بعد 15 أيار… ارتطام حكومي ورئاسي وأكثر!

هيام طوق
هيام طوق

انهيارات وارتطامات وأزمات وهزات وارتدادات وانفجار اجتماعي وحوادث أمنية، كلها مفردات باتت تشكل الحديث اليومي لدى اللبنانيين، والأخطر من كل ذلك أنهم يعيشون على وقع تجسيدها على الأرض بانتظار ساعة الصفر وإطلاق صافرات الانذار التي ستدوي على مساحة الوطن.

الخبراء الاقتصاديون يرسمون وفق المعطيات التي لديهم واستناداً الى دراساتهم العلمية التي ترتكز على الأرقام، مشهدية تشاؤمية على الصعيد المالي والاقتصادي والغلاء الجنوني، ويعتبرون أن الارتطام الاجتماعي واقع لا مفر منه، وبات وشيكاً وقبل أي استحقاق وربما يتطور الى أحداث أمنية لا تحمد عقباها، وتكون سبباً في تأجيل الانتخابات النيابية لأن الناس وصلوا الى النفس الأخير بعد قرابة 3 سنوات من الفقر والعوز، وغياب الاجراءات الانقاذية، فاستنزفوا كل مقدرة على التحمل، وأصبحنا قاب قوسين من الانفجار الكبير وفق ما يؤكد الخبراء.

السيناريو التشاؤمي للجانب الاقتصادي والمالي ليس بعيداً من السيناريو السياسي الذي وإن اعتبر البعض أن 15 أيار محطة مفصلية في تاريخ لبنان التي ستحدد هويته ومستقبله، وأن صناديق الاقتراع ستكون بمثابة مفترق طرق بين الوطن الفعلي والبلد المرتهن الى الخارج، فإن الكثيرين باتوا على ثقة بأن الاستحقاق الدستوري على الرغم من ضرورة اجرائه في موعده لأنه دستوري، لن يؤدي الى التغيير المنشود طالما أن “حزب الله” يتحكم بالبلد إن كان عبر الشرعية من خلال تمثيله في البرلمان والحكومة أو من خلال قوته العسكرية.

وبغض النظر عن اجراء الانتخابات أو عدمها، وعن المقاطعة السنية التي ستكون واسعة وفق استطلاعات الرأي التزاماً بقرار الرئيس سعد الحريري، فإن المحللين والكتاب الصحافيين يتوقعون ارتطاماً سياسياً كبيراً أو عنيفاً، وفراغاً حكومياً ورئاسياً بعد 15 أيار المقبل مع العلم أنه يتم التداول في أن “حزب الله” لا يسعى الى تحقيق الأكثرية في الانتخابات المقبلة بل الحصول على ثلثي مجلس النواب ليأتي برئيس جديد للجمهورية كما يريد.

وانطلاقاً من المثل القائل “حساب الحقل لا ينطبق على حساب البيدر”، يتحدث المحللون السياسيون عن غيوم سود ملبدة بكل أنواع الفراغ بعد الانتخابات حتى أن مصطلح ارتطام لن يصف الوضع المتوقع بسبب الفراغ الحكومي والفراغ الرئاسي المنتظرين. على مستوى التشكيل الحكومي، لن تتشكل حكومة لتستمر بضعة أشهر فقط الى حين انتخاب رئيس للجمهورية خاصة وأن التجارب تشير الى أن تأليف الحكومات يستمر لأشهر عدة كما أن المناكفات ستكون على أشدها حول الأحجام السياسية فيها، وستواجه عقدة من سيتولى تشكيلها. أما على الصعيد الرئاسي، فالمسألة أيضاً معقدة لأنه حتى لو حصل فريق معين على ثلثي أعضاء المجلس المنتخب، فإن التقاليد السياسية تؤشر الى أن انتخاب رئيس جمهورية لا يمكن أن يتم الا بتوافق محلي واقليمي ودولي كما أنه لا يوجد اسم لشخصية متفق عليها بل هناك مجموعة من المرشحين، وبالتالي، الانقسام بين الأطراف حتى على جنس الملائكة ينسحب على عدم توافقهم على اسم معين. والنتيجة: فراغ حكومي وفراغ رئاسي يدخل البلد في ظلهما الى المجهول الخطير.

 

فراغ كبير على الصعيد الحكومي

يقول مدير مركز “ليبرتي للدراسات القانونية والاستراتيجية” محمد زكور لموقع “لبنان الكبير”: “قبل كل استحقاق رئاسي يتصاعد الحديث التقليدي الدستوري الذي يتمركز حوله السياسيون كل حسب مصلحته ويتمثل بالنصاب الواجب اعتماده لانتخاب رئيس الجمهورية، ولا يخفى على أحد أن هناك وجهتي نظر دستوريتين. الدستور يقول ان انتخاب رئيس الجمهورية في الدورة الأولى يجب أن يحوز على ثلثي عدد الأصوات، وفي الدورات التي تلي، على الأكثرية المطلقة أي على النصف زائداً واحداً، لكن الصراع الدستوري الذي يتموضع حوله السياسيون، ولطالما تموضعوا حوله هو التالي: هل أغلبية الثلثين في الدورة الأولى وأغلبية النصف زائداً واحداً في الدورات التي تلي تُحسب على أساس عدد أعضاء مجلس النواب الذين يؤلفون المجلس أي على أساس الـ 128 نائباً أو على أساس عدد أعضاء النواب الذين يحضرون الجلسة؟ لو افترضنا أن ثمة جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية وحضر تسعون نائباً، هل ثلثا الأعضاء تطبيقاً للدستور يحسبان على أساس التسعين الحاضرين أي 60 نائباً أو على أساس الـ 128 أي 86 نائباً؟ وجهة النظر الغالبة هي أن الحسابات تتم على أساس عدد أعضاء مجلس النواب الذين يؤلفون المجلس أي على عدد الأعضاء الـ 128. وأنصار هذه النظرية يقولون بأنه من غير المنطقي أن يكون النصاب نصاب حضور في الوقت الذي تكون فيه مهمة النواب انتخاب المركز الأول في الدولة. لا بد من نصاب الـ 128. أما وجهة النظر الثانية، فتقول إن البراغماتية تفرض وجوب أن يكون الحساب على أساس عدد النواب الذين يحضرون كي لا تؤدي كتلة أو كتلتان كبيرتان الى شلل في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية. الا أن الاجتهاد الغالب والذي يتم العمل به هو على أساس عدد أعضاء مجلس النواب الذين يؤلفون المجلس أي الـ 128 نائباً”.

أما من الناحية السياسية، فيوضح زكور أنه “مع انتخاب مجلس النواب، تعتبر الحكومة بمثابة المستقيلة وتصبح حكومة تصريف أعمال، وهناك توقعات بأن يصار الى فراغ كبير على الصعيد الحكومي وتنقضي 10 أشهر للاتفاق على رئيسها وتشكيلها. ماذا لو لم تحصل الانتخابات، وكثر أصحاب المصلحة بذلك؟ اذا لم تحصل، ومدّد مجلس النواب لنفسه بهرطقة دستورية، فإن المجلس الحالي سينتخب رئيس الجهمورية. من جهة ما يعرف بقوى 8 آذار، هذا السيناريو صالح جداً لأنها تستحوذ على الأكثرية، وتستطيع إن لم تجر الانتخابات أن تأتي بالرئيس الذي تريده. فهي تخشى إن أتت الانتخابات بشخصيات جديدة أن لا يكون لديها الأكثرية. أما من جهة القوى المعادية لـ 8 آذار أو ما يسمى بالقوى السيادية فلها مصلحة أيضاً في تطيير الانتخابات لأن مجلس النواب المقبل سيكون حتماً لصالح قوى 8 آذار بحيث أن انكفاء الرئيس الحريري عن الساحة السنية سيكون لصالح السنّة الموالين لـ 8 آذار، الأمر الذي يؤكد أن الرئيس المقبل ستقرره قوى 8 آذار”.

 

لا رئيس جمهورية الا بتوافق داخلي

ويقول الصحافي والكاتب السياسي توفيق شومان: “لنفترض أن الانتخابات النيابية ستجري في موعدها، المشكلة الأساسية التي ستواجه اللبنانيين بعد الانتخابات هي كيفية تشكيل الحكومة اذ أن الكل يعلم أن تشكيل الحكومات كان يأخذ أشهراً، والفاصل الزمني بين محاولة تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس الجمهورية بضعة أشهر. وهنا السؤال الكبير: هل يمكن أن تتألف حكومة فقط من أجل ان تستمر بضعة أشهر؟ وكيف يمكن أن تكون الأحجام السياسية التي تتشكل منها الحكومة؟ واذا لم يتم التوافق على التشكيل فستتحول الحكومة الحالية الى حكومة تصريف أعمال. وهنا سؤال آخر: هل حكومة تصريف الأعمال تأخذ صلاحيات رئيس الجمهورية في حال تعذر الوصول الى انتخابات رئاسية؟”.

ويتحدث عن فراغ متوقع على الصعيد الحكومي بعد الانتخابات، معتبراً أن “المسألة معقدة”. ويسأل: “من يرأس الحكومة، وعلى أي أسس من الأحجام السياسية يجب أن تتشكل؟”.

ويرى “أننا أمام عقدة رئاسية في الخريف المقبل نتيجة عدم التوافق على شخصية سياسية للرئاسة”، مشدداً على أن “عدم امتلاك أي طرف الثلثين مسألة أساسية، لكن حتى لو توافر هذا الأمر، فإن انتخاب رئيس جمهورية لبنان يأتي عادة في الساعات الأخيرة في ظل التوافق المحلي والاقليمي والدولي. وكل التقاليد السياسية اللبنانية المرتبطة بانتخاب رئيس الجمهورية كانت تعبّر عن عقدة داخلية واشتباك سياسي داخلي خاصة في الظرف الحالي حيث لا يوجد أي مرشح رئاسي يمكن القول انه المرشح الأول بل هناك مجموعة من المرشحين. اضافة الى ذلك، لا توافق منذ الآن على شخصية تحظى بالاجماع، وليس هناك أي تعهد من قبل أي طرف سياسي باتجاه شخصية سياسية ما للوصول الى رئاسة الجمهورية. وبالتالي، قد نكون أمام حالة فراغ حكومي وحالة فراغ رئاسي”.

ويتابع: “حتى لو أن طرفاً حصل على ثلثي مجلس النواب، وحتى لو سيطرت قوى 8 آذار على ثلثي مقاعد المجلس النيابي، إن لم يحظ رئيس الجمهورية بتوافق داخلي فلن يكون هناك رئيس”، مؤكداً أنه “عندما نصل الى مرحلة الفراغ الرئاسي والفراغ الحكومي ستكون المصطلحات المستخدمة أقوى من الارتطام”.

شارك المقال