محور أبو علي بوتين الممانع من روسيا إلى الضاحية الجنوبية!

جورج حايك
جورج حايك

لم يعد سراً التعاطف الذي تناله روسيا في حربها على أوكرانيا من محور المقاومة والممانعة بكل مكوّناته، بل من المعسكر المناهض للولايات المتحدة الأميركية بدءاً من الصين وما تبقى من العالم الشيوعي مروراً بكوريا الشمالية وصولاً إلى بعض الدول التوتيلارية والمنظمات الارهابية هنا وهناك.

هذا الترابط بين عالم الطغاة والديكتاتوريين والمنظمات الارهابية من جهة وروسيا من جهة أخرى يبدو مريباً، فأي نظام دولي جديد يعدنا به هؤلاء؟ معظم هذه الدول الداعمة لروسيا يتخبط بالعقوبات الدولية لأسباب عديدة: اما بسبب فساد أنظمتها أو بسبب انتهاكها القانون الدولي والقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة واستسهالها انتهاك حقوق الانسان أو بسبب تهديد العالم بالسلاح النووي.

قد لا تكون سياسة الولايات المتحدة الأميركية نموذجية في تعزيز العدالة ونشر القيم في العالم، إلا أنها لا تزال رائدة الأنظمة الديموقراطية على الرغم من الشوائب العديدة، وتحافظ على الأطر الضرورية والأساسية لدفع العالم إلى التطوّر اقتصادياً وعلمياً، ودعم السبل الديموقراطية في كل دول العالم.

حتماً طبيعة الانسان ترفض الأحادية أو النظام الأحادي في العالم إلا أن الأنظمة الكبيرة التي تفرض نفسها كمنافسة للولايات المتحدة لارساء نوع من التوازن مثل روسيا والصين لا تشجع بممارساتها السياسية والأخلاقية، وطريقة ادارتها الداخلية لدولها والسياسة الخارجية “غير الحميدة” التي تمارسها في بعض الدول، وأبرز دليل نعيشه حالياً هو غزو روسيا لأوكرانيا ضاربة عرض الحائط بالاجماع الدولي الرافض لهذا العدوان السافر، مستخدمة أسلحة محظّرة ضد الشعب الأوكراني بهدف ترسيخ احتلالها وفرض شروطها على دولة أوروبية مستقلة في القرن الحادي والعشرين!. ولعل هذا التصرف سيسهّل استباحة الدول العظمى للدول الأضعف منها بغية انتهاك سيادتها مما يخالف مفاهيم التطوّر البشري والعدالة ويعزز قانون شريعة الغاب، بحيث يسود عالم اليوم فوضى وانهيار لكيانات وقوميات وانتشار الحروب والجوع والأمراض والأوبئة.

“قل لنا مع من تتحالف نقل لك من أنت”، هذه العبارة تختصر بوضوح طبيعة بعض الأنظمة وفي مقدمها روسيا التي لا يبالي نظامها بأي عقوبات اقتصادية، فحاجة الشعب الروسي ومعاناته الاقتصادية والمعيشية تعتبر في آخر قائمة اهتمامات الرئيس فلاديمير بوتين، إذ يكفي أن يكون هو وبعض الشخصيات المقربة منه في وضع مريح مالياً فيما الشعب يقف في الطوابير وعملته تنهار. وتبدو روسيا نموذجاً واضحاً للدول التي تخصص ميزانيات هائلة للترسانة العسكرية وتطويرها لأن أحلام “الزعيم” في التوسّع واستعادة أمجاد امبراطورية غابرة تدغدغ المشاعر، وكأن العالم لا ينقصه سوى طموحات مريضة قادرة على التهديد باستخدام النووي لتحقيق مآربها، فهل هذا مسموح في الألفية الثالثة؟

وهذا الأداء الظلامي لا ينطبق على روسيا فحسب، انما يتجاوزها إلى الصين وكوريا الشمالية وايران وتركيا والهند، فكل هذه الدول تعمل من أجل استنهاض امبراطورياتها التاريخية على حساب حاجات شعبها ورفاهية عيشه، لذلك تتملكها نزعة توسعية ملفتة للنظر، وغالباً ما تنتهك سيادة الدول المجاورة الأضعف منها، وهذا الكلام ليس تجنياً على أحد لأن الأمثلة والوقائع كثيرة.

والمفارقة أن بعض هذه الدول هبّ إلى التضامن مع روسيا في غزوها لأوكرانيا من دون أسباب منطقية إلا عداءها للولايات المتحدة وأوروبا، بل تبدو أنها مرتبطة معها بتحالف علني أو ضمني.

نبدأ بالتحالف الروسي – الصيني الذي ترسّخ في 4 شباط الفائت، ووصف بأقوى شراكة استراتيجية بينهما، تمخّضت عنه صفقات مع شركات الغاز والبترول الروسية بمئات المليارات من الدولارات!، علماً أن هناك تشابهاً كبيراً بين النظامين الصيني والروسي من حيث دعم الديكتاتوريات في العالم مثل فنزويلا وسوريا وايران.

يليه التحالف الروسي – الايراني الذي تمّ في مطلع هذه السنة وتضمن عقد اتفاق مدته 20 سنة بين البلدين ستكون له أبعاد أمنية وعسكرية تثير القلق دولياً واقليمياً، فروسيا مدّت يدها إلى أكثر الأنظمة المارقة في الشرق الأوسط أي النظام الايراني الذي ينشر الفوضى والحروب في المنطقة بل يتدخل في شؤون الدول المجاورة، وهو نظام ديني شمولي يضرب الرقم القياسي في انتهاكات حقوق الانسان ويهدد العالم بصنع سلاح نووي وصواريخ متطورة قد تلحق أضراراً جسيمة، وخصوصاً إذا عرفنا أن هذه الترسانة العسكرية يتحكّم بها نظام ديني عقيدته الولي الفقيه، وهدفه نشر الثورة الاسلامية في العالم، فأين مصلحة العالم من هذا الاتفاق الروسي – الايراني؟ إضافة إلى ذلك تدعم ايران ميليشيات شيعية في كل من لبنان واليمن والعراق وسوريا، ومهمة هذه الميليشيات السيطرة على الدول التي نشأت فيها لتضع قرارها الرسمي بتصرف ايران، وأبرز هذه الميليشيات: “حزب الله” والحوثيون والحشد الشعبي العراقي وغيرهم.

ومن أبرز حلفاء روسيا في منطقة الشرق الأوسط النظام السوري الذي يعتبر الأبشع في ممارساته العنفية ضد شعبه، وقد قدّم بوتين كل أنواع الدعم والمساعدة للمحافظة على هذا النظام ورئيسه الديكتاتوري بشار الأسد الذي استخدم السلاح الكيميائي المحظور لقتل شعبه بهدف إخماد ثورته المحقة ضد الظلم والاستبداد. ولعل مساهمة روسيا في قصف الشعب السوري بالبراميل المتفجّرة عمّق جراحه، وهو المحكوم من عائلة من الطائفة العلوية التي لا تشكّل الأكثرية أصلاً في سوريا. ووصل الأمر بالنظام السوري مؤخراً إلى ارسال متطوعين سوريين للقتال في أوكرانيا إلى جانب الجيش الروسي، وهذا ما يقدّم أبهى صورة عن الالتقاء بين النظامين الديكتاتوريين الروسي والسوري وتجاوزهما كل الأعراف والقوانين الدولية، ولعب دور المرتزقة في القتال داخل أوكرانيا والاعتداء على شعب لا يريد سوى حريته والعيش بكرامة والانضمام إلى النظام العالمي الحر.

والمفارقة أن رئيس النظام السوري بشار الأسد اعتبر أن ما يحصل بين روسيا وأوكرانيا هو تصحيح للتاريخ وإعادة للتوازن إلى العالم الذي فقده بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي، أي أنه لا يعترف باستقلال أوكرانيا، وهذا ما يفكّر به في لبنان، إذ يعتبر انفصاله عن سوريا خطأ تاريخياً وهي فكرة لم يتخل عنها حزب البعث الحاكم بأن قسماً من أراضي لبنان هو جزء من ولاية دمشق!.

هذا الفكر البعثي المريض لم يعترف مرة باستقلال لبنان الذي عانى من الاحتلال السوري طوال 30 عاماً، وهذا ما تعاني منه أوكرانيا اليوم بسبب ميل النظام الروسي الى عدم الاعتراف بأوكرانيا كدولة مستقلة واعتبارها خطأ تاريخياً!.

وقد قامت قيامة “حزب الله” في لبنان نتيجة الموقف الذي أعلنته وزارة الخارجية اللبنانية إلى جانب قرار الأمم المتحدة بإدانة روسيا والتصويت ضدها في مجلس الأمن، فمبدأ المقاومة في لبنان لا يراه الحزب مبرراً في أوكرانيا، يعني بات مفهوم المقاومة مطاطاً يعتمده بحسب مصالحه وتحالفاته وهذا ذروة المكر!. فكل ما يهمّ “حزب الله” هو مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها، إلا إذا اقتضت مصلحة ايران العكس!، علماً أن أكثرية دول العالم أشادت بالمقاومة والعنفوان والكرامة الوطنية التي يجسّدها الشعب الأوكراني، واعتبرت أنه أعاد المعنى الحقيقي للمقاومة الوطنية التي تنبع من قلب الشعب ومن داخله ولا تُفرَض فرضاً عليه!.

وقد أعلنت هيئة الأركان للقوات المسلحة الأوكرانية أن روسيا استعانت بنحو ألف مقاتل من سوريا و”حزب الله”، إلا أن الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله سرعان ما نفى ذلك، ولكن منطقياً لا رادع أخلاقياً للحزب بالمشاركة في مثل هذه الحروب، ربما لا مصلحة ايرانية في الانخراط بهذه المواجهة العسكرية، لكن التحالف الروسي – الايراني قد يؤدي يوماً إلى هذه النتيجة. ولا شك في أن استعانة روسيا بجنود شيشان والنظام السوري وربما “حزب الله” مستقبلاً يعكس إخفاقاً في الحرب العسكرية حتى اليوم أو عدم ثقة بوتين بقدرات الجيش الروسي في مواجهة المقاومة الأوكرانية العنيدة!.

والمتابعون لمسار بوتين لا يمكنهم نسيان تنيسق قواته عسكرياً مع “حزب الله” في سوريا، وقد أعلن بصراحة عن موقفه من الحزب، قائلاً انه قوّة عسكريّة مُقاومة مُهمّة في لبنان وهو ذو دور أساسي ومحوري فيه. كما أنّه في الوقت نفسه قوّة مُهمّة في الاقليم وله وجود عسكري مهمّ في سوريا، ودور معنوي في اليمن مع عبد الملك الحوثي وجماعته، ودورٌ مهمٌّ في العراق، ودورٌ مهمٌّ في لبنان وآخر في غزّة الفلسطينيّة!.

السياسة الروسية المتماهية مع الأنظمة الشمولية والديكتاتورية والتيوقراطية والتنظيمات الارهابية لا تغري الطامحين إلى عالم أفضل، في المقابل لسنا معجبين بسياسة الولايات المتحدة الأميركية التي تأخذ في الاعتبار مصالحها من دون مراعاة مصالح دول وشعوب أخرى، عبر تخليها عن القيم والعدالة والحقوق والاتجاه نحو تسويات وصفقات على رؤوس بعض الدول. وليس بعيداً عن الواقع أن أميركا تواجه روسيا من خلال أوكرانيا ومعاناة شعبها ودمائه، فإذا كانت روسيا تعكس تدنياً أخلاقياً في تعاطيها مع أوكرانيا، نرى في المقابل أن طريقة تعاطي الولايات المتحدة مع الأزمة يسجل انحطاطاً أخلاقياً يوازي الانحطاط الروسي!

شارك المقال