حرب بوتين الصامتة على الجبهة الأفريقية

حسناء بو حرفوش

بينما يشن فلاديمير بوتين حربه في أوكرانيا، يغيب عن العالم التركيز على حرب أخرى يقودها الرئيس الروسي منذ فترة طويلة وبشكل هادئ للغاية لكسب قلوب الزعماء الأفارقة الأقوياء، حسب قراءة للمحلل الأفريقي فرانسيس كاروغو. وعلى مدى العقد الماضي، انصب تركيز العالم على “داعش” في العراق وسوريا و”طالبان” في أفغانستان، أكثر بكثير مما التفت الى ما يحصل في أفريقيا. وبالنتيجة، عززت روسيا بشكل خفي علاقاتها مع العديد من الدول الأفريقية خلال هذه الفترة، بما في ذلك توغو وغينيا والغابون وأوغندا وجمهورية أفريقيا الوسطى.

وحسب التحليل، “تستخدم روسيا بوتين الشركات العسكرية الخاصة لدعم الأنظمة الأفريقية الديكتاتورية في السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى. وبالنظر إلى العلاقات مع أي ديكتاتور في أفريقيا، يمكن أن نجد تحالفات غير مقدسة مع فلاديمير بوتين. كما استضاف بوتين قمة روسية – أفريقية أولية في منتجع سوتشي المطل على البحر الأسود في العام 2019. وناقشت جميع الدول الأفريقية زيادة مبيعات الحبوب الروسية وغيرها من المواد الغذائية إلى أفريقيا، إلى جانب الأسلحة.

إضافة إلى ذلك، تشكل الأسلحة حوالي 40٪ من الصادرات الروسية إلى أفريقيا. وقدر متحدث باسم الكرملين قيمة الصادرات الغذائية الروسية إلى أفريقيا بنحو 25 مليار دولار والأسلحة بـ 15 مليار دولار. وهذا يمثل فقط 10٪ من الصادرات الروسية في ذلك العام. وخلال القمة، دارت مناقشات حول السماح بمزيد من الصفقات الروسية لتعدين المعادن واستخراج النفط في أفريقيا. وما الذي يعنيه ذلك سوى المزيد من الأموال لروسيا للقمح والأسلحة؟

ويحب الطغاة الأفارقة أسلوب بوتين في إخماد المعارضة في الداخل واستخدام القوة العسكرية للبقاء في السلطة. لنتأمل في هذا السياق روبرت موغابي، الرجل القوي الذي حكم زيمبابوي لمدة 47 عاماً. لقد سافر هذا الأخير إلى موسكو في العام 2015 ظاهرياً لمناقشة هزيمة ألمانيا النازية قبل 70 عاماً، لكن لم يمض وقت طويل بعد أن فرض الغرب عقوبات اقتصادية على روسيا لغزوها شبه جزيرة القرم الأوكرانية وهي أول عملية استيلاء غير مشروعة على أراض من دولة ذات سيادة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وكانت مقدمة لغزو عام 2022 لبقية أوكرانيا. ويتفق موغابي مع بوتين على أن العقوبات الاقتصادية جيدة، مثل الميداليات الشجاعة أو حتى الندوب من ساحة المعركة.

وفي العقد الماضي، اكتشف النفط في أوغندا، والذي يمكن أن يحول اقتصادها إذا بدأت صادرات النفط كما هو متوقع في العام 2024 أو 2025. شجعت عائدات الذهب الأسود موسيفيني، الذي شدد قبضته الاستبدادية على السلطة. ويحمل موسيفيني القطاع الدفاعي ضمن الأولويات، تماماً مثل بوتين في روسيا، ويستخدم أموال النفط لشراء أسلحة ودفع رواتب الجنود لأنه يعمل للبقاء في السلطة مدى الحياة. كما يدير قوات الدفاع الشعبية الأوغندية كمشروعه الشخصي. وألهم تحول قوة موسيفيني من قوة حرب العصابات العسكرية إلى حزب سياسي حركات أخرى في شرق أفريقيا ومنطقة البحيرات الكبرى الأفريقية وغرب أفريقيا. وطبقت عشرات الميليشيات في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، النموذج الأوغندي لزعزعة السلام والاستيلاء على السلطة ومحاربة حركات العصابات الأخرى.

وأعلن موسيفيني وكاجامي وكابيلا في وقت سابق عن ميولهم الشيوعية الماركسية. وتلقى الثلاثة دعماً سرياً من الصين وروسيا عبر تنزانيا، حيث أقام جوليوس نيريري علاقات وثيقة مع كل من موسكو وبكين وعزّز السياسات الاقتصادية الشيوعية في المناطق. وفي الوقت نفسه، دفع البنك الدولي في واشنطن والدول الأوروبية، لتوسيع المشاريع الخاصة في أفريقيا. وفي الوقت نفسه، طورت الصين نموذجها الخاص برأسمالية الدولة، بينما استولى بوتين في العام 1998 على روسيا جنباً إلى جنب مع مجموعته من الأوليغارشية. وانتهى بهم الأمر بثروة السوفيات القديم الذي كان، من الناحية النظرية على الأقل، ملكاً للبروليتاريا، الشعب.

وفي ظل العلاقات الباردة بشكل متزايد مع الغرب، تعتمد أوغندا بشكل كبير على روسيا لتغذية جيشها الثقيل. وفي العام 2011، أنفقت ما يقرب من 1 مليار دولار على المعدات العسكرية الروسية، بما في ذلك ست طائرات مقاتلة. وخلال المراسم أثناء تسليم الطائرات الروسية، أعلن موسيفيني أن روسيا، على عكس الولايات المتحدة وأوروبا، لا تتدخل في سياسة أوغندا.

ويستخدم موسيفيني كتاب قواعد على غرار بوتين، لا يحتمل أي معارضة، ويطبقه بثلاث طرق:

– توطيد القوة العسكرية مع نفسه كقائد أعلى بينما يقود ابنه القوات البرية.

– إطلاق العنان لشرطته، التي يقودها ضباط عسكريون، ضد أنصار المعارضين.

– القضاء على المعارضة الداخلية داخل حزبه الحاكم.

ربما تكون هذه الطريقة الثالثة هي الأكثر أهمية لموسيفيني. ولم يبق اليوم سوى عدد قليل في المستويات العليا من الرفاق اذ يقضي موسيفيني عليهم سريعاً من خلال الاغتيالات والنفي والتقاعد القسري والخراب المالي.

وتماماً مثل بوتين، لوحظ نمط التمسك بالسلطة لدى موسيفيني. كما لوحظ هذا النمط المستوحى من بوتين مع رجال أفارقة أقوياء آخرين. وتتمتع شركة البترول الوطنية في الكونغو، وهي مؤسسة حكومية، بعلاقات عميقة مع شركة الأنابيب المعدنية الروسية، وكانت شركة النفط بمثابة مصدر ربح لعائلة ساسو نغيسو. واعترف نائب وزير الدفاع الروسي ألكسندر فومين في العام 2018 بأن الكونغو تمتلك الكثير من المعدات العسكرية والخاصة الروسية الصنع التي تعود إلى الحقبة السوفياتية. يعني تحالف بوتين ونغيسو معدات عسكرية وشرطية روسية أحدث للديكتاتور الكونغولي. كما يقوم المتخصصون الروس بتدريب الجيش والشرطة والحرس الرئاسي في الكونغو. وعلى الرغم من فظاعة غزو أوكرانيا، إلا أنه جزء من نمط يسعى بوتين من خلاله الى دعم لإنشاء نظام عالمي جديد يديره غير الخاضعين للمساءلة”.

شارك المقال