هل وجود الناتو ضرورة؟

حسناء بو حرفوش

ما هي الوظيفة التي يؤديها الناتو؟ بينما يجادل البعض أنه يتولى احتواء الحرب، يكتب آخرون أن غزو روسيا لأوكرانيا يظهر أن الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة قادرون على الدفاع عن أنفسهم.

قبل الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط الماضي، قيل بأن توسع الناتو على مدى الأعوام الثلاثين الماضية بمثابة فشل سياسي واستفزاز. واقترح هذه الفكرة، وفقاً لقراءة في موقع thenation الأميركي، ذوو الميول اليمينية في السياسة الخارجية الأميركية السائدة، وهو أيضاً موقف مشترك لليسار. وتداول الخبراء الروس الحكمة التقليدية بأن الرئيس جورج بوش أخطأ في العام 2008 عندما أصر على التزام غير محدد بضم أوكرانيا وجورجيا يوماً ما إلى الناتو، مما أدى على الأرجح إلى اندلاع حرب روسيا مع جورجيا بعد بضعة أشهر، وفي نهاية المطاف الى صراعها مع أوكرانيا الذي بدأ عام 2014 وتصاعد هذا العام. وكرر المنتقدون اليساريون للسياسة الخارجية الأميركية، الحكمة التقليدية بأن حلف شمال الأطلسي هو من مخلفات الحرب الباردة وهي صناعة دفاعية تعمل على امتصاص الموارد التي يمكن استثمارها في شبكة الأمان الاجتماعي.

يمكن مناقشة جميع المواقف المذكورة أعلاه، لكن من واجب الذين انتقدوا حلف شمال الأطلسي النظر في أحداث العام 2022 في تقويمنا للتحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة. ويجب الاعتراف على أقل تقدير، بأن توسع الناتو لم يكن أبداً مجرد ممارسة أحادية الجانب للإمبريالية الأميركية. كان العديد من منتقدي التوسع الأعلى صوتاً يقود محاربي الحرب الباردة، في حين أن أكثر مناصريه التزاماً هم الحكومات المنتخبة ديموقراطياً لدول أوروبا الشرقية التي انضمت إلى الناتو منذ نهاية الحرب الباردة. وفي سياق أوروبا الشرقية، يشير سلوك روسيا خلال الشهرين الماضيين إلى أن كلمة “دفاع” ليست دائماً تعبيراً ملطفاً ساخراً لإثارة الحروب.

وشنت روسيا غزواً واسع النطاق غير مبرر لدولة مجاورة على أساس الذريعة السخيفة المتمثلة بـ “نزع النازية”. وفشل العديد من منتقدي توسع الناتو في التنبؤ بهذا الأمر حتى لحظة حدوثه، واعترف الكثيرون بذلك منذ ذلك الحين ولكن من دون إعادة النظر في تحليلهم الأساس. وعلى الرغم من أننا لا نعرف حجم الخسائر بعد مع استمرار الحرب، إلا أننا نعرف أن الوضع مروّع: مدن دمرها القصف والفظائع الجماعية ضد المدنيين العزل وما لا يقل عن 10 ملايين أوكراني (ربع السكان) نزحوا من منازلهم.

وفي هذه الأثناء، ومهما كانت حرب فلاديمير بوتين المتهورة، حرص على عدم إطلاق النار على الدول المجاورة مثل ليتوانيا وبولندا ورومانيا. والسبب واضح: هذه الدول أعضاء في الناتو، وبالتالي فهي تخضع لالتزام دفاعي ملزم من الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى. وبالنظر إلى الفظائع التي ارتكبتها روسيا حتى الآن في أوكرانيا – وهي ليست غير مسبوقة، كما يعلم أي شخص على دراية بالحروب الروسية في الشيشان وسوريا – من الصعب إلقاء اللوم على دول أوروبا الشرقية التي سعت بنجاح الى الحصول على عضوية الناتو لفعل ذلك، أو لوم أوكرانيا أو الجمهوريات السوفياتية السابقة الأخرى لرغبتها في أن تحذو حذوها.

وعلى المدى الطويل، ربما ينبغي تفكيك الناتو والحجة الخاصة بتقليص دور الولايات المتحدة في نهاية المطاف وزيادة مسؤولية أوروبا عن أمنها هي قضية مقنعة. لكنها لحظة غريبة بالنسبة الى اليسار الغربي لإعطاء الأولوية لانتقاده حلف الناتو. وبعيداً عن نشر النزعة العسكرية عبر أوروبا، تقضي وظيفة الناتو الآن باحتواء حرب لم يبدأها. وليس من المبالغة القول إن الناتو هو السبب في أن هجوم روسيا على السكان المدنيين لم يتطور بعد ليصبح حرباً إقليمية أوسع.

ومن المؤكد أن منتقدي الناتو محقون بشكل عام في أن دور الحلف يجب أن يظل دفاعياً بطبيعته. في حين أنه من المفهوم أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد طالب الناتو بإنشاء منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا، وستبدو مثل هذه السياسة تصعيدية بشكل خطير وترخص فعلياً الاشتباك العسكري المباشر بين المتحاربين المسلحين نووياً والذي قد ينتج عنه عواقب وخيمة، بالنسبة الى الأوكرانيين قبل كل شيء.

لكن التركيز على حلف الناتو هو في أفضل الأحوال إلهاء وفي أسوأ الأحوال تعزيز ضار للدعاية الروسية. في الفترة التي سبقت الغزو، استشهد بوتين مراراً وتكراراً بتوسيع الناتو كجزء من تبريره خوض الحرب، على الرغم من أن الناتو لم يفعل شيئاً يشير إلى أن لديه أي خطط وشيكة لضم أوكرانيا إلى الحلف في السنوات الثماني منذ أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم.

وإذا كان اليسار الغربي يريد الانخراط بشكل بناء في أوكرانيا، فهناك العديد من الطرق التي يمكنه القيام بها بما يتفق مع قيمه الأساسية: عن طريق الحث على التحول إلى الطاقة الخضراء والابتعاد عن الوقود الأحفوري الذي يدعم نظام بوتين وإعطاء الأولوية لرفاه اللاجئين من أوكرانيا وكذلك من مناطق الحرب الأخرى.

وبعد شهرين من الغزو الروسي، أصبح من المسلم به الآن أن أوكرانيا لن تكون أبداً عضواً في الناتو، وأفضل ما يمكن أن تأمله هو الحياد المسلح مع الاستقلال السياسي عن موسكو، وهو الهدف الذي كان ينبغي لواشنطن السعي إليه على مدار الأعوام العشرين الماضية. لن نعرف أبداً كيف كان يمكن أن ينجح مثل هذا المشروع، لقد منح حياد الحرب الباردة المتفاوض عليه فنلندا والنمسا مساحة للازدهار، على الرغم من أنهما ليستا مشابهتين تماماً لأوكرانيا ولكن يمكننا أن نرى جيداً كيف تحولت الأمور الآن، وليس بالأمر الهين بفضل الوعود بإحضار تحالف عسكري تقوده الولايات المتحدة إلى حدود أوكرانيا التي يبلغ طولها 1400 ميل مع روسيا. وبطبيعة الحال، لن يكون ترك الناتو كافياً لوضع واشنطن على طريق الديبلوماسية الوقائية بعيدة النظر. ولكن يجب أن تثبت الحرب في أوكرانيا بأكملها، بدءاً من الزلات الديبلوماسية التي أدت إلى ضعف أداء الجيش الروسي، أن التزامات الاتفاقية الأمنية لا تزال تفوق فوائدها”.

شارك المقال