طبول المعركة الانتخابية تقرع بين “القوات” و”حزب الله”

جورج حايك
جورج حايك

لا شك في أن المواجهة بين “القوات اللبنانية” و”حزب الله” على صعيد الانتخابات النيابية تبدو حاسمة وحازمة، فالحزبان مختلفان على كل شيء: مبادئ، مشروع، أهداف، تكتيكات واستراتيجيات. والمعركة تستخدم فيها كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة، لأن مصير لبنان سيتحدد بعد 15 أيار، وستصبح الصورة واضحة حول هوية السلطة من جهة والمعارضة من جهة أخرى.

واللافت أن نظرة كل فريق إلى الآخر، تتخذ أشكالاً متطرفة لا مساومات فيها، فـ “القوات” تعتبر الحزب أداة ايرانية لبسط نفوذها على لبنان، والحزب يصنّف “القوات” أداة أميركية تخدم مصالح واشنطن وحليفتها اسرائيل.

“القوات” والحزب ليسا في موقع الخصومة السياسية بل ينظران إلى بعضهما البعض كأعداء وهذا مؤشر الى ضراوة المواجهة بينهما. فمنذ غزوة “حزب الله” عين الرمانة استبدل العدو الاسرائيلي بـ”القوات”، وقد بات واضحاً هذا الأمر من خلال وسائله الاعلامية ومواقف مسؤوليه، بدءاً من الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله وصولاً إلى أصغر قيادييه، فلا يمر يوم إلا ويوجّه فيه هؤلاء انتقاداتهم الى “القوات” أو رئيسها سمير جعجع، ويتهمونها بنصب كمين في عين الرمانة أدى إلى مقتل 7 ضحايا. في المقابل تبادر”القوات” إلى اتهام الحزب بتنظيم تظاهرة مشبوهة تبين أنها مدججة بالسلاح الذي استخدم بكثافة بعد انحرافها عن الطريق المرسومة لها، وهذا ما يبدو واضحاً في كل الفيديوهات المتداولة في وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، والمفارقة أن معظم الضحايا الذين قتلوا كانوا مسلحين يطلقون النار عشوائياً داخل عين الرمانة. علماً أن “القوات” تعتبر أن لا علاقة لها بالمواجهة العسكرية التي حصلت في الميدان إنما أهالي عين الرمانة بادروا إلى الدفاع عن أنفسهم، وجلّ ما فعلته هو منح الغطاء السياسي لأهالي عين الرمانة وخصوصاً الموقوفين منهم.

هذه الحادثة المشؤومة التي حصلت في خريف 2021، خيّمت على أجواء الانتخابات النيابية بين “حزب الله” و”القوات”، فالأول اختار التصعيد وانتقل إلى الهجوم المباشر على “القوات”، وربما كان يريد شد عصب بيئته حوله عبر اختراع “عدو” جديد لها بدلاً من اسرائيل التي هدأت المواجهة معها جنوباً، لكن تصعيد الحزب ضد “القوات” بدا سلاحاً ذا حدين، وربما شدّ بعض العصب لدى جمهوره، إلا أنه أفاد “القوات” أيضاً على الساحة المسيحية التي وجد فيها كثر من الرأي العام الطرف الأقوى القادر على الوقوف في وجه الحزب، حتى بدت كلمة نصر الله بعد غزوة عين الرمانة أشبه بحملة اعلامية واعلانية لمصلحة “القوات” التي يختلف مشروعها أصلاً عن الحزب، إذ تطالب بسيادة الدولة وحصر السلاح بيد الجيش اللبناني والحياد والانفتاح على المجتمع الدولي والخليج، وتنادي بدولة القانون، وبالتالي تتفوق بخطابها الذي يهدف إلى العيش الحر والكريم في لبنان، فيما يقدّم الحزب مشروعه بإسم المقاومة وثلاثية “جيش وشعب ومقاومة”، ويريد استمرار لبنان في وضعية المحاور أو ضمن محور الممانعة التابع لايران والمناهض لسياسة العرب والخليجيين، مما يهدده بمزيد من العزلة والانهيارات الاقتصادية والاجتماعية.

ولا يختلف اثنان على أن خطاب الحزب لا يجذب الشعب اللبناني إنما يجذب قسماً منه أي ما يُعرف ببيئته التي تضم أكثرية شيعية. أما خطاب “القوات” فيتمتع بجاذبية أقوى ويطال شرائح كبيرة من المجتمع اللبناني، وهذا ما يقلق الحزب عشية الانتخابات النيابية، إلا أنه يعيش حالة إنكار في مواقف مسؤوليه ووسائل اعلامه.

لذلك تتخذ المعركة الانتخابية أبعاداً مصيرية بل وجودية بين الطرفين، والمواجهات ستكون مباشرة بين الحزب و”القوات” في بعض الدوائر، وستكون غير مباشرة أي مع حلفاء الحزب مثل “التيار الوطني الحر” و”المردة” و”القومي” في دوائر أخرى.

نظّمت “القوات” نفسها باكراً للمعركة الانتخابية، وهذا واضح جداً من خلال ترشيحاتها الكثيفة والتحالف مع وجوه مستقلة لها حيثياتها السيادية وحزب “الوطنيين الأحرار” والحزب “التقدمي الاشتراكي”، واستخدمت تكتيكاً ذكياً في عملية الإعلان عن ترشيحاتها أسبوعياً وصولاً إلى اطلاق برنامجها الانتخابي من معراب بتغطية اعلامية لافتة، اضافة إلى الموعد المنتظر في اطلاق لوائحها كاملة في حفل كبير في معراب أيضاً في 25 الجاري.

في المقابل، أعلن نصر الله عن مرشحيه متحالفاً مع حركة “أمل” و”التيار الوطني الحر”، لكن الارتياب يتحكّم به لجهة التيار الذي أكدت كل استطلاعات الرأي تراجعه في المناطق المسيحية، ربما لن تذهب أصوات مناصريه إلى “القوات”، إلا أنه سيخسرها لمصلحة المستقلين والمجتمع المدني الثائر.

أمام هذا الواقع الصعب، سدّد الحزب ضربة معنوية الى خصومه وأعدائه عبر جمع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ورئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية في افطار في الضاحية، وأعطى صورة متماسكة لحلفائه في مواجهة اللوائح المناوئة، على الرغم من كل ما قيل بأن أبعاد الاجتماع تتجاوز الانتخابات النيابية إلى مرحلة ما بعدها.

لا شك في أن جبهة “القوات” تتضمن بعض نقاط الضعف وأهمها نزول الكثير من القوى التغييرية ضدها في الانتخابات وتركيزها على المناطق المسيحية لانتزاع بعض المقاعد منها، إضافة إلى فقدانها حليفاً سنياً قوياً هو تيار “المستقبل”، وامكان استفادة الحزب من الفراغ الذي سيشكّله لإنتزاع بعض المقاعد السنية. إلا أنها ستعوّض ذلك من خلال أصوات المغتربين وهذا أمر ثابت لا يقبل الشك، لأنها كانت الأكثر استقطاباً لأصوات المغتربين في انتخابات 2018.

لا بد من الانتقال إلى خط التماس الانتخابي حيث المواجهة ستكون مباشرة بين “القوات” والحزب: نبدأ بدائرة بعبدا التي تضم 6 مقاعد نيابية تتوزّع كالآتي: 3 مقاعد للموارنة، 2 للشيعة ومقعد للدروز.

تبدو “القوات” مرتاحة كثيراً إلى هذه المعركة وتضمن تقريباً حاصلاً ونصف وهي ترشّح بيار أبي عاصي هناك، وسيرفع دعمها لرئيس “الوطنيين الأحرار” كميل دوري شمعون احتمال تأمينها حاصلين فتحجز مقعدين. وستدعم المرشح المستقل الكسندر كرم عن المقعد الماروني، إضافة إلى دعمها المرشح الشيعي سعد سليم. ويجب ألا ننسى تحالف الحزب “التقدمي” و”القوات” في هذه الدائرة، مما قد يمكّنها من تأمين حاصل ثالث.

اما اللائحة الثانية فتضم تحالف “التيار الوطني الحر” و”الثنائي الشيعي” والممانعة الدرزية. في ما يخص المقاعد المارونية أعلن “التيار الحر” إعادة ترشيح آلان عون الذي تقول استطلاعات الرأي إن فوزه شبه مضمون، وربما هو المقعد الوحيد الذي يرتاح اليه التيار، ولا سيما بعد الخلاف بين النائب حكمت ديب وباسيل. فاستبعاد ديب من السباق الانتخابي وتقديم استقالته من التيار هما انعكاس لحجم “المَشكل” بين قواعد التيار في بعبدا، الأمر الذي ستظهر تأثيراته الملحوظة في توزيع الأصوات، خصوصاً في منطقة الحدت.

شيعياً، أعلنت حركة “أمل” ترشيح فادي علامة و”حزب الله” رشّح علي عمّار، ودرزيّاً رسا الخيار على فاروق الأعور الذي اختاره النائب طلال أرسلان بديلاً من فادي الأعور الذي قدّم أيضاً ترشيحه للانتخابات.

من الجبهات الشديدة الحساسية بين “القوات” والحزب هي دائرة بعلبك – الهرمل، ويُحكى عن محاولة الحزب استعادة المقعد الماروني من “القوات” الذي يشغله اليوم النائب أنطوان حبشي عبر تجيير أصوات شيعية يُمكن أنّ يلجأ إليها لكسب هذا المقعد وإعادته إلى كنف 8 آذار. لكن المراقبين يحذرون من أنّ لهذه الخطوة مخاطر كبيرة، فلائحة “القوات” حتماً ستكون ممثلة في مجلس النواب. وإذا ذهب النائب الماروني إلى الحزب أو التيّار، فإنّ خسارة الأوّل ستكون مدوّية في شارعه الشيعيّ، وخصوصاً إنّ تمثّلت “القوات” بمقعد شيعي، وفي معقل نفوذه! مع ذلك، ليست الطريق سهلة أمام “القوات” في غياب الدعم السني وافتقار حليفها الشيخ عباس الجوهري إلى مظلة شيعية وازنة. وتمتد المنافسة بين “القوات” والحزب في هذه الدائرة إلى أرض القاع حيث اختارت الأولى دعم الطبيب ايلي بيطار عن المقعد الكاثوليكي، فيما سيدعم الحزب خوري الرعية ليان نصر الله.

الجبهة الثالثة التي ستشهد منافسة حامية بين الحزب و”القوات” هي المقعد الشيعي في جبيل، فالحزب رشّح رائد برو و”القوات” تدعم محمود عواد، الأول يبدو احتمال فوزه قوياً بحكم تحالف التيار والحزب هذه المرة خلافاً لما كانت عليه الحال في انتخابات 2018. أما الثاني فسيكون الرهان على ما سيجمعه من أصوات شيعة مستقلين ودعم مسيحي كبير من قاعدة “القوات”، علماً أن بعض المرشحين كمشهور حيدر أحمد المدعوم من فارس سعيد، وأحمد هاني المقداد المدعوم من نعمة افرام قد يأكلان من صحنه.

وتفتخر “القوات” بأنها حافظت على أبناء الطائفة الشيعية الذين بقوا في منطقة جبيل وجردها طيلة الحرب الأهلية ولم يطلهم التهجير، لكن العديد منهم بات مؤيداً لـ”حزب الله” منذ سنوات ويستقوي بسلاحه لوضع اليد على أراض للمسيحيين في جرد جبيل وخصوصاً في بلدة لاسا حيث تقع أراض لمطرانية جونية المارونية مما خلق أجواء مشحونة بين هؤلاء وأبناء المنطقة والكنيسة المارونية.

الجبهة الرابعة ستكون في زحلة، وستشهد مواجهة شرسة بين “القوات” والحزب، لكن الأخير ينطلق في معركة زحلة من كتلة متراصة، هي الأكبر والأكثر التزاماً في الدائرة، وفقاً لأرقام صناديق اقتراع سنة 2018. لكن هفوة الحزب الأساسية هي عدم حفاظه على حلفائه في الدورة الماضية، وامتناعه عن تجيير الأصوات التفضيلية لمصلحتهم. ويتوقع مراقبون أن يتمكن “حزب الله” المتحالف مع “التيار الوطني الحر” و”الطاشناق” من تأمين ثلاثة حواصل أو حاصلين وكسر أعلى كحد أدنى وخصوصاً في ظل افتقار لائحة “القوات” إلى دعم تيار “المستقبل”. إلا أن وضعية لائحته التي تضم سليم عون (ماروني)، حسين صالح (سنّيّ – حزب البعث)، أنطوان شقية (أرثوذكسي)، رامي بو حمدان (شيعي)، ربيع عاصي (كاثوليكي) وجورج بوشكيان (الأرمن)، تفتقر إلى الصوت المسيحي القوي في ظل تراجع شعبية التيار.

من جهتها، تبدو “القوات” وماكينتها الإنتخابية الأكثر حضوراً حتى الآن في مدينة زحلة، وقدّمت نموذجاً عن حسن تنظيمها خلال الذكرى السنوية لشهداء زحلة في 2 نيسان، التي تخللتها كلمة لرئيس “القوات” سمير جعجع دكّ فيها حصون الحزب الداخلية، لاعباً على الوتر الشيعي ومعتبراً أنه أكثر من تأذى من سياسات الحزب وهذا النوع من الخطابات يزعجه كثيراً. من هنا تعتبر هذه خطوة جريئة لجعجع وخصوصاً بعدما أقدم على دعم المرشحة الشيعية في زحلة ديمة أبو ديا، إضافة إلى جورج عقيص وسابين قاصوف (كاثوليك)، مع العلم أنّ قاصوف نفوسها في بعلبك، ميشال تنوري (ماروني)، الياس اسطفان (أرثوذكسي)، بلال الحشيمي في تحالف غير مباشر (سنّي) وبيار دمرجيان (أرمني).

وتصر “القوات” على أن تؤمن حاصلين مرتاحين في زحلة حتى لا تصل عملياً إلى تنافس داخلي بين مرشحيها الأساسيين، وهذا يضعها في تنافس على الناخب المتردد. ومن نقاط القوة لدى “القوات” هو تحالفها مع الرئيس فؤاد السنيورة الذي من المتوقع أن يشكّل غطاء سنياً للائحة في دائرة يقترع فيها ما لا يقل عن 54 ألف سني.

الجبهة الأخيرة التي تضع “القوات” والحزب في مواجهة ضارية هي دائرة صيدا – جزين، وربما تكون المعركة بين “القوات” و”التيار الوطني الحر” مدعوماً من الحزب إذا صح التعبير. ويرجّح أن تشهد هذه الدائرة خروقاً عديدة نظراً إلى واقع صعب يعيشه التيار الذي يتخبط في خلافات داخلية ولا سيما بين المرشحين أمل أبو زيد وزياد أسود عن المقعدين المارونيين على الرغم من وجودهما على لائحة واحدة اسمها “معاً لصيدا وجزين”، وهي تضم سليم خوري عن المقعد الكاثوليكي ومحمد القواس وعلي عمار عن المقعدين السنيين.

تبدو اللائحة بما تملكه من “أدوات شغل” غير قادرة على نيل أكثر من حاصل، نظراً إلى تشتّت الأصوات بين ثلاثة مرشّحين محسوبين مباشرة على التيار، والأهمّ بسبب عدم وجود شريك سنّيّ من أصحاب الحيثيّة إلى جانب التيار، بعدما وفّر التحالف مع عبد الرحمن البزري و”الجماعة الإسلامية” عام 2018 فوز التيار بمقعد ماروني وآخر كاثوليكي على حسابهما. وهي ستعتمد على ما سيجيّره “حزب الله” من أصوات شيعية، وما هو شبه محسوم أنّ أحد المقعدين المارونيين سيذهب الى التيّار أي اما الى أسود أو أبو زيد! ويُضعف هذه اللائحة غياب الرافعة السنية التي كانت متوافرة لها من خلال “الجماعة” والبزري.

أما اللائحة الثانية “الاعتدال قوتنا” فتضم مرشحين للثنائي “حزب الله” وحركة “أمل” هم يوسف سكاف عن المقعد الكاثوليكي وابراهيم عازار عن المقعد الماروني ونبيل الزعتري عن المقعد السني، ومن المتوقع أن يفوز منها عازار.

ولا تقل اللائحة الثالثة “وحدتنا في صيدا وجزين” أهمية وقدرة على المنافسة وهي لائحة مدعومة من “القوات” وتضم: غادة أيوب عن المقعد الكاثوليكي ووسام الطويل وسعيد الأسمر عن المقعدين المارونيين ويوسف النقيب عن المقعد السني. وهناك احتمال كبير أن يحقق النقيب خرقاً في المقعد السني في صيدا، وإذا تركز الصوت التفضيلي للتيار على المقعدين المارونيين، فسيضعف حظوظ مرشحه سليم خوري عن المقعد الكاثوليكي لمصلحة المرشحة أيوب.

لن تنتهي المواجهات بين الحزب و”القوات” عند الاستحقاق الانتخابي، بل ستمتد إلى ما بعدها، في ظل كلام يردده مسؤولو الحزب وآخرهم رئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين بأن “أي نتيجة للانتخابات لن تنفعهم في مواجهة حزب الله”، ولعل هذا الكلام خطير جداً، وسيجرّ لبنان إلى ويلات بعد الانتخابات إذ يُفهم منه أن “الحزب” ينوي القفز فوق نتائج الانتخابات من خلال استعمال سلاحه وفائض القوة، إذا لم يستطع المحافظة على الأكثرية النيابية.

أمام هذا الواقع ندعو إلى الله أن يحفظ لبنان وشعبه، وتمر الانتخابات النيابية على خير، وتبقى الأمور في إطار المنافسة السياسية فقط!

شارك المقال