السياسة الأوروبية والتغييرات الجيوسياسية

حسناء بو حرفوش

في ظل التغييرات المتسارعة على مستوى العالم ومنافسة القوى العظمى وعمليات صنع القرار، لا بد للإتحاد الأوروبي من أن يكيّف أسلوبه ليواكب الحسابات الجيوسياسية بشكل أكثر فاعلية… هذه هي خلاصة قراءة في الموقع الالكتروني التابع لمركز “كارنيغي للشرق الأوسط”.

ووفقاً للقراءة، “لقد دفع الغزو الروسي لأوكرانيا الاتحاد الأوروبي باتجاه حقبة جديدة. واستجاب الاتحاد للعدوان الروسي بتماسك وتصميم قل مثيله، وأطلق بالتعاون مع الولايات المتحدة وابلاً من العقوبات التي تركت تأثيراً مدمراً على الاقتصاد الروسي، كما حشد تمويلاً إضافياً هائلاً لأوكرانيا. والأكثر إثارة، أنه سلم ولأول مرة على الإطلاق، أسلحة لدولة تتعرض للهجوم. وفتحت دول الاتحاد الأوروبي حدودها أمام الموجة الضخمة من اللاجئين، متجاوزة الانقسامات التي طال أمدها في هذا المجال.

ولكن على الرغم من إظهار الاتحاد الأوروبي قدرته على الارتقاء إلى مستوى تحدٍ استثنائي، إلا أنه يدخل حقبة ستشكل العديد من التهديدات الخطيرة التي تتطلب خيارات صعبة وإجراءات حازمة. وعند هذا المنعطف، يجب على الاتحاد تطوير أدواته ليصبح أكثر فاعلية بطريقة مستدامة. وفي هذا السياق، تعاني ترتيبات السياسة الخارجية الحالية، التي تم تطويرها في بيئة دولية أكثر اعتدالاً، عدداً من المشكلات الهيكلية. ويمثل صنع القرار على أساس الإجماع بين سبع وعشرين دولة مختلفة قيداً واضحاً غالباً ما ينطوي على تأخير وأحياناً معوقات، إذ غالباً ما يتنافس القادة بدلاً من العمل كفريق متماسك، وتظهر الدول الأعضاء، التي تدير سياساتها الخارجية الوطنية بالتوازي مع السياسة المشتركة، التزاماً غير كافٍ بالعمل المشترك على المستوى الأوروبي. ومن أجل معالجة هذه الثغرات، يقترح التحليل الاصلاحات الثلاثة التالية:

تصويت الأغلبية 

يعود الجدل حول التصويت بالأغلبية إلى وقت طويل داخل الاتحاد وصولاً إلى تأسيسه. ومنذ البداية، كان من الواضح أن الحاجة الى تحقيق الإجماع داخل مجموعة كبيرة من البلدان ستشكل عقبة خطيرة في الاستجابة للتحديات الدولية. وعلى مدى العقود الماضية، أصبح العديد من مجالات السياسة الأخرى خاضعاً لتصويت الأغلبية. لكن في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، لم يتحقق الاختراق على الرغم من المبادرات العديدة في هذا الاتجاه. ولم تدفع الدول الأعضاء المؤيدة لمثل هذا الإصلاح بقوة كافية، كما قاومتها بعض الدول الأصغر، لأنها كانت تخشى فقدان القدرة على حماية مصالحها الوطنية من دون استخدام حق النقض. ولكن مع تدهور الوضع الدولي، تبدو المفاضلة بين نموذج الوحدة والتكلفة العالية للإجماع من حيث الفاعلية أكثر أهمية. وفي الآونة الأخيرة، أصبحت الدعوات إلى التحرك نحو التصويت بالأغلبية أكثر إلحاحاً، لا سيما خلال المؤتمر الحالي حول مستقبل أوروبا. لكن من غير المؤكد ما إذا كانت وجهات نظر الحكومات المترددة قد تطورت.

ومع ذلك، يجب أن تسمح صدمة حرب أوكرانيا أخيراً بإحراز تقدم حقيقي في هذه القضية. بالطبع، قد يجادل البعض بأنه في هذه الحالة أثبت الاتحاد الأوروبي قدرته على التصرف بسرعة وحسم حتى من دون تصويت الأغلبية. لكن هذا وضع استثنائي لعب فيه لاعبان خارجيان دوراً رئيساً في الجمع بين أعضاء الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين معاً. أحدهما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أثار عدوانه ردة فعل حتى من أكثر حكومات الاتحاد الأوروبي صداقة مع روسيا. والعامل الآخر كان إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي ضمنت قيادته النشطة استجابة غربية جيدة التنسيق. ومن دون هذه المجموعة الاستثنائية من القوى الخارجية، لن يكون تماسك الاتحاد الأوروبي في حالة جيدة. ويبين سجل السنوات الأخيرة انقسامات ناتجة عن أزمات داخلية وصعود عمل خارجي قوي أو أدت إلى المزيد من الحالات التي منعت فيها الحكومات الفردية مواقف الاتحاد الأوروبي واجراءاته. وعلى الرغم من أن التصويت بالأغلبية قد يساعد، ينبغي عدم اعتباره حلاً سحرياً من شأنه التغلب على جميع أوجه القصور في عمل الاتحاد الأوروبي بشأن السياسة الخارجية. لذلك، يجب أن يكون مصحوباً بإصلاح الترتيبات المؤسسية ذات الصلة.

تبسيط البنية التحتية المؤسسية

يجب تبسيط المشهد المؤسسي المفرط التعقيد والقضاء على الهياكل الموازية وتعزيز قدرة اللاعبين الرئيسيين ضمن الاتحاد الأوروبي. وتتطلب البيئة الدولية المتغيرة إعادة تقويم شاملة للعلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي. كما يجب أن تأخذ السياسات التي تطورت في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك التجارة والاستثمار والمنافسة والبحوث والتكنولوجيا، في الاعتبار سياسات القوة وأن تصبح أكثر صرامة ومرونة. واليوم، تقود المفوضية الجهود لتعزيز المرونة من خلال تقليل التبعيات غير المتكافئة وبناء القدرات في القطاعات الاستراتيجية وحماية الاتحاد الأوروبي من الإكراه الخارجي والتكامل الأفضل بين العلاقات الاقتصادية الخارجية والسياسة الخارجية. كما يجب الجمع بين مختلف الأدوات وراء نهج متماسك قائم على نظرة إستراتيجية.

تعزيز قدرة السياسة الخارجية 

لا يبدو في بعض الأحيان، أن عمل المجلس الأوروبي يتكامل بشكل جيد مع المكونات الأخرى لآلية السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي. لكن يمكن معالجة أي مشكلات من خلال إنشاء هيكل دعم أقوى على غرار مجلس الأمن القومي في واشنطن، يقدم المشورة الاستراتيجية لأعضاء الاتحاد الأوروبي وتوفير تقويم مشترك وتحليل مشترك كأساس للتداول، لتسهيل وصول الإتحاد إلى نتائج جوهرية. يضاف إلى ذلك ضمان التنسيق الأفضل، ليس بين الجهات الفاعلة في السياسة الخارجية في بروكسل وحسب، ولكن أيضاً بين الدول الأعضاء وتبادل المعلومات والتقويمات وتنسيق خطط السفر وتنسيق الرسائل الرئيسية.

أخيراً، يمثل الغزو الروسي لأوكرانيا مرحلة دراماتيكية بشكل خاص على مستوى الانحدار التدريجي للعالم إلى منافسة لا هوادة فيها بين القوى العظمى. وبينما أعادت إدارة بايدن إحياء علاقة فاعلة عبر المحيط الأطلسي بعد سنوات الفوضى في عهد سلفه دونالد ترامب، من غير الواضح قابلية الوضع للاستمرار على ما هو عليه بعد العام 2024. ولذلك ليس من دليل على قدرة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي والمبنية اليوم في جو معتدل، على الصمود أمام عواصف العصر الجديد. فإذا كان الاتحاد الأوروبي يرغب في حماية مصالحه في السياق الدولي الجديد، لا شك في أنه يحتاج إلى شيء أكثر قوة وفاعلية”.

شارك المقال