“سلام” العربي عن حرب أوكرانيا: ليت قومي يعلمون

بندر بن عبدالله

“الخروج من الصندوق”… قول يستحق التركيز فيه وعليه، لفهم ما يدور حولك. اطلاق عنان الفكر وتقمص أفكار الآخرين قد يوصلانك الى أمور غائبة عن كثيرين. وقد يتطلب تحليل أمر ما أن تكون إفتراضياً.

بعد رجوع “سلام” إلى بيته، جلس لمشاهدة آخر الأخبار في التلفاز. أخذ يقلب القنوات الإخبارية المنحازة الى طرف والمضادة له والمتوسطة بين هذا وذاك، ليستنتج شيئاً مما يدور في حرب روسيا وأوكرانيا!.

قال “سلام” لنفسه: “يجب أن أخرج من تبعية تلك المحطات وأسترجع الأمور من بدايتها! ولكن ما الطريق إلى ذلك؟”. وفيما هو يفكر في الطريق، سمع صوت هاتفه المحمول. قال له صاحبه: “كيفك يا سلام؟ مرت أيام علينا بعد عودتنا من رحلتنا. ماذا تفعل الآن؟”. أجاب: “أشاهد أخبار هذه الحرب التي شغلتنا”. حينها خطرت فكرة لـ”سلام” فقال: “يا صديقي لماذا لا نجتمع بعد ساعة؟ واتصل بأصدقائنا ليأتوا معك”. فوافق الصديق.

إجتمع الأصدقاء عند “سلام”. قال أحدهم: “كنت متوجهاً لأقضي بعض الحاجات عندما كلمني صديقي لآتي الى منزلك! ما الأمر يا سلام؟”. رد “سلام”: “كنت أشاهد التلفاز وما هو حاصل في حرب الروس والأوكران عبر قنوات مختلفة وكانت فعلاً مختلفة في أخبار الحرب! فقلت لماذا لا نجتمع ونتقمص الشخصيات المهمة الأميركية؟ أي كل منا سيمثل شخصيةً مختلفة، مثلاً أنت ستمثل جيك سوليفان (مستشار الأمن القومي الأميركي) وأنت لويد أوستن (وزير الدفاع) وأنت أنتوني بلينكن (وزير الخارجية) وأنت الجنرال مارك ميلي (رئيس هيئة الأركان المشتركة) ولنذهب إلى وقت التخطيط لضم أوكرانيا الى حلف الناتو، أي قبل سنتين تقريباً”.

قال أحد الأصدقاء: “لماذا فقط الأميركان؟ ماذا عن الروس والأوكرانيين والأوربيين؟”. فرد “سلام” عليه: “كلامك منطقي لو أن الذين أشرت اليهم دخلوا في التخطيط والتخطيط المعاكس لهذه الحرب، كما قلت لكم دعونا نخرج من معترك الأخبار الحالية ونحلل، وللكل حق التساؤل في ما يذكر”. اتفق الجميع وبدأ الحوار.

قال جيك سوليفان: “أهلاً بكم جميعاً في هذا الاجتماع المهم والسري للغاية، هناك ثلاثة مواضيع لهذا الاجتماع، هي: كيف نقوّم مقدرة روسيا العسكرية من تكتيك وأسلحة وتجهيز؟ وكيف نجعل أوروبا في حاجة دائمة الينا كأميركا؟ وكيف نحجم الصين في إستغلال نفوذها خاصة في بحر الصين وضم تايوان؟.”

أنصت البقية الى عناوين الاجتماع المهم وطلبوا مهلة لدراستها، واتفقوا على أن يجتمعوا بعد أسبوعين.

وهكذا صار. عادوا واجتمعوا وكان الحديث الآتي:

أنتوني بلينكن: “ها نحن نجتمع اليوم، وأريد أن اسمع منكم قبل أن أقول ما لدي”. أشار لويد أوستن لرئيس الأركان مارك ميلي: “ابدأ هذا الاجتماع وقل لهم عن نتائج إجتماعاتنا في البنتاغون”. تكلم مارك ميلي: “لقد استغرق منا الموضوع الأول أكثر وقتنا لذا سأبدأ به. إذا أردنا أن نقوّم المقدرة العسكرية الروسية فيجب أن نرى روسيا في حرب حقيقية تهدد أمنها وإقتصادها، لكن يجب أن نبتعد عن إستخدام السلاح النووي، كذلك يجب أن تكون هذه الحرب بين روسيا ودولة أخرى غير أميركا، ويُستحسن أن تكون دولة لا تستخدم السلاح الغربي لأن الروس سيقوّمون السلاح المضاد مثلنا”. قاطعه بلينكن: “من أين سنأتي بدولة تمولها روسيا بالسلاح ونجعلها تهاجم من يمد لها العون؟”. رد أوستن:” ذكرنا لكم كيف يتم التقويم، أما من أين نجد الدولة فهذا ليس إختصاص البنتاغون”. قال سوليفان: “لنضع تلك المتطلبات محل التركيز، ونقلب الأمور. مَن تكون هذه الدولة ولماذا؟ على أن لا تكون ضمن دول الناتو، فمنذ هدم جدار برلين وموافقة غورباتشوف وتوقيع بوريس يلتسن على اتفاقية حل اتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية، قمنا بضم عشر دول الى حلف الناتو وقد استفدنا منها الكثير خاصة بالأسلحة والتكتيك. دعونا نرى أياً من الدول التي لم تنضم الى الناتو من دول الإتحاد السوفياتي السابق؟ هناك دول آسيا الوسطى وبيلاروسيا وجورجيا وأوكرانيا والبوسنة والهرسك… أي من هذه الدول بينها وبين روسيا أزمات عرقية أو ايديولوجية؟”.

تابع سوليفان كلامه: “نعرف أن دول آسيا الوسطى لن تفيدنا بسبب ارتباطها العرقي مع الصين، ولو كان ضعيفاً، والاقتصادي مع روسيا. أما جورجيا فقد إستخدمت من قبل ولم تنجح. والبوسنة والهرسك ليست على الحدود الروسية، ولا نثق بالمسلمين فيها! لذا أرى أن أوكرانيا هي الأنسب لنا وذلك للأسباب التالية: أولاً، الموقع الجغرافي. ثانياً، الكراهية العرقية. ثالثاً، التوجه الى الغرب خاصة بعد الانقلاب على رئيسها السابق فيكتور يانوكوفيتش في شباط (فبراير) ٢٠١٤ وإحتلال الروس شبه جزيرة القرم في أعقاب الانقلاب في آذار (مارس) ٢٠١٤”.

وافقه أوستن: “أرى في هذا أن أوكرانيا هي المطلوبة، لكن ما لم أفهمه هو كيف سيدفع ذلك أوروبا الى أحضان أميركا؟”.

رد عليه بلينكن: “هناك خطه مسبقة يمكن أن نغيّر فيها لتتوافق مع هدفنا بدفع أوروبا ناحيتنا”.

قال أوستن: “حسناً كيف لنا شن حرب بين أوكرانيا وروسيا؟”.

سوليفان: “المهم في الأمر هو إقناع الاعلام الغربي وضمنه الاعلام الاميركي بأن يأخذ على عاتقه الترويج لديموقراطية أوكرانيا وحريتها بعد التخطيط لذلك. من دون ذلك لن تنجح خطتنا. ثم نبدأ بالتفريق بين أوكرانيا وروسيا. أرى أن نبدأ داخل أوكرانيا بتكديس الكراهية بين الأوكرانيين والروس من باب إضطهاد الأوكرانيين للعرقية والميول الروسية المتواجدة في إقليم دونباس الواقع شرق أوكرانيا وغرب روسيا، ولنضع ضم الروس شبه جزيرة القرم أداة مؤثرة للأوكرانيين في فعل ذلك”.

أوستن: “فهمنا كيفية دفع أوكرانيا الى فعل ذلك، لكن، كيف سندفع روسيا الى الحرب مع أوكرانيا؟”.

بلينكن: “كما قلت سابقاً ان لدينا خطة سابقة مع تعديلها سنتمكن من ذلك، خاصةً أن أوكرانيا تقع في قلب الأمن القومي الروسي، فلن يسمح الروس بإنضمامها الى الناتو وهو أصلاً حلف عسكري أنشئ ضد الاتحاد السوفياتي، لذا يجب إستخدام ذلك لتأجيج الخلاف بين روسيا وأوكرانيا”.

سوليفان: “حسناً لدينا الآن مقومات الخلاف. لنبدأ بوضع الخطة”.

بدأ المسؤولون الأميركيون بوضع الخطة للبدء بعد إتمامها بعرضها على الرئيس…

أرسل المسؤولون الأميركيون النقاط المهمة للمحور الأول للخطة (كيف نقوّم مقدرة روسيا العسكرية من تكتيك وأسلحة وتجهيز؟) إلى موظفيهم المختارين لهذه المهمة لكي يضعوا تفاصيلها.

بدأ هؤلاء الموظفون بعملهم واستغرقوا وقتاً غير قصير، ووضعوا الرؤوس المهمة للخطة:

1- إقناع أوكرانيا بالإنضمام الى الناتو، والتقليل من منفعة الانضمام الى الاتحاد الأوروبي.

2- تصفية الحساب مع الانفصاليين الروس في إقليم دونباس.

3- المطالبة بإرجاع شبه جزيرة القرم.

4- رفع الأصوات المطالبة بالديموقراطية وحرية الرأي والاختيار، حتى وإن لم تكن موجودة في أوكرانيا.

5- التزام المسؤولين الأميركيين والأوروبيين وإعلامهم بمناصرة أوكرانيا.

6 – تأمين مصادر الطاقة لأوروبا إذا أراد الروس استخدامها لتركيعها، وذلك بجلبها من منابعها في الشرق الأوسط وخاصة السعودية.

بعد إعتماد الرئيس هذا الجزء من الخطة إجتمع المسؤولون الأميركيون ما عدا رئيس الأركان الجنرال مارك ميلي.

سوليفان: “ها نحن نجتمع ثانية بعد إعتماد الرئيس الموضوع الأول في هذه الخطة. الآن لنبدأ بوضع استراتيجية للموضوع الثاني، وهو: كيف نجعل أوروبا في حاجة دائمة الينا كأميركا؟ وأترك ذلك لوزير الخارجية بلينكن”.

بلينكن: “يجب التقليل من إعتماد أوروبا على نفسها في مجال الصناعة. فإذا اندلعت حرب بين الروس والأوكرانيين سنضرب عصفورين بحجر واحد: إقناع أوروبا بأن إستعداداتها العسكرية غير كافية، وقد إتفقت مع حليفنا الدائم المملكة المتحدة على أن يقنع الدول الأوروبية بذلك، بهذا نفتح الموافقة على إعطاء التصاريح اللازمة للأسلحة الأميركية المتطورة والتي لا تتمكن أوروبا مَن صناعتها لإقتنائها وبهذا يرتفع إنتاج مصانعنا، بذلك نقلل من إعتماد أوروبا على منتجاتها ونزيد إعتمادها على منتجاتنا. يبقى لنا إقناعها بوقف مصدر الطاقة من روسيا وتأمينها لها من منابعها في الشرق الأوسط. مشكلتنا في ذلك أن علاقاتنا مع دول الخليج ليست في أحسن حالاتها، لكننا سنضغط على هذه الدول لعمل ما نريد”.

اتفق الثلاثة على ذلك.

قال أحد أصدقاء “سلام”: “أعذروني لعدم تمكني من مشاركتكم في موضوع الصين، لقد تأخر الوقت”.

قال آخر: “أوافق صديقي وأنا أعتذر بسبب الوقت المتأخر.”

قال “سلام”: “شكراً لكم على المشاركة، وأتفق معكم على تأجيل هذه التخيلات، ولكي تكونوا على علم، إننا سنتخيل ماذا حدث في موضوع أوكرانيا وروسيا ودول الخليج في وقتنا الحاضر قبل أن نتطرق الى موضوع الصين”.

بدأ توضيح الأمور بواسطة التخيلات مقاربة للحقيقة، خاصةً في تضارب معلومات الاعلام. بدأ “سلام” وأصدقاؤه يقولون في أنفسهم: “ليت قومي يعلمون”…

شارك المقال