13 نيسان 2022… حرب الغاء الدولة وتطويع شعبها

هيام طوق
هيام طوق

صحيح أن التواريخ المفصلية كثيرة في بلد يعيش على فوهة براكين مشتعلة بأزمات لامتناهية، إلا أن 13 نيسان 1975 يبقى المحطة الأساسية السوداء المحفورة في ذاكرة اللبنانيين باعتبار أن لبنان ما بعد 1975 ليس كما قبله، ولأن يوم 13 نيسان ذلك اليوم الربيعي تحول في لحظة شؤم الى يوم خريفي ملبد بكل أنواع الألم والحزن، ودُوّنت أحداثه بخط أسود عريض في روزنامة الأيّام اللبنانية وفي كتاب تاريخ ينقسم اللبنانيون حول صياغته.

سنوات طويلة مرت على هذا اليوم المشؤوم الذي أصاب روح الوطن وقلب شعبه بجروح لم تتمكن الأيام من بلسمتها على الرغم من جولات الحرب المتنقلة من حرب السنتين الى تل الزعتر والأشرفية وعملية الليطاني وحرب زحلة والاجتياح الإسرائيلي وحرب الجبل وحرب المخيمات ومعارك طرابلس وحرب العلمين وصولاً الى حرب التحرير فحرب الإلغاء، وحرب عناقيد الغضب، وحرب تموز 2006، لتتكرّر هذه الحروب بأشكال مختلفة مع معركة مخيم نهر البارد 2007، وأحداث 7 أيار 2008 ومعارك باب التبانة وجبل محسن.

وبعد 47 عاماً من كل تلك الجولات الدموية، لا بد من التساؤل: اذا كان 13 نيسان الشرارة الأولى لانطلاق الحرب الأهلية، فما هو التاريخ المنتظر أو الذي يخبئه التاريخ للبنانيين ليكون بمثابة الضوء الأحمر في وجه أي محاولة لجرهم الى حرب أهلية بنسختها الثانية، ولكبح فرامل “بوسطة” كل من يتربص شراً بالبلد وأهله، ورفع الراية البيضاء للاعلان عن جولات سلام لا تنتهي؟

اللبنانيون بمختلف انتماءاتهم وطوائفهم يرفضون العودة الى الحرب الأهلية، لا بل يستذكرونها بكثير من الأسى لتكون “الذكرى للعبرة”، ولترسيخ صور الحرب البشعة في أذهان الأجيال. حرب كلفت باهظاً، دفع ثمنها 150 ألف قتيل و184 ألف جريح و17500 مخطوف و13 ألف مفقود و2000 سيدة لقين مصرعهنّ بعد اغتصابهن، ودمار وخسائر مادية قدرت بمليارات الدولارات، ولا تزال هذه المشاهد في الأذهان وفي وجدان كل شخص عاش تلك الحرب، لا بل ان تداعياتها وانعكاساتها لا تزال ترافق اللبنانيين في يومياتهم، وفي تقسيمهم مناطقياً وطائفياً ومذهبياً وسياسياً.

هدأت المعارك القتالية، وخفت صوت الرصاص، وانسحب المسلحون من الشوارع والأزقة، وأعيد بناء ما تهدم، لكن الحرب اليوم هي حرب باردة بين المكونات اللبنانية التي تختلف وتنقسم حول مفهوم الدولة والسيادة والكيان والعدالة والولاء، ولا تتفق الا على التحريض الطائفي والمذهبي خاصة في ظل أسوأ أزمة اقتصادية ومادية ومعيشية تمر على شعب يعتبر هذه المرحلة أصعب وأكثر قساوة من الحرب لأنها دمّرت البشر وليس الحجر.

وفي الذكرى التي يشدد فيها الجميع كما في كل ذكرى على أن تكون صفحة الحرب طويت الى غير رجعة، وضرورة التسلح بالوعي والعلم والثقافة والتعايش وتقبل الآخر واحترام الكرامات الانسانية، وتجاوز كل الخلافات بعقلانية وهدوء بعيداً عن الصراعات والتشنج والحسابات الضيقة، يبقى أن نسأل: هل الحرب انتهت فعلياً أو أن اللبنانيين يختبرون حرباً بنكهة جوع لا يرحم، ويخوضون المعركة الأقسى في تاريخ “لؤلؤة الشرق”؟ وهل المعارك الطائفية والمذهبية والالغائية التي اختفت من الشوارع والأزقة لا تزال محتدمة في النفوس؟ وهل ذكرى 13 نيسان تبقى ذكرى للعبرة أو أن التاريخ يعيد نفسه بقالب متجدد؟

رأى النائب السابق الياس عطا الله في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “الحرب انطلقت في 13 نيسان لكنها لم تنته، ونحن في أسوأ مراحل الحرب. نحن في حالة حرب صامتة خاصة في ظل سيطرة حزب الله على الدولة، ونتيجة هذه السيطرة وصلنا الى ما نحن عليه اليوم من انهيارات على المستويات كافة. نحن في حرب ارهاب مبطن، حرب الغاء النظام والدستور وأبسط قواعد قيام الدولة، ولا يمكن معالجة النتائج من دون معالجة الأسباب”.

ولفت الى “أننا اليوم نبحث في الأسوأ: هل أيام الحرب الأهلية أو المرحلة الحالية هي الأسوأ؟ نحن في وضع أخطر حالياً لأنه يهدد الكيان والديموغرافيا والهوية ووجود الدولة، وأوصل الناس الى البؤس والذل”.

وأشار الى أن “الطائفية موجودة ولكن يمكن أن تكون حالة غير مشتعلة ووضع حل لها في الطائف الذي لم يطبق”، معتبراً أن “لا أحد انتبه الى تاريخ 13 نيسان لأننا نعيش في مرحلة أسوأ من 13 نيسان”. وطالب بـ “إيقاف تشخيص الوضع الناتج عن سيطرة قوى مسلحة الى كيفية العلاج وايجاد الحلول”.

من جهته، تحدث نقيب محامي الشمال السابق محمد المراد عن المحطات المختلفة التي مرّ بها لبنان منذ اعلان دولة لبنان الكبير على الصعيد السياسي والبنوي، إذ عدلت الدساتير أكثر من مرة لايجاد صيغة تجمع كل الأطياف، لافتاً الى مرحلة بناء المؤسسات وصولاً الى الحرب في العام 1975 حيث “تداعت البنية الأساسية للدولة ثم وثيقة الوفاق الوطني أو اتفاق الطائف لوضع حد للحرب والمجازر وصولاً الى مرحلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري التي شهدنا فيها الاعمار وتعزيز دور المؤسسات مروراً بالمشروع الاجرامي الذي اغتال الرئيس الحريري، واغتال معه عملية الاستقرار والنمو والتقدم”.

واعتبر أن “لبنان لم يعش في تاريخه الحديث على محطة ثابتة مستقرة انما هناك محطات منها ايجابي ومنها سلبي”.

وأوضح أن “كلمة الحرب بالمعنى الواسع للكلمة شيء وبالمعنى الضيق للكلمة شيء آخر. الحرب يمكن أن تدمر لكن اليوم هناك حرب من نوع آخر لأن الحرب ليست بالطائرات أو بالنووي فقط. التوصيف الدقيق للمرحلة التي نمر بها هي مرحلة من أخطر المراحل على لبنان وعلى بنيته ومؤسساته وشعبه. انها أخطر من الحرب المباشرة لأنه عندما يصل المرء الى الافلاس، ماذا يمكن أن ننتظر منه بعد؟”.

أضاف: “المرحلة من أصعب المحطات التي مر بها لبنان حتى أنها أصعب من الحرب بالمعنى الدموي. وهنا تكمن الخطورة لأنها تطال مجتمعاًبأسره ومؤسسات بكاملها بينما الحرب يمكن أن تقتصر أضرارها على منطقة معينة أو على شارع أو تبقى محصورة في اطار معين. ما نعانيه اليوم يطال الشعب بأكمله. نحن في ظروف صعبة تجعلنا نسأل: الى أين نحن ذاهبون؟ لا جواب”.

وتابع: “هي حرب مدمرة وشاملة على المستويات كافة، وعلى المواطن وعلى لبنان. انها مرحلة أصعب من الحرب المباشرة. كل أضرار الحرب موجودة في هذه المرحلة ولكن من دون حرب”. وشدد على أن “الطائفية تستخدم كعناوين لخدمة السياسيين لكن الأضرار اليوم تلحق بالمواطن اللبناني الى أي طائفة أو حزب انتمى، وغير المتضررين هم الشركاء في الحاق الضرر واحداثه”.

شارك المقال