هل يمكن تقديم روسيا للعدالة على جرائم الحرب في أوكرانيا؟

حسناء بو حرفوش

تزداد الصورة وضوحاً على الساحة الأوكرانية مع انسحاب القوات الروسية المفاجئ في بداية شهر نيسان وانتشار صور الضحايا والدمار الهائل الذي خلفه الجنود. وسلط المحلل بول رودجرز في قراءة في موقع (opendemocracy) الالكتروني، الضوء على “كل الرعب الذي التقطته وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الغربية الرئيسة، وعلى دعوات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لإدانة روسيا ومحاسبة قيادتها أمام العدالة”.

ووفقاً لرودجرز، “لعل أكثر النقاط إقناعاً والتي بإمكان زيلينسكي التعويل عليها هي أن العالم لم يشهد مثيلاً لتصرفات الروس في أوكرانيا خلال حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهو يدعو بقية العالم الى قياس رد فعل وفقاً لذلك. ولكن هل ما يعتمد عليه صحيح تماماً؟ لا شك في أن الأحداث في أوكرانيا مروعة للغاية، ولكن في النهاية، إذا وجدت طريقة لاستعادة السلام في نهاية المطاف وأخذ العبرة من الحرب، فسيبقى على العالم مواجهة الحقيقة المزعجة… حقيقة أن هذه الحرب بالتحديد تسببت بهذا الكم من التفاعل والغضب في جميع أنحاء الغرب لأن الأضواء سلطت عليها وعلى تفاصيلها الدقيقة وجوانبها الأكثر تصويرية، بشكل أكبر بكثير مقارنة بالحروب الأخرى.

ولا تقتصر الحقيقة الأشمل للمعاناة الرهيبة في أوكرانيا على كونها حرباً وحشية لم يسبق لها مثيل، بل إنها نموذجية للغاية أمام الحروب التي خيضت في العقود الأخيرة. فقد ارتكبت جميع الفظائع التي شوهدت في أوكرانيا من قتل متعمد للمدنيين واحتجاز الرهائن والدروع البشرية والمذابح الجماعية وغير ذلك في حروب أخرى، وخلفت غالباً خسائر فادحة في الأرواح وامتدت إلى مقتل مئات الآلاف أو حتى الملايين من الناس. وتعد الحرب الكورية (1950- 1953) وحرب الهند الصينية – الفرنسية (1946- 1954) أمثلة على ذلك، ومنذ ذلك الحين، شهد العالم حروباً مروعة في فيتنام وأنغولا وموزمبيق والقوقاز والقرن الأفريقي ومرتين في أفغانستان وبالطبع في سوريا والعراق وليبيا. ناهيك عن أعمال العنف والقتل المتكررة في أجزاء كثيرة من أميركا اللاتينية. وشاركت روسيا أو الاتحاد السوفياتي السابق في بعض هذه الحروب، بما في ذلك سوريا وليبيا وأفغانستان، والحرب الداخلية الوحشية في الشيشان وكذلك في القمع في تشيكوسلوفاكيا والمجر. كما شاركت بعض الدول الغربية وأبرزها الولايات المتحدة وبريطانيا، في سواها، وهذا قبل أن ننظر في العديد من حروب إنهاء الاستعمار.

ويدرك أولئك الذي يتواجدون في منطقة الشرق الأوسط نوع الدمار الذي شوهد في أوكرانيا جيداً، على غرار ما حصل في العراق مع ممارسة بعض الجنود الأميركيين أفعالاً سادية بحق مدنيين. فمن كان المسؤول حينها وكيف يتم تقاسم المسؤوليات بعد الحرب؟ ولا تعني هذه الأمثلة الانتقاص من فظاعة ما يرتكب في أوكرانيا من أحداث رهيبة. واليوم، تسود الشكوك حول ما يتداول من سحب العديد من القوات الروسية من أوكرانيا لأنها في حالة إعادة انتشار، والأمر سيان بالنسبة الى مشروع استجلاب مجنّدين مدربين بالكاد. لذلك، وفي ظل التزام ثلاثة أرباع قواته القتالية المتاحة بالفعل بالحرب في أوكرانيا، يتعين على الكرملين سحب قواته من سوريا وليبيا وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وإحضار المرتزقة السوريين والشركات العسكرية الروسية الخاصة، مثل مجموعة فاغنر ومقاتلين من الشيشان.

ومع ذلك، لا يعد دمج المرتزقة في جيش نظامي أمراً سهلاً. لقد تكبد الشيشان بالفعل خسائر فادحة وذلك هو حال المرتزقة السوريين. وفي غضون ذلك، يستمر ضخ الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا ولا تزال الروح المعنوية الأوكرانية عالية. بالتالي، ينبغي ألا نتوقع أن تنتهي هذه الحرب بسهولة، فمع استمرارها وانسحاب القوات الروسية بهزيمة من أجزاء كبيرة من شمال أوكرانيا، قد يظهر العديد من الممارسات المروعة وما يفعله بعض هؤلاء الجنود بغيضاً تماماً، ولكن، كما هو الحال مع بعض الجنود الأميركيين في العراق، هناك ظروف أخرى يجب أخذها في الاعتبار.

فعلى سبيل المثال، تعرض العديد من القوات الروسية في الحرب للتضليل، من خلال إخبار العناصر مراراً وتكراراً أن الأوكرانيين كانوا من النازيين الجدد والذين يبحثون عن إلحاق الضرر بروسيا. ووجد الجنود الروس أنفسهم في خضم حرب لا يمكن الانتصار فيها، حيث رأوا رفاقهم يقتلون ويصابون بأعداد كبيرة. بالنسبة الى بعضهم على الأقل، ربما وفر ذلك فرصاً قاتمة للانتقام. لكن يطرح السؤال مجدداً: هل هم مسؤولون بالكامل؟ أم أن المسؤولية تقع على رؤسائهم؟ أم أن سلسلة المسؤوليات تقودنا مباشرة إلى الكرملين وفلاديمير بوتين؟ عندما تنتهي هذه الحرب أخيراً، ربما ستُستخدم الصكوك القانونية الدولية القائمة لإحقاق العدالة. وربما هذا طلب كبير، نظراً الى ما هو متاح والذي يقتصر في المقام الأول على المحكمة الجنائية الدولية، التي أنشئت بموجب قانون روما الأساسي لعام 2002. ويقع مقر المحكمة التي تضم 123 دولة ضمن أعضائها، في لاهاي وهي تتولى “محاكمة الأفراد بتهمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والعدوان”. ويعرف عملها بالتأني والدقة وسبق أن قدمت على الأقل بعض مجرمي الحرب البارزين إلى العدالة، ليس أقلهم من يوغوسلافيا السابقة. ومع ذلك، في حالة حرب أوكرانيا، ستصطدم أي إجراءات بصعوبة أكبر لأن روسيا لم تصدق على قانون روما الأساسي، وبالتالي فهي ليست دولة عضو”.

شارك المقال