هل تستطيع الولايات المتحدة وحلفاؤها إيقاف بوتين؟

حسناء بو حرفوش

لم تعدّ تجربة الولايات المتحدة في حروب ما بعد الحادي عشر من أيلول، قادتها السياسيين والعسكريين بشكل جيد لهذه الفترة من حياة البشرية وتحديداً في ما يتعلق بإنهاء الحروب. وفي أفغانستان، أتى الإنسحاب الأميركي متسرعاً، تاركاً البلاد في قبضة حركة “طالبان”. والأمر سيان في العراق حيث غادرت الولايات المتحدة معتقدة أن الحرب قد انتهت، لكنها عادت عندما زادت حدة تهديد تنظيم “داعش”. وفي الحرب الأوكرانية، واشنطن وحلفاؤها مدعوون الى وضع الأمور في نصابها، وهذا يعني، بحسب تحليل في موقع “ذا هيل” الالكتروني الأميركي، وضع ترتيب مستدام ومستقر بعد القتال بين الأطراف المتحاربة وإلا ستبقى بذور الصراع مزروعة للمستقبل.

السؤال الأساس الذي يطرح نفسه أمام القادة السياسيين والعسكريين المتحالفين يتمحور حول النهاية المرضية التي يبحثون عنها في ما يتعلق بحرب أوكرانيا؟ بالنسبة الى أوكرانيا، تشمل الأهداف السياسية الأكثر احتمالية إعادة إرساء الوضع العسكري الراهن قبل العدوان الروسي الذي بدأ في 24 شباط. وربما يرغب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أيضاً في تخلي روسيا عن شبه جزيرة القرم والمناطق المحتلة في دونباس. ولكن من غير المرجح أن يحظى هذا الهدف الإقليمي بدعم الحلفاء، أقله في المدى القريب. ومن المرجح أيضاً أن يسعى القادة الأوكرانيون الى الحصول على ضمانات للسيادة السياسية في المستقبل، ليس من خلال الناتو ولكن من خلال بعض الترتيبات الأمنية التي لم يتم إنشاؤها بعد. وربما يرغب قادة أوكرانيا في سداد مدفوعات أو ضمانات قروض للمساعدة في إصلاح الأضرار وعمليات النزوح التي تسببت بها حرب بوتين. ومن يعلم؟ ربما تمتلك حكومة زيلينسكي أهدافاً أخرى بعد.

ومن المرجح أن يدعم قادة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي كل هذا، طالما أن تحقيق هذه الأهداف لا يؤدي إلى توسيع القتال أو تصعيده. أما بوتين، فلا يريد بالطبع أياً من هذا. بل أن هدفه الأدنى هو التقسيم الدائم على الطريقة الكورية، مع التركيز على إنهاء المهمة التي بدأها في شباط الآن أو في وقت معين في المستقبل. ولا تعني وحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها السياسية شيئاً بالنسبة اليه، فهو استهدف تدميرهما في الأصل من خلال عملية الغزو. أما السبب الوحيد الذي فاجأه فهي أشكال المقاومة الأوكرانية والمساعدة العسكرية لحلف شمال الأطلسي والعقوبات الغربية. لكن الأمر لم ينته بعد، فبوتين لن يستسلم بسهولة وهو يريد استخدام القوات الروسية الموجودة على الأراضي الأوكرانية للتفاوض في طريقه لتحقيق الحد الأدنى من أهدافه.

وأوضح الرئيس بايدن مؤخراً أن الغرب لا يستطيع تحمل خسارة هذه الحرب وإلا فإن النظام الدولي “القائم على القوة” سوف يسود. ويجب على قادة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي مساعدة أوكرانيا في تحقيق الحد الأدنى من أهدافها وهذا يعني بدوره فرض المزيد من القوة من خلال العقوبات المستمرة وقوة الهجوم المضاد الشامل. أما الهدف فهو طرد الوحدات الروسية بالقوة إلى مواقعها قبل شباط 2022. واتخذت المقاومة الأوكرانية بمساعدة الحلفاء زمام المبادرة التكتيكية من روسيا. بينما قللت العقوبات الغربية من مبادرة بوتين الاستراتيجية بشكل كبير. لكن المبادرة التشغيلية لا تزال في متناول اليد. ويحاول بوتين الاستيلاء عليها مع تحوله نحو الشرق. لكن لا يمكن لأوكرانيا والحلفاء السماح بحدوث ذلك وعليهم استيعاب المبادرة العملياتية من خلال إطلاق هجوم مضاد شامل قريباً. ويتضمن أي هجوم من هذا النوع هجمات متتالية لطرد القوات الروسية واعتراض قدرة روسيا على التجديد وإعادة الوضع ومنع التوسع الروسي في الشرق والجنوب. ومن شأن الهجوم المضاد الناجح أن يوفر النفوذ الأوكراني الضروري للمفاوضات.

كما يجب على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي الالتزام بدعم أي معلومات استخباراتية ومعدات عسكرية تحتاجها أوكرانيا لعمليات الهجوم والاعتراض هذه، وذلك بمعدل ثابت. وإلا، ستحتفظ روسيا بمواقعها وتقصف على المستوى التكتيكي وتعيد وضع قواتها عملياً لجعل التقسيم الدائم نتيجة أكثر ترجيحاً. ووصلت حرب أوكرانيا إلى نقطة يجب السعي فيها لخلق تكامل بين القتال والتفاوض لأنه من الخطأ الاعتقاد بأن الهدوء في القتال سيكون مفيداً للمفاوضات. العكس هو الصحيح حيث تعمل الديبلوماسية بشكل أفضل عندما تكون مدعومة بموقف قوة معزز. ويجب على الحلفاء ألا يضغطوا على زعماء أوكرانيا للتفاوض في وقت مبكر للغاية. وفي الوقت الحالي، بوتين ضعيف وهو يعرف ذلك ويحاول إنشاء نافذة لقواته لإعادة التشكيل ثم إعادة وضعها بدون الضغط المطلق. وينبغي على قادة الحلفاء وأوكرانيا ألا يمنحوا بوتين هذه الفرصة وبالمثل يجب على الجميع مواصلة الضغط على بوتين، في روسيا كما في ساحة المعركة.

وبالطبع، لا يخلو أي قرار في الحرب من المخاطر. سيواصل بوتين التهديد بتوسيع الحرب أو تصعيدها بالأسلحة الكيماوية والنووية. لكن حلف الناتو في وضع يسمح له الآن بالتخفيف من هذه المخاطر، بل وحتى ردعها. وقام الناتو بتحسين وضع قواته البرية والجوية والبحرية في الشرق ورفع مستويات جاهزية قواته كما أن لديه الكثير من القوات في الاحتياط. إضافة الى ذلك، سيواصل بوتين قصف مدن أوكرانيا ومواطنيها. ولهذا السبب، يتعين على الناتو حماية إيصال المساعدات الإنسانية في البداية أقله في غرب أوكرانيا. وهناك أيضاً خطر أن يؤدي هجوم مضاد ناجح لحشر بوتين في الزاوية، مما يجعله أكثر خطورة. لكن الحرب تدور حول جعل العدو في وضع يتعذر الدفاع عنه، ثم الافادة منه. ويجب ألا يتردد الحلفاء في إيقاف بوتين، فذلك هو أهم اختبار!”.

شارك المقال