أوكرانيا: المدنيون وسردية الحرب

حسناء بو حرفوش

كيف تروى الحرب الدائرة على الأرض الأوكرانية؟ لا شك في أن السردية تمر باللقطات التي يشاركها المدنيون في ظل العصر الرقمي، من دبابات روسية مهجورة، إلى تناول الطعام في القبو، إلى وجوه اللاجئين المنكوبة وخروج المدنيين من المخابئ مع عودة القوات الأوكرانية. وتساعد مثل هذه الروايات، حسب قراءة في موقع “واشنطن بوست” (washingtonpost) الالكتروني في تشكيل فهم الرأي العام الغربي للغزو الروسي على أنه حرب استنزاف مروعة.

ووفقاً للقراءة، “تضغط هذه الرواية المثيرة للغضب، على الحلفاء لتزويد أوكرانيا بأسلحة قادرة على قلب الموازين عسكرياً، أو على الأقل زيادة قدرة كييف التفاوضية في محادثات السلام. وبرزت هذه الظاهرة للمرة الأولى في الحرب في سوريا، وفي العام 2014 في غزة وها هي تتكرر في أوكرانيا. وعنها تقول أولغا بويشاك، المحاضرة في الثقافات الرقمية في جامعة سيدني في أستراليا: “ان ديناميكية القوة قد تحولت والجيوش فقدت الهيمنة في تأطير الحرب، وبات المدنيون هم من يقررون إلى حد كبير كيف ستسجل هذه الأحداث في التاريخ”.

ولطالما لعب المدنيون دوراً في توثيق النزاعات والأزمات الانسانية، لكن ظهور وسائل التواصل الاجتماعي أضاف عامل السرعة والوصول غير المسبوقين. ويجزم محللون عسكريون وإعلاميون بأن “مشاهدة المواطن” في العقد الماضي، تطورت إلى قوة جبارة ولكن هناك أيضاً قيود، بما في ذلك صعوبة التحقق من المواد. وفي هذا السياق، تعتقد ريتا كوناييف، من مركز الأمن والتكنولوجيا في جامعة “جورج تاون”، أن من السهل أن تضيع التعقيدات في ردود الفعل العاطفية لرؤية الحرب من خلال الصور المفككة للخسائر البشرية. تقول: “هذا هو الموقع الذي يبتعد فيه التصور العام عن التفاصيل في ظل عوامل مثل ضباب الحرب والانتقائية في التقارير”. ويراقب علماء الإعلام كيفية عرض المحتوى على الانترنت ومدى تعرضه للاستغلال الحكومي. فإلى أي مدى تشوه الفلاتر والموسيقى الموجودة على منشورات التواصل الاجتماعي التلقي والمشاهدة؟ كيف يتم التعامل مع الحالات التي يُحتمل أن تنتهك فيها لقطات الهواة القانون الدولي، على سبيل المثال، من خلال تصوير أسرى الحرب أو استخدامهم لأغراض دعائية؟

يجيب ستيوارت آلان، أستاذ الصحافة في جامعة “كارديف” في ويلز، على هذه الأسئلة من خلال التركيز على إعادة صياغة مكانة الصحافي كوسيط والتحقق من روايات الشهود الأولية وتوضيحها. وبرأيه، “في غياب السرد الشامل الذي يجمع هذه المادة معاً ويفهمها ويضعها في سياقها ويهتم بما هو صحيح وما هو مضلل، يحصل المشاهد على مجموعة متناثرة من الأجزاء والقطع المختلفة”. وفي الوقت عينه، تتم مراقبة مقاطع الفيديو والمنشورات المدنية عن كثب من قبل مجتمع دؤوب من المحققين العلميين الذين يمشطون المنشورات، ويعتبرونها “OSINT” أو معلومات استخباراتية مفتوحة المصدر، بحثاً عن تفاصيل حول الذخائر والجنود وانتهاكات حقوق الإنسان. ويقول روبرت كارديللو الذي عمل كمسؤول استخبارات رفيع المستوى في الولايات المتحدة ان ما حصل في بوتشا خير دليل على ما سبق.

وانتشرت فكرة “المواطن الصحافي” في أعقاب كارثة تسونامي في العام 2004 في جنوب شرق آسيا، حيث وثق الناجون الدمار في المناطق التي غمرتها الفيضانات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي الناشئة آنذاك. ومنذ ذلك الحين، تبنى المحللون المحاولات التي توثق الأحداث والأعمال العدائية. وجذبت هذه الممارسة مزيداً من الاهتمام عندما أصبحت وسيلة حاسمة للمدنيين لمشاركة قصصهم خلال ثورات الربيع العربي والحروب في ليبيا وسوريا. وفازت إحدى الجماعات السورية الناشطة بجائزة حرية الصحافة لعام 2015 من لجنة حماية الصحافيين لتوثيقها انتهاكات مسلحي “تنظيم الدولة الإسلامية” الذين سيطروا على المدينة.

ويشهد المواطنون حالياً تطوراً جديداً في سياق الحرب على أوكرانيا، حيث تتنافس لقطات ساحة المعركة الجريئة مع روايات الشهود المحررة ببراعة، والتي تضاف إليها الموسيقى والترجمات. فتحرك إلى جانب التحيزات العرقية والثقافية الغربية جزءاً كبيراً من التعاطف مع الأوكرانيين بشكل واسع وهو ما لم يفعله المدنيون في اليمن أو أفغانستان على سبيل المثال. يضيف ستيوارت آلان: “يبحث الناس عن اللحظة الفعلية التي يتم فيها تدمير دبابة بصاروخ بريطاني الصنع، وتوفر لهم منصة TikTok هذا النوع من المشاهدة”. وتتزايد أصوات المجموعات الانسانية التي تناشد حالياً شركات التواصل الاجتماعي لتكون أكثر شفافية حول كيفية تصفية الصور للجمهور، وما يحدث لبعض اللقطات التي تعتبر مبالغة للغاية بحيث لا يمكن نشرها. بينما يطالب بعض النشطاء بإنشاء “خزانة أدلة رقمية” مركزية في حالة التحقيقات المستقبلية، خاصة وأن الأرشيف السوري على سبيل المثال، فقد جزء كبير منه بسبب إدارة المحتوى الجديدة، فاختفت الفيديوهات بين عشية وضحاها لأن موقع “يوتيوب” قرر أنها تتضمن لقطات قاسية.

ويبقى في أوكرانيا أن السلطات على الأرض حذرت المدنيين من نشر صور ولكن بعض الناس يعتبرون عموماً مثل هذه الجهود واجباً مدنياً لأنهم يعرفون أن “كل شهادة شاهد عيان يمكن أن تكون مهمة” في معركة أوكرانيا من أجل البقاء. فما هو المعيار وما الذي يدفع الجماهير الى التفاعل؟ فقد تستهوي تغريدة حول الوضع المأساوي 10 لايكات بينما قد ينهال زهاء 43 ألف إعجاب على منشور حول المعاناة اليومية لامرأة طاعنة في السن”.

شارك المقال