بين عون والراعي… تباين في الهواجس والخيارات

هيام طوق
هيام طوق

لا شك في أن زيارة رئيس الجمهورية ميشال عون الى الفاتيكان وزيارة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي الى مصر اكتسبتا متابعة خاصة من قبل اللبنانيين، خاصة وأن زيارة الأول أتت في توقيت مشبوه قبل الانتخابات النيابية، وما زاد في الطين بلة ما صرح به رئيس الجمهورية من الحاضرة الفاتيكانية عن سلاح “حزب الله” وتبرئته لسلاحه وممارساته من أي تدخل او تأثير داخلي، وحصر وظيفته بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي وتحرير الجنوب، بحيث جاء هذا الموقف بمثابة إثبات لشكوك المراقبين الذين اعتبروا أن الزيارة تهدف الى محاولة تغطية سلاح الحزب، والثمن: التحالف الانتخابي والدعم الرئاسي. في حين أن زيارة البطريرك الراعي إلى مصر وخاصة الى الجامعة العربية وصفت بـ “التاريخية” لأنها أول زيارة من نوعها، اذ شمل البحث سبل دعم لبنان للخروج من أزمته .

زيارتان لأعلى مرجعيتين مسيحيتين مارونيتين، مدنية وروحية، كانتا حديث الناس الذين رأوا أن ما صدر من مواقف عنهما يظهر جلياً انقسام اللبنانيين وليس المسيحيين فحسب، بين فريقين: فريق يؤيد وجود سلاح “حزب الله” وفريق يرفض وجود الدويلة ضمن الدولة. وانطلاقاً من هنا، بدا التباين في المواقف واضحاً على صعيد أكثر من ملف وقضية.

منذ وصول رئيس الجمهورية الى روما أكد أن “المسيحية في لبنان ليست في خطر، وأن لبنان ليس بزائل”. في المقابل، استهل البطريرك الراعي زيارته بوضع الاصبع على الجرح بعيداً من اللف والدوران، معلناً واقع “لبنان المريض ونحن بحاجة إلى علاج مرضه المتمثل بعدم تطبيق إتفاق الطائف والحلّ هو إعلان الحياد”.

وخلال لقائه الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، طلب البطريرك الراعي من الجامعة التي هي أول مرجعية دولية تؤيد حياد لبنان، “أن يكون لكم دور أكبر في لبنان كجامعة عربية نظراً الى أن لبنان عضو مؤسس فيها، والجامعة تحتضن الجميع تحت جناحيها”. كما توافق مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على “أن تعود الدولة الى لعب دورها، وأن لبنان لا ينقذه الا الحياد والبعد عن الصراعات وأن المجتمع الدولي يلعب دوراً في ضمان وجود لبنان”. وتحدث الراعي عن أسباب العزلة “المعروفة والحلّ في أن يكون لبنان بلداً حياديّاً عندها يعود الازدهار والنمو”، مشدداً على أن “الحرب والصراعات والخلافات ليست لصالح اللبنانيين، ويجب ألا يكون البلد دويلات أو جمهوريّات بل أن يكون سيّد نفسه”. في حين اعتبر الرئيس عون في حديث صحافي أن “ليس لحزب الله من تأثير، بأي طريقة، على الواقع الأمني للبنانيين في الداخل. ان حزب الله، حزب يملك السلاح وقام بتحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الاسرائيلي، وهو مكون من لبنانيين من الجنوب عانوا من الاحتلال الاسرائيلي، ومقاومة الاحتلال ليست إرهاباً”.

بين مواقف سيد بكركي وكلام الرئيس عون، كيف يقرأ الخبراء والمراقبون هذا التباين؟

أشار منسق “التجمع من أجل السيادة” نوفل ضو الى أن “لا تباين في المواقف بل هي مواقف متناقضة لمفهوم الدولة. البطريرك يحاول المحافطة على الدستور وأسسه، ورئيس الجمهورية بموقفه من حزب الله اتخذ طرفاً حزبياً، ويتصرف على هذا الأساس”، مؤكداً أن “مواقف رئيس الجمهورية ليست حدثاً معزولاً بحد ذاته انما محطة في مسار بدأ منذ فترة، وهذا المسار يقتضي محاولة إلباس الفاتيكان مواقف لا علاقة له بها ومحاولة لدق إسفين في العلاقة بين البطريرك والفاتيكان اللذين يشكلان واحدة من الضمانات التي تساعد لبنان في هذه المرحلة على الخروج من مأزقه”.

ولفت الى أن “الدور الذي يلعبه البطريرك في الفترة الأخيرة فاعل ومؤثر خاصة من خلال موضوع الحياد، وعلى الأقل ديبلوماسياً وعلى الساحة الدولية، أصبح هناك طرح لبناني آخر يختلف مع مصالح الرئيس عون المرتبط بحزب الله والذي يغطي سلاحه مقابل الحصول على المواقع”، معتبراً أن “هدف التيار الوطني الحر اليوم ليس ضرب حاكم مصرف لبنان ورئيس مجلس القضاء الأعلى، بل يبدو أنهم يحاولون النيل من موقع البطريرك ومحاولة سلب دور كل المرجعيات المسيحية كي يتمكنوا من الاستمرار في مصادرة الموقف المسيحي واستخدامه لتغطية مشروع حزب الله”.

وتحدث عن “ردة فعل سلبية على المستوى الشعبي والسياسي، وحالة غضب على الرئيس عون لأن دور رئيس الجمهورية تاريخياً لم يكن على هذا النحو”.

بدوره، رأى الصحافي بشارة خير الله أن “زيارة البطريرك الراعي الى مصر ايجابية وضرورية ومطلوبة وتخدم المصلحة الوطنية. وما نتج عن زيارة الرئيس عون الى الفاتيكان لا يبشر بالخير، والتسريبات من القصر الجمهوري لا تفيد لبنان ولا قضيته”، معتبراً أنه “بمجرد أن أوكل رئيس الجمهورية نفسه محامي دفاع عن حزب الله في هذا الظرف والتوقيت لا يصب في المصلحة اللبنانية، وكان عليه الاحتفاظ برأيه في موضوع الحزب، وعدم البوح بهذا الرأي السلبي”.

وشدد على أن “البطريرك الراعي لا ينطلق من مصلحة شخصية في مواقفه، وليس لديه صهر مرشح للانتخابات، بل هو متجرد من المصلحة الشخصية، ويضع مصلحة لبنان وشعبه فوق المصالح الأخرى”، واصفاً مواقف الرئيس عون بأنها “تهدف الى خدمة مصالح صهره جبران باسيل حصراً”.

وقال: “عدنا الى 8 و 14 آذار، لكن الأهم أن موقف البطريرك يصب في خدمة اللبنانيين جميعاً حتى الذين ينتقدونه يستفيدون من طروحاته لأن الحياد يخدم كل الأفرقاء وتحديداً الجمهور الشيعي الغارق في سياسة المحاور الهدامة”. وأكد أن “البطريرك الراعي حكماً يمثل الرأي العام اللبناني”.

أما الكاتب السياسي إيلي فواز فاعتبر أن “مواقف الرئيس عون والبطريرك الراعي تمثل الانقسام الحاصل بين اللبنانيين، اذ أن هناك من يعتبر حزب الله مقاومة وهناك من يقول ان البلد لا يمكنه النهوض في ظل وجود فريق مسلح يفرض رأيه وأجندته السياسية على الأفرقاء الآخرين”، مؤكداً أن “مواقف البطريرك تجسد الواقع والحقيقة والمنطق لقيام لبنان وانتشاله من الانهيار والخراب. وهو يتحدث باسم كل اللبنانيين وبما يخدم المصلحة الوطنية بغض النظر عما اذا كان يؤيده كل اللبنانيين في طروحاته أو لا يؤيده أحد”.

شارك المقال