بوتين وترهيب أوكرانيا بزعيم الحرب الشيشاني

حسناء بو حرفوش

بعد أيام من إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نيته الاعتماد على المقاتلين السوريين لتعزيز القوة البشرية في البلاد، أعلن أمير الحرب الشيشاني رمضان قديروف سفره إلى أوكرانيا لدعم القوات الروسية، في زيارة رأى فيها مسؤولون استخباراتيون غربيون اعتماداً على فرق القتل الشيشانية لتنفيذ عملية اغتيال ضد القيادة السياسية لأوكرانيا، وفق تحليل للمعهد الايطالي للدراسات السياسية الدولية.

وفقاً للتحليل، “لعب رمضان قديروف قبل أن يصبح رئيساً لجمهورية الشيشان في العام 2007، العديد من الأدوار لكن الدور الأكثر أهمية واستمراراً، تمثل في تأييده وولائه المعروف لبوتين. وبعد وفاة والده، في العام 2004، حصل قديروف على ترقية ونال أول منصب حكومي له كنائب لرئيس الوزراء. ويقال ان بوتين منحه في ذلك الوقت، ما يعادل تفويضاً مطلقاً، بحيث أمكنه اللجوء الى أي وسيلة يراها ضرورية لسحق حركات استقلال الشيشان والسيطرة على السكان. في المقابل، زودت الحكومة الروسية الشيشان بأموال كثيرة لاعادة بناء الاقتصاد والبلد المنهكين، كجزء من برنامج واسع النطاق نسقه قديروف، الذي برع في مهمته ثم حصل على ترشيح كرئيس من قبل بوتين بعد 3 سنوات فقط. وفرض منذ توليه السلطة، قيادة استبدادية ونصب نفسه الحاكم الوحيد للشيشان. واعتمد ضمن أدواته الأساسية للاحتفاظ بالسلطة، على الدعاية والخوف المستمر.

ومن ضمن المسؤوليات التي ورثها قديروف عن والده، تشكيل ميليشيا في أعقاب اندلاع الحرب الشيشانية الأولى في العام 1994، وكانت تتألف في ذلك الوقت من ميليشيا انفصالية شيشانية تعمل كجيش شخصي له. وتماشياً مع تقاليد الجمهورية القوية للمحاربين، تألفت الميليشيا من آلاف الشيشان الانفصاليين المخلصين الذين قاتلوا ضد القوات المسلحة الروسية. وبعد تحول قديروف إلى الجانب الروسي في حرب الشيشان الثانية عام 1999، بدأت الميليشيا بقتال كل من الانفصاليين والجهاديين، وعملت آنذاك كشرطة دولة بحكم الأمر الواقع. ودمجت بعض الوحدات المتبقية التي خدمت في عهد والده في قوات الأمن الروسية، بينما رسخت وحدات أخرى في الحكومة الشيشانية، في حين تم تشكيل وحدتين جديدتين، ومع ذلك، استمر العديد من الأعضاء في العمل بشكل شبه قانوني كتشكيلات شبه عسكرية.

(…) وفي العام 2016، وبعد إصلاحات عدة، وضعت غالبية القوات العسكرية وشبه العسكرية الروسية تحت قيادة الحرس الوطني الروسي المؤلف حديثاً. وشمل ذلك أيضاً القوات المسلحة الداخلية الشيشانية ظاهرياً، لكن قديروف ما زال يحتفظ بسلطة مباشرة عليها. واتُهمت هذه القوات بارتكاب انتهاكات أساسية لحقوق الانسان، بما في ذلك الخطف والتعذيب والقتل، وهي مشهورة بوحشيتها.

بوتين الشيشان

وشكلت الأعمال العدائية التي اندلعت في العام 2014، في أعقاب ضم موسكو الى شبه جزيرة القرم إحدى الفرص الخاصة التي استغلها قديروف لاثبات ولائه لبوتين. ووفقاً لمصادر مختلفة، اتخذ الزعيم الشيشاني قراراً بنشر قواته الأمنية للقتال جنباً إلى جنب مع القوات الموالية لروسيا في شرق أوكرانيا، ثم “تبرّأ” منها بعد ذلك، مدّعياً ​​أنها تضم متطوعين سافروا إلى هناكمن دون علمه. وفي ذلك محاولة لتعزيز رواية الكرملين بأن القوات العسكرية المرسلة في دونباس ضمت جميعها متطوعين محليين. ومن خلال استخدام قديروف بشكل غير رسمي، يمكن لبوتين بعد ذلك الادعاء بأن لا علاقة له بنشرهم بل يضع اللوم على إرادتهم “التي لا يمكن السيطرة عليها” للتطوع في مناطق الصراع النشطة. وهذا يتيح لروسيا التقليل من أهمية عملياتها “الأمنية” المثيرة للجدل (بما في ذلك الممارسات غير القانونية) والتستر عليها. ووردت مزاعم بأن الشيشان ذهبت إلى حد فتح مراكز تجنيد في جميع أنحاء الجمهورية للمتطوعين للقتال في الصراع في أوكرانيا. وأشارت التقارير، التي استندت في جزء منها إلى مصادر محلية، الى تشجيع الشيشان للانضمام مقابل تعويض مالي، وترهيبهم في حال لم يمتثلوا.

وفقًا للمحلل إميل سليمانوف، استخدمت حجة المتطوعين “بشكل عرضي من قبل المراقبين والمسؤولين الموالين لموسكو لتبرير الاستخدام المكثف للعنف من قبل قديروف، كما أن سمعة المقاتلين الشيشان كمقاتلين لا يرحمون قد تترك عواقب نفسية كبيرة في منطقة القتال وخارجها، تستفيد منها روسيا كسلاح ضد الخصوم. وفي هذا الصدد، نقلت وسائل الاعلام الروسية صوراً تظهر مقاتلين شيشانيين يتنقلون في جنوب أوكرانيا، ويسلمون جنوداً بطاقات تحمل أسماء أهدافهم وصورهم.

وعلى مر السنين، أصبح واضحاً في مناسبات متعددة أن ولاء قديروف تجاه بوتين، وبالتالي روسيا، لا جدال فيه. ومن أجل فهم هذا الدعم الثابت، من المهم ملاحظة العلاقة التكافلية القائمة بين هذين السياسيين بحيث يقدم كل منهما للآخر ضمانات سياسية وأمنية متبادلة. وبالنسبة الى موسكو، فإن كسب امتثال الشيشان يعني إغراقها بالمال وقد أدى هذا النوع من الاعتماد على الكرملين الى الحصول على المال مقابل تأمين السلام إلى حد كبير في الشيشان. وفي المقابل، لكي يحصل قديروف على بعض الامتثال من بوتين، كان عليه أن يثبت الولاء مراراً من خلال تحقيق المهام التي كان ينوي تنفيذها بنجاح (بشكل غير رسمي). وبفضل ثقة بوتين ودعمه، تمكن قديروف من القيام بما يشاء إلى حد كبير من دون قيود أو ردود فعل عنيفة. واستخدم الكرملين لكسب مكانته كسياسي فيدرالي رئيسي في كل من الشيشان وروسيا، حيث يتمتع الآن بمكانة وشهرة. وفي المقابل، وجد بوتين في قديروف حليفاً يشبهه، يتمتع بسلطة مركزية وبالقدرة على القضاء على أي معارض، والانحياز إليه سياسياً كما شوهد مؤخراً في أوكرانيا، وهو يستخدمه لتحقيق الاستقرار والنظام والقوة العسكرية”.

شارك المقال