استراتيجية ردع عالمية لتفادي سيناريو أوكراني جديد

حسناء بو حرفوش

هل كان بالامكان تفادي السيناريو الأوكراني؟ الإجابة هي نعم حسب تحليل في موقع “ذا ديفانس بوست” الالكتروني الأميركي. ويعزو الموقع ما حصل إلى الافتقار للإعداد والتنسيق بين الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، والذي حال دون وقفهم الغزو الروسي في الأصل.

ووفقاً للمقال، “أوحى الاعلام بأن الحرب التي شنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يمكن وقفها من خلال عناوين على غرار “بوتين يشن حرباً توقعها الغرب لكنه عجز عن وقفها”، احتلت الصفحات الاخبارية منذ اليوم الأول للغزو. أما البيت الأبيض فافتقرت تهديداته بالعواقب الوخيمة وبالأثمان الباهظة إلى التفاصيل المحددة حول ماهية هذه العواقب، ما خلا السياق نفسه للعقوبات الاقتصادية التي فرضت بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم في العام 2014.

وبرزت أكبر إخفاقات الغرب من خلال وضوح عدم الرغبة في ردع غزو بوتين الذي كان مرتقباً للغاية على الرغم من العقوبات التي أتت سريعة وأكثر حدة مما توقعه أحد. والحقيقة أن الولايات المتحدة وحلفاءها في الناتو لم يكونوا أبداً عاجزين عن وقف الحرب في أوكرانيا، بل افتقروا ببساطة إلى الاعداد والتنسيق. كان من الممكن القيام بأشياء كثيرة للمساهمة في الردع.

أنشطة “المنطقة الرمادية”

ومن الأمثلة على الأمور التي يمكن للديموقراطيات الغربية القيام بها لزيادة الردع، تحسين مستوى أنشطتها في “المنطقة الرمادية” التي تشمل بشكل أساس الأدوات غير العسكرية وغير الحركية مثل الحرب السيبرانية والاقتصاد والتلاعب بالحدود الاقليمية والهجرة والعمليات الاعلامية والحرب النفسية أو تدابير إضعاف الخصم. ويمكن ملاحظة تكتيكات “المنطقة الرمادية” الروسية والصينية. ففي العام 2014، على سبيل المثال، أحبطت جهود القوات الأوكرانية في منطقة دونباس بأوكرانيا والرامية الى تعطيل خطوط إمداد العدو بواسطة طائرات مسيرة استنسخت الشبكات الخلوية وعثرت على الهواتف المحمولة النشطة وعطلت أنظمة القيادة والسيطرة الأوكرانية. كما تعرضت القوات الأوكرانية لهجمات من قبل “الرجال الخضر الصغار” الروس أي الجنود الذين لا تحمل بزاتهم الخضراء شارات لخلق إمكان إنكار أصولهم. (يشير هذا المصطلح الى الجنود الملثمين من الاتحاد الروسي الذين ظهروا خلال الحرب الروسية – الأوكرانية في 2014).

ولا تخفى براعة الصين في هذه التكتيكات. فمن أجل الضغط على مطالبها الاقليمية في بحر الصين الجنوبي، لا تقوم بكين فقط ببناء جزر جديدة وتطالب بها كأراضٍ؛ بل تنشر أسطولاً ضخماً من “الرجال الزرق الصغار” في قوارب الصيد والسفن التجارية، وهي ميليشيا بحرية تضايق الخصوم وتستنزفهم في المناطق المتنازع عليها. وانتشرت أنشطة حروب “المنطقة الرمادية” كوسيلة لتجنب استفزاز القوة العسكرية الأميركية. وفي اليوم السابق للغزو الروسي لأوكرانيا، نشر المجلس الأطلسي مقالاً يستكشف لماذا تكون الحكومات الاستبدادية في كثير من الأحيان أفضل في حرب “المنطقة الرمادية” من الديموقراطيات الليبرالية؟.

ما هو الحل؟

قد تسمح استراتيجيات العقوبات بتعزيز قدرة الدول الغربية على ردع الأنظمة الاستبدادية نتيجة للصراع في أوكرانيا. لقد حسبت روسيا أن المصالح الاقتصادية ستمنع الدول الأوروبية من الانضمام إلى الجهود المبذولة لفرض عقوبات قوية. كما أن التعويل على تفكك التحالف أثبت فشله. ويوفر هذا الواقع الجديد للغرب الفرصة لصياغة استراتيجيات عقوبات متدرجة لردع المعتدين في المستقبل. وقد أظهرت الدول الديموقراطية استعدادها للعمل من خلال اتخاذ مثل هذا الاجراء السريع والموحد ضد روسيا، وما ينقصها الآن هو التركيز على الطابع المؤسسي والتمويل الكافي للوحدات التي تعمل في هذا السياق.

وعلى الجبهة الأوروبية، تحتاج الولايات المتحدة إلى النظر في عمليات تناوب أكبر للقوات. هذا لا يعني الوصول إلى مستويات الحرب الباردة، ولكن حدة التفاعل يجب أن ترتفع قليلاً مقارنة بما هي عليه. كما يمكن بناء مرافق جديدة بتكلفة منخفضة نسبياً في دول الناتو المواجهة للأمام ودمج الدروس المستفادة في ساحة المعركة الأوكرانية بسرعة في التدريبات العسكرية والتدريبات المشتركة المستقبلية، مع مراعاة وضع إطار قانوني للسماح لقيادة العمليات الخاصة الأميركية بالانخراط في “المستوى التالي” من تعليمات الحرب غير النظامية، بما في ذلك التدريب على المقاومة والميليشيات على مستوى المدينة والعصيان المدني.

الأسلحة والتكتيكات

وبعد تقويم أدائها في أوكرانيا، يجب وضع أنظمة الأسلحة المحمولة مثل Javelins

و Stingersو NLAWsوالمسيرات في البلدان التي يحتمل أن تتعرض للتهديد، بالتوازي مع الأنظمة الدفاعية مثل أنظمة Sky Saber. ومن المرجح أن يزداد الطلب على معدات الاتصالات التكتيكية المشفرة وغيرها من أجهزة مكافحة التشويش المضادة، والتي اكتسبت أهمية متزايدة بحيث أصبحت المسيرات أصولاً دفاعية لا غنى عنها. وأحد أهم الدروس المستفادة من الصراع الحالي هو أن الحلفاء الغربيين يجب أن يطوروا ويختبروا نظاماً لوجستياً لنقل الدعم المادي بكفاءة من دون تصعيد الصراع. وأخيراً، يبقى أن التحدي الذي ينتظر الناتو والولايات المتحدة يرتبط بإنشاء نظام ردع عالمي جديد يمكن للمعتدين فهمه ويحمل تأثيرات واضحة”.

شارك المقال