“التزييف العميق” ينقل حرب المعلومات إلى مرحلة مقلقة

حسناء بو حرفوش

نقلت تقنية “التزييف العميق”” (Deepfakes) حرب المعلومات إلى مرحلة تقنية عالية ومثيرة للقلق أكثر من أي وقت مضى، بحسب قراءة لموقع “سي أن أن” المتخصص بالأعمال (CNNBusiness).

ووفقاً للموقع، “ظهر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقطع فيديو في الأسبوع الثالث من الحرب الروسية ضد بلاده، وهو يرتدي قميصاً أخضر داكناً، ويتحدث ببطء وهو يظهر واقفاً خلف منصة رئاسية بيضاء يظهر فيها شعار البلاد. وما يلفت الأنظار هو أن جسد الرئيس الأوكراني باستثناء رأسه، بالكاد يتحرك. كما بدا صوته مشوهاً وخشناَ خاصة عندما ظهر وكأنه يطلب من الأوكرانيين الاستسلام لروسيا.

هذا مجرد مثال على التزييف العميق وهو أمر ربما لم يسمع به أحد قبل خمس سنوات. وتعني هذه التقنية إستثمار الذكاء الاصطناعي لصناعة ملفات الفيديو والصوت التي تبدو مقنعة ولكنها مزيفة. وتستخدم هذه الملفات اليوم للتأثير على مسار الحرب. فبالاضافة إلى فيديو زيلينسكي المزيف، والذي انتشر على نطاق واسع الأسبوع الماضي، تم تداول مقطع فيديو آخر على نطاق واسع، يصور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهو يعلن السلام وانتهاء حرب أوكرانيا.

وعبّر الخبراء في مجال المعلومات المضللة ومصادقة المحتوى منذ سنوات عن مخاوف بشأن إمكان نشر الأكاذيب والفوضى عبر تقنية التزييف العميق، لا سيما وأنها تصبح أكثر واقعية في المظهر. وبشكل عام، تحسنت تقنية التزييف العميق بشكل كبير في فترة زمنية قصيرة نسبياً. على سبيل المثال، أظهرت مقاطع فيديو للممثل توم كروز وهو يقوم بتقليب العملات المعدنية العام الماضي، كيف يمكن أن يبدو التزييف العميق حقيقياً بشكل مقنع.

ولم يقترب أي من مقاطع الفيديو الأخيرة لزيلينسكي أو بوتين من قيم الانتاج العالية لتوم كروز مثلاً على تيك توك. ومع ذلك، يصر الخبراء على خطورة مثل هذه المواد، لأنها تظهر انتشار المعلومات المضللة. ونظراً الى أنها أصبحت شائعة بشكل متزايد، تعوق مقاطع الفيديو المزيفة تمييز الحقيقة من الخيال على الانترنت، والأكثر من ذلك، أثناء الحرب التي تتكشف عبر الانترنت وتنتشر فيها المعلومات المضللة، تخاطر المعلومات المزيفة بمفاقمة الوضع.

التزييف العميق أثناء الحرب

(…) وبالعودة إلى العام 2019، انتشرت المخاوف من تأثير التزييف العميق على الانتخابات الرئاسية الأميركية للعام 2020، بما في ذلك تحذير من دان كوتس، مدير المخابرات الوطنية الأميركية آنذاك. لكن هذا لم يحدث لأن التكنولوجيا “لم تكن موجودة بعد”. ولم يكن من السهل عمل التزييف العميق جيداً، الأمر الذي يتطلب تخفيف العلامات الواضحة التي تشير إلى أنه تم بالفيديو (مثل التشويش المرئي حول إطار وجه الشخص) لجعله يبدو كالشخص الموجود في الفيديو بالأصل قبل العبث فيه.

أما حالياً، فيسهل تحضير فيديوهات مزيفة، ولكن ربما الأهم من ذلك أيضاً، أن ظروف استخدامها مختلفة. يقول خبراء لشبكة CNN Business إن حقيقة استخدام الفيديوهات في محاولة التأثير على الناس أثناء الحرب أمر ضار بشكل خاص، وذلك ببساطة لأن الارتباك الذي تتسبب به خطير جداً. وأصبح القضاء على المعلومات الخاطئة بشكل عام أكثر تعقيداً خلال الحرب في أوكرانيا، حيث ترافق الغزو الروسي للبلاد مع طوفان حقيقي من المعلومات يضرب منصات التواصل الاجتماعي مثل Twitter و Facebookو InstagramوTikTok. وعلى الرغم من أن الكثير منها حقيقي، بعضها مزيف أو مضلل. ويمكن أن تصعب الطبيعة المرئية لما تتم مشاركته، جنباً إلى جنب مع مدى عاطفية وحيوية – في كثير من الأحيان – معرفة ما هو حقيقي مما هو مزيف بسرعة. تحذر نينا شيك، مؤلفة كتاب”Deepfakes The Coming Infocalypse”، من أن صور التزييف العميق مثل تلك الخاصة بالرئيسين الروسي والأوكراني، علامات على مشكلة التضليل الأكبر عبر الإنترنت، بينما لا تقوم شركات وسائل التواصل الاجتماعي بما يكفي لحلها.

دع الحكم للعين البشرية

ومع تحسن تقنية التزييف العميق، يحاول الباحثون والشركات مواكبة الأدوات لاكتشافها، مثل الخوارزميات كـDeepFake-o-meter، الذي يسمح لأي شخص بتحميل مقطع فيديو للتحقق من صحته، على الرغم من أن الأمر قد يتطلب بضع ساعات. وتعمل شركات مثل Zemana على توفير برمجيات الأمن السيبراني. ومع ذلك، تزداد الصعوبة مع تحسن مقاطع الفيديو المزيفة. وبالتالي، قد لا يكفي الاعتماد على شركات المنصات ويبقى واقع أن لا شيء يضاهي عيون البشر”.

شارك المقال