الحرب الروسية في أوكرانيا تهدد بسحق بيلاروسيا

حسناء بو حرفوش

لا يخفى دور بيلاروسيا في الغزو الروسي لأوكرانيا على العالم وهو ليس بالقرار العشوائي. ففي صيف 2020، أنقذ الكرملين الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو بعدما أوشك على أن يفقد سلطته وسط احتجاجات محلية ضخمة وعقوبات غربية. أما الآن، فيعيد لوكاشينكو، بحسب قراءة في موقع “واشنطن إكزامينر” (washingtonexaminer)، الجميل من خلال السماح لبلاده بأن تكون نقطة انطلاق للغزو العسكري الروسي لأوكرانيا، وهي الخطوة التي أدت إلى موجة جديدة من العقوبات المعوقة والتي يمكن أن تعيد إشعال الانقسامات الداخلية.

وفقاً للمدير المساعد في مركز أوراسيا (Eurasia)، دوغ كلاين، يدرك لوكاشينكو أن الشعب البيلاروسي لا يريد هذه الحرب وهناك دلائل على أن إرسال قواته إلى أوكرانيا، قد يشكل الشرارة التي تعيد إشعال حركة المعارضة المحلية ضده. ولفت مسؤولو حلف شمال الأطلسي للصحافيين خلال الأسبوع الجاري إلى أن الكرملين قد يلجأ قريباً إلى بيلاروسيا للحصول على دعم إضافي بسبب مواجهة نكسات عسكرية، معربين عن اعتقادهم بأن أرجحية نشر مينسك آلاف القوات في أوكرانيا مرجح للغاية. ونقلت شبكة “سي إن إن” عن مسؤول عسكري في الناتو قوله إن “التدخل المباشر من شأنه زعزعة استقرار بيلاروسيا”.

وظهرت بعض المؤشرات على المقاومة الداخلية بالفعل داخل بيلاروسيا ضد الحرب في أوكرانيا. ومن الأمثلة على ذلك، إدعاء رئيس السكك الحديدية الأوكرانية أن عمال السكك الحديدية البيلاروسيين قاموا بتخريب خط السكك الحديدية بين أوكرانيا وبيلاروسيا لإحباط نقل التعزيزات إلى خطوط الحرب الروسية. وقال أستاذ السياسة في جامعة نيو هافن، ماثيو شميدت، للموقع نفسه، إن بيلاروسيا وفرت بالفعل للكرملين معظم المزايا الرئيسة من خلال السماح لروسيا بشن هجمات على أوكرانيا من أراضيها. وحسب شميدت: “منحت بيلاروسيا روسيا القدرة على تطويق أوكرانيا وبإطلاق النار من أراضيها، باتجاه كييف. وكان من المهم بالنسبة اليهم أن يكونوا قادرين على الدفاع عن مواقع الإطلاق الخاصة بهم من خلال، كما تعلمون القدرة على القيام بذلك من أراضي دولة أجنبية”.

الرئيس البيلاروسي والدين لروسيا

وواجه الرئيس البيلاروسي خلال الانتخابات الأخيرة في العام 2020، ضجة داخلية واحتجاجات ضخمة على مزاعم بتزوير الانتخابات. ورفضت الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، رفضاً قاطعاً مزاعمه بفوزه بإعادة انتخابه وفرضت عقوبات. وهددت العقوبات بتدمير اقتصاد مينسك، لكن بوتين تدخل وقدم قرضاً بقيمة 500 مليون دولار. كما قدم مساعدات أخرى مثل زيادة الرحلات الجوية بين روسيا وموسكو لتخريب القيود المفروضة على الرحلات الجوية إلى بيلاروسيا. في النهاية، خفت حدة الاحتجاجات بحلول منتصف العام 2021.

وتعليقاً على ذلك، تجزم نيللي بيكوس، الباحثة في جامعة إكستر، أن “لوكاشينكو بقي في السلطة إلى حد كبير لأنه تلقى دعماً سياسياً واقتصادياً من بوتين. لكن اعتماده على بوتين حرمه وشعب بيلاروسيا من أي حكم ذاتي ومن إمكان التأثير على أهم القرارات مثل تلك المتعلقة بغزو أوكرانيا”. وبعد أيام من حرب روسيا على أوكرانيا، أصبحت بيلاروسيا ضمن حلقة مصغرة من أربع دول فقط، إلى جانب روسيا وكوريا الشمالية وإريتريا، صوّتت ضد قرار إدانة الأمم المتحدة لروسيا بسبب الغزو. وعلى عكس كوريا الشمالية وإريتريا، تتشارك بيلاروسيا الحدود مع أوكرانيا، مما يجعلها ذات أهمية استراتيجية للكرملين. وقبل اندلاع الحرب الشهر الماضي، أجرت القوات الروسية مناورات عسكرية مشتركة مع القوات البيلاروسية بالقرب من حدودها الجنوبية مع أوكرانيا.

وفرضت الدول الغربية عقوبات شديدة على بيلاروسيا إدانة لدورها في مساعدة روسيا في الصراع. ولكن هذه المرة، روسيا ليست مجهزة بشكل جيد لإنقاذ لوكاشينكو من غضب الغرب. وقضت العقوبات على أكثر من 30 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي لروسيا، وهو رقم ترشح بلومبرغ ارتفاعه.

وتشكل روسيا أكبر شريك تجاري لبيلاروسيا (مع أكثر من 54.7٪ من وارداتها و 41.3٪ من صادراتها لروسيا خلال العام 2019). ومن المرجح أن تترك العقوبات المفروضة على روسيا تأثيراً مضاعفاً على بيلاروسيا بسبب اعتمادها الكبير على روسيا. ولأن بيلاروسيا غير قادرة على التعامل مع تأثير تلك العقوبات، سيراقب العالم تأثير الدومينو عليها.

وفرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عدداً كبيراً من العقوبات ضد بيلاروسيا، والتي تستهدف الكيانات التي ساعدت القطاعات الأمنية والعسكرية في بيلاروسيا وأعضاء الدائرة المقربة من لوكاشينكو. كما عزل الغرب ثلاثة بنوك بيلاروسية من نظام الدفع العالمي “سويفت”( SWIFT) . وتضع الجهود الغربية بيلاروسيا على أعتاب التخلف عن السداد. الوقت وحده كفيل بتحديد ما إذا كانت المجموعة الأخيرة من العقوبات ستساعد في تآكل قبضة لوكاشينكو على السلطة في مينسك، حيث أن معاناة الناس مرجحة في كل الحالات، “فهم يعانون من ناحية، من قمع نظامهم، ومن ناحية أخرى لا يمتلكون أي سلطة على الإطلاق لتغيير الوضع لأن السلطة في البلاد عازمة على قمع وإبعاد أي شخص يمتلك الشجاعة للاحتجاج”.

شارك المقال