كيف يمكن إنهاء الحرب الروسية – الأوكرانية؟

حسناء بو حرفوش

تنتشر في الاعلام روايتان حول ما يحدث في أوكرانيا، واحدة تركز على دخول الحرب يومها الأربعين وسحب روسيا قواتها من محيط كييف، وأخرى تركز على حديث الرئيس فلاديمير بوتين عن الانتصار في منطقة دونباس “ضد الفاشيين”. وبينما قد يشير الوضع إلى إمكان حدوث نوع من التسوية، دفعت الأخبار المتدفقة من الداخل الأوكراني، الرئيس الأميركي جو بايدن الى القول إنه يجب محاكمة بوتين بتهمة ارتكاب “جرائم حرب”. وقد يجعل موقف كهذا التسوية أقل احتمالاً. فماذا حل بالخطوط العريضة للتسوية في أوكرانيا؟ وهل لا يزال أي منها سارياً بعد 40 يوماً من الحرب؟

وفقاً للمحلل البريطاني أناتول ليفين في موقع “The Nation” الالكتروني، “لم يخل اتفاق مينسك الثاني بين أوكرانيا وروسيا والذي تم بوساطة فرنسا وألمانيا، ونص على عودة الجزأين الانفصاليين من دونباس في شرق البلاد، إلى أوكرانيا، ولكن على أساس الحكم الذاتي المحلي الكامل، من المشكلات، وأهمها رفض الأوكرانيين إما السماح لدونباس بالاستقلال أو بتمرير قوانين الحكم الذاتي التي كانت ضرورية من أجل تنفيذ اتفاقية مينسك، لأنهم كانوا يخشون حكم دونباس المستقل داخل أوكرانيا. وعلى الرغم من مصادقة الولايات المتحدة والأمم المتحدة على الاتفاقية في العام 2015، لم يفعل الغرب شيئاً في الواقع لدفع الأوكرانيين إلى تنفيذه، أو من ناحية أخرى، السماح لدونباس بالابتعاد. يضاف إلى ذلك عرض عضوية الناتو الذي لم يشبه عرضاً حقيقياً. كما رفضت أوكرانيا تقديم معاهدة للحياد. وعلى الرغم من أن لا شيء يمكن أن يبرر الغزو الروسي لأوكرانيا، يجب القول إن الأوكرانيين أضاعوا فرصاً ديبلوماسية عديدة لتفادي هذه الحرب.

أما بالنسبة الى الحياد الأوكراني، فلم يقدم قادة حلف الناتو والغرب في الفترة التي سبقت الحرب، ضمانات للوضع ورفضوا أيضاً تقديم معاهدة حياد لروسيا، ولم يستطع فولوديمير زيلينسكي تقديم ذلك خوفاً من معارضته الداخلية. ثم قامت روسيا بالغزو وعرض زيلينسكي الآن معاهدة الحياد، لكنه يطلب ضمانات أمنية بأن الغرب سيخوض الحرب إذا ما تم غزو أوكرانيا مرة أخرى، وهذا طلب مفهوم للغاية من وجهة النظر الأوكرانية. وكانت بريطانيا من بين قادة التضامن مع أوكرانيا، لكن وزيراً بريطانياً خرج على الفور رافضاً تقديم أي ضمانات أمنية لأوكرانيا بحجة أن الغرب غير مستعد لدخول أوكرانيا إلى حلف الناتو، وغير مستعد لتقديم أي ضمانات أمنية، فإن الحياد هو السبيل الواضح للخروج. ما يمكن أن يحصل عليه الأوكرانيون هو ضمان أنه إذا خرقت روسيا المعاهدة وغزت أوكرانيا مرة أخرى، فسيعيد الغرب فرض عقوبات اقتصادية كاملة، لكن هذا يفترض مسبقاً أنه مقابل اتفاقية سلام، على الغرب تعليق العقوبات الاقتصادية.

ويطرح السؤال نفسه حول تصور كيفية تسوية للحرب من دون رفع العقوبات. بحسب ليفين، لم يعد الأمر في تلك المرحلة، يتعلق بالبحث عن السلام أو مساعدة أوكرانيا أو تحقيق انسحاب روسي، بل أصبح الأمر مزيجاً من الرغبة في معاقبة بوتين وإضعاف روسيا، ليس من أجل أوكرانيا ولكن لتمكين الولايات المتحدة في العالم من خلال شل منافس وإضعاف حليف رئيسي للصين. ولكن منطقياً، يجب رفعها مقابل اتفاق سلام معقول ومقبول ولجعل اتفاق السلام هذا ممكناً. إذا كنا نريد الانسحاب الروسي، فعلينا أن نعطي روسيا حوافز للقيام بذلك.

ما هو البديل عن اتفاق لوقف إطلاق النار عن طريق التفاوض ومعاهدة سلام؟ وكيف سيبدو الجمود العسكري المفتوح لأوكرانيا؟ بصرف النظر عن الجانب الاجرامي للغزو، تعامل الروس معه بعجز مطلق. فبعدما فشلوا في الاستيلاء على كييف وفي تخويف الحكومة الأوكرانية، بدأ الروس بالإنسحاب من جميع أنحاء كييف من أجل التركيز على قهر دونباس بأكملها، وقبل الحرب لم يكن الروس يسيطرون عليها، لكنهم الآن يعترفون بهذه الجمهوريات المنشقة. لذا، سيحاولون الآن احتلال دونباس بأكملها، وإذا توجب انسحاب روسيا، فيجب أعطاؤها حوافز للقيام بذلك.

وقد يؤدي تزويد أوكرانيا بالدبابات والطائرات الحربية إلى تصعيد الحرب إلى مستوى آخر. وما قد يلي ذلك سيكون صراعاً آخر لا نهاية له مثل دونباس منذ العام 2014، ولكن على نطاق أوسع أو مثل كشمير، حيث قد لا تحصل حرب واسعة النطاق بعد فترة، ولكن ستكون هناك اشتباكات لا نهاية لها. سيبدو ذلك محزناً للغاية، لكن 90% من اتفاقية السلام موجودة بالفعل، خصوصاً معاهدة الحياد مع ضمانات ولكن ليس بضمانات أمنية. ولكن بالنظر إلى الحرب الباردة، لم يحصل النمساويون على ضمانات أمنية في عهد معاهدة الدولة النمساوية للعام 1955، ولم يحصل الفنلنديون على أي ضمانات بعد الحرب العالمية الثانية. وتعد هذه الأمثلة مهمة لأن أحد الأسباب الرئيسة وراء عدم محاولة ستالين غزو فنلندا بالكامل ودمجها في الاتحاد السوفياتي هو محاربة الفنلنديين الشديدة ضده في بداية الحرب العالمية الثانية. ويشك أي أحد في رغبة حكومة روسيا بتكرار هذه التجربة، لأنها كانت كارثة عسكرية لروسيا ، فضلاً عن كارثة اقتصادية.

العقوبات واقتصاد روسيا ومجتمعها

ومن المرجح نتيجة العقوبات أن تصبح روسيا حتماً أكثر اعتماداً على الصين، التي ستحل محل أوروبا كسوق للغاز والنفط الروسي. وبعد ذلك ستحدد الصين أيضاً سعر الغاز والنفط الروسي، وستكون هذه شراكة بشروط صينية إلى حد كبير. أما في الداخل الروسي، فمن الواضح جداً أن الدولة ستسيطر أكثر على الاقتصاد وستزيد الرأسمالية وستصبح الدولة الروسية أكثر قمعية بكثير. وبمرور الوقت، سيبتعد الأوروبيون عن إمدادات الطاقة الروسية، وسيستغرق الأمر وقتاً لأن البدائل ليست موجودة باستثناء الفحم في أوروبا. ولكن بالطبع يجب أن يأتي البديل أي الغاز الطبيعي السائل في ناقلات عبر المحيط الأطلسي، مما يعني استثماراً هائلاً في البنية التحتية الجديدة، بينما يأتي الغاز الروسي بالطبع عبر خط أنابيب. لذلك لا يمكن توقع التغيير سريعاً لاسيما وأنه مكلف للغاية. وبمجرد إنشاء بنية تحتية ضخمة جديدة للغاز الطبيعي المسال، من غير المرجح أن تبتعد أوروبا عن الغاز الطبيعي.

وأخيراً، يبقى أن قضية دونباس تشكل أصعب عناصر التسوية السلمية الأوكرانية، ولديها القدرة على تدمير احتمالات التسوية في المستقبل المنظور. وأعربت الحكومة الأوكرانية عن استعدادها لوضع هذه القضية جانباً بانتظار المفاوضات المستقبلية؛ لكنها طالبت أيضاً، بشكل طبيعي للغاية، بانسحاب روسيا كجزء من أي تسوية من جميع الأراضي الإضافية التي احتلتها منذ شن هذا الغزو، بما في ذلك أراضي إضافية في دونباس. لهذا السبب لا بد من الانتقال الى حل مبكر لهذه المشكلة من خلال استفتاء تحت إشراف دولي على أساس كل منطقة. وعلى الرغم من أن مثل هذا الحل قد لا يرضي روسيا ولا أوكرانيا، لا يتوافر الكثير من الحلول حول كيفية إنهاء الصراع”.

شارك المقال