرئيس السوري بشار الأسد، يريد ثمناً إقليمياً ودولياً لعودة اللاجئين من لبنان، أقله رفع الـ”فيتو” الأميركي عن النظام.