أزمات العالم تترجم في لبنان على جميع الأصعدة!

تالا الحريري

في كل مرّة تضرب أي أزمة دولة من دول العالم، نرى لبنان أول المتأثرين بها سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي. ومن الطبيعي أن تتأثر أي دولة بأزمة دولة أخرى حسب موقعها الجغرافي أو في حال وجود مصالح مشتركة، لكن لبنان يتأثر بكل أزمات الدول البعيدة منها والقريبة. وإذا نظرنا اليوم الى الأزمة الحالية بين روسيا وأوكرانيا وتأثيرها على الصعيد اللبناني السياسي والاقتصادي والغذائي حتى، نرى أنّ لبنان دولة تتّكل على غيرها في كل جوانبها.

دياب: نفتقد رجالات دولة وحكاماً حقيقيين

أكد المحلل السياسي يوسف دياب لـ”لبنان الكبير” أن “لبنان تأثر بوضوح بالأزمة الروسية – الأوكرانية وبشكل كبير، لأننا نعيش في ظل دولة ليس لديها رؤية أو هيئة طوارئ لإدارة الأزمات”. وأضاف: “منذ اليوم الاول، الدول الغربية أو الدول العربية تحسبت لاجتياح روسيا لأوكرانيا وكانت تتحسّس مخاطر نشوب الحرب والانعكاسات الخطرة لهذه الازمة، واتخذت اجراءات وقائية حتى لا تكون ضحية الكارثة التي وقع فيها لبنان. فالدولة اللبنانية تأبه لهذا الموضوع ولم يكن لديها خطة بديلة أو خطة طوارئ”.

وتابع: “اليوم بعد الاجتياح العسكري الروسي لأوكرانيا لم يعد بمقدورنا استيراد الزيوت أو القمح أو الحبوب منها، وإذا أردنا أن نبحث عن وسائل بديلة فهي أعلى كلفة وتحتاج الى المزيد من الوقت. المشكلة أننا نفتقد الى رجالات دولة وحكام حقيقيين قادرين على التعاطي مع الأزمات وفق رؤية وطنية وليس وفق رؤية مصلحية. يعني أنّهم لا يعون خطورة الوضع وانعكاساته على المواطن اللبناني المتروك في خضم هذه الأزمات، عدا عن وجود قوى سياسية داخلية تتأثر بكل ما يجري في المحيط لا بل تجعل من نفسها جزءاً من المعارك والصراعات الخارجية، وهذا ما يترك انعاكاسات سلبية على الواقع اللبناني”.

وأوضح دياب: “اذا لم يستغلوا هذه الأزمات لمصالحهم السياسية أو الحزبية أو الشخصية، هناك أطراف مستفيدة من الغزو الروسي لأوكرانيا وتعتبر نفسها منتصرة سياسياً إذا انتصرت روسيا في هذه المعركة، لأنّها تعتبر نفسها جزءاً كبيراً من الحلف الذي يجمعها وأعني بشكل مباشر حزب الله وحلفاؤه أو حلفاء النظام السوري في البلد. مقابل شريحة كبيرة من اللبنانيين الذين يعتبرون أنّ العمل العسكري أيضا يضر بمصالح لبنان في أوكرانيا وبوجود جالية لبنانية كذلك. وفي لبنان هناك أطراف تمزج ما بين المصلحة الشخصية والمصلحة الحزبية على حساب المصلحة الوطنية، التي يجب أن تكون بمنأى عن هذا الصراع القائم”.

وهل بإمكان أن يخرج لبنان من المحاور الاقليمية والدولية، رد دياب: “في ظل الواقع القائم وهيمنة فريق مسلح أي حزب الله على قرار الدولة الأمني والسيادي، أرى أنّه من الصعب أن نكون خارج الصراعات الخارجية، فاليوم حزب الله يكرّس دوره كلاعب اقليمي كبير في سوريا والعراق واليمن ولا نعرف ما اذا سيكون له أي دور في أوكرانيا أيضاً، وقد يتباهى بهذا الدور”.

وختم دياب: “لا أعرف لبنان الى أي حد له مصلحة في هذا الدور المنفلش خارج جغرافيته إذ لم يعد حزب الله فصيلا مقاوما في الداخل اللبناني بل هو دور لقوة إقليمية تابعة لدولة خارجية تسمى إيران، وتقوم بتنفيذ سياستها على مستوى المنطقة ككل”.

رمال: لبنان يتأثر أكثر من أي دولة

حول تأثير الأزمات في لبنان اقتصادياً واجتماعياً وكذلك الأزمة الحالية بين روسيا وأوكرانيا، أوضح عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدنان رمال لـ”لبنان الكبير”: “بالطبع لديها تأثير كبير في كل دول العالم، لكن لديها تأثير إضافي في لبنان أكثر من أي دولة أخرى. كما أنّها أثرت بشكل مباشر في استيراد القمح والزيت وهما سلعتان أساسيتان يستوردهما لبنان من أوكرانيا بشكل مباشر. في الفترة الأولى ساد الخوف من عدم قدرة المستوردين اللبنانيين على استيراد هذه السلع نتيجة الحرب. أمّا موضوع البترول والمحروقات فكان له تأثير عالمي خاصة في الأسبوع الأول، لكنه تراجع الآن بنسبة عالية أي أكثر من 30%”.

وتابع: “التأثير المباشر بدأ يتراجع، خاصة أنّ هناك دولا أخرى قادرة على تصدير المواد التي يحتاجها لبنان تحديداً الزيت والقمح. فالأسعار ارتفعت في كل مكان، لكن لبنان حالة فريدة نتيجة الأزمة الاقتصادية والمالية التي يمر بها منذ سنتين والتي تزداد من حيث حجز الدولارات إلى الفجوة في النظام المالي المصرفي. إضافةً الى الحجز على الليرة في الأسبوع الأخير مع أنّ الليرة عملة وطنية، غريب أن يتم حجزها تحت عناوين مختلفة منها عدم المضاربة. فالتأثير موجود لكن محدود لأن لبنان يستطيع الاستيراد من كافة دول العالم”.

وعن اكتفاء لبنان ذاتياً لتخطّي هذه الأزمات، أكّد رمال “عدم اكتفاء لبنان ذاتياً حتى في الغذاء الطبيعي البسيط الذي يجب أن يكون مصنّعا محلياً. فشكل الاقتصاد في لبنان قائم على الاستيراد والاستهلاك وليس على الانتاج يعني أننا نستورد بنسبة 80-85% مواد غذائية. فنسبة الاستيراد هذه عالية جداً لذلك تلقائياً أي أزمة في أي مكان تؤثّر في السوق اللبنانية. إضافةً الى القلق والخوف عند الناس عند حدوث أي أزمة مما يدفعهم الى تخزين السلع بسبب عدم وجود دولة راعية أو ثقة للبنانيين بهذا النظام”.

وتابع: “لكن اجمالاً تراجع الاستيراد في السنتين الأخيرتين بنسبة 40% بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية ونتيجة انخفاض القدرة الشرائية للمواطن. تراجع الاستيراد لكن السوق المحلية ما زالت غير قادرة على تغطية الحاجات من ناحية التصنيع، وهذا يعود الى المواد الاولية غير الكافية. نقوم في بعض الاحيان بتصدير مواد لدينا إكتفاء ذاتي بها، لكنها لا تشكّل حماية للأمن الغذائي في البلد”.

وعما إذا كان لبنان سيعتمد في يوم من الايام على الانتاج المحلي، قال رمال: “اليوم كلفة التصنيع في لبنان عالية جداً لذلك كان استيرادها في السابق أقل كلفة. الآن نتيجة الأزمة الاقتصادية هناك زيادة في الصناعة المحلية للسوق المحلي، لكن المشكلة في عدم توافر الطاقة والتي باتت تكبّد المصانع تكاليف عالية. بينما الدول المحيطة بنا مثل تركيا ومصر وغيرهما لديها دعم للصناعة والطاقة وأسعارها مخفضة. اليوم نحن تنافسياً في موقع صعب خاصة في ظل هذه الأزمة وغياب قطاع الكهرباء الذي يعتبر قطاعا أساسيا لأي صناعة”.

شارك المقال