قانون الانتخاب… “نسبية” العدالة و”الأكثرية” الطائفية

هيام طوق
هيام طوق

تكتسب المعركة الانتخابية لعام 2022 نكهة خاصة لأنها تأتي في ظل أسوأ أزمة اجتماعية واقتصادية شهدها البلد، كما أنها ستكون أول انتخابات بعد “انتفاضة 17 تشرين” وبروز قوى سياسية جديدة كان يعوّل عليها كثيراً في إحداث التغيير بعد الاستياء الشعبي الكبير من المنظومة الحاكمة.

وبغض النظر عن نتائج المعركة الانتخابية المقبلة في 15 أيار، لا بد من الاضاءة على القانون الانتخابي الذي يلعب دوراً أساساً في الاستحقاق الديموقراطي بأن تأتي النتائج عادلة أو غير عادلة، مع العلم أنه عُمل بقانون الانتخاب في لبنان على أساس مبدأ “الأكثرية” منذ سنة 1943 مع تعديل دائم في الدوائر الانتخابية بحيث اعتبرت هذه القوانين غير عادلة في الكثير من الدورات الانتخابية، وأنها فُصّلت على قياس الطبقة الحاكمة ووفق الظروف على مرّ السنوات ما كرّس خللاً تمثيلياً.

وفي 16 حزيران 2017، أقرّ مجلس النواب قانوناً جديداً للانتخابات التشريعية بعد اجتماعات مكثفة للجنة الوزارية المكلفة صياغة القانون، وحدّد موعداً لاجراء الانتخابات في أيار 2018 على أساس القانون الجديد المعتمد في انتخابات 2022، وعرف بـ “نظام الاقتراع النسبي” الذي يقسم لبنان الى 15 دائرة انتخابية كبرى مقسمة بدورها إلى دوائر صغرى. وخصص لكل دائرة عدداً من المقاعد أقلها 5 مقاعد وأكبرها 13 مقعداً. وحدد السن اللازمة لممارسة حق الاقتراع كما ورد في الدستور في المادة 21 منه “لكل وطني لبناني بلغ من العمر إحدى وعشرين سنة كاملة الحق في أن يكون ناخباً، على أن تتوفر فيه الشروط المطلوبة بمقتضى قانون الانتخاب”.

ويعتمد القانون على الصوت التفضيلي بحيث يكون للمقترع الحق بصوت تفضيلي لمرشح في اللائحة المختارة يكون حصراً من دائرته الصغرى. وحدد عدد المقاعد العائدة لكل لائحة انطلاقاً من الحاصل الانتخابي الذي يتم تحديده وفق آلية حسابية: يصار الى قسمة عدد المقترعين في كل دائرة انتخابية كبرى على عدد المقاعد فيها. ويتم إخراج اللوائح التي لم تنل الحاصل الانتخابي من احتساب المقاعد ويعاد مجدداً تحديد الحاصل الانتخابي بعد حسم الأصوات التي نالتها هذه اللوائح. وتمنح المقاعد المتبقية للوائح المؤهلة التي نالت الكسر الأكبر من الاصوات المتبقية من القسمة الأولى بالتراتبية على أن تتكرر هذه العملية بالطريقة عينها حتى توزيع المقاعد المتبقية كافة .وفي حال بقاء مقعد واحد وتعادل الكسر الأكبر بين لائحتين مؤهلتين، يُصار الى منح المقعد للائحة التي كانت قد حصلت على العدد الأكبر من المقاعد.

وأنشأ قانون الانتخاب هيئة دائمة تسمى “هيئة الإشراف على الانتخابات” تمارس الإشراف على الانتخابات بصورة مستقلة، وبالتنسيق مع وزير الداخلية والبلديات، وتتألف من: قاضٍ عدلي، قاضٍ إداري، قاضٍ مالي، نقيب سابق للمحامين، ممثل عن نقابة الصحافة، خبير في شؤون الإعلام والإعلان، نقيب سابق لنقابة خبراء المحاسبة المجازين، عضوان من أصحاب الخبرة الواسعة في اختصاصات مرتبطة بالانتخابات وممثل عن هيئات المجتمع المدني.

وبموجب القانون النافذ حكماً 8/2021، عُدِّلت المادة 45 من قانون الانتخاب بحيث أصبح رسم الترشيح محدداً بثلاثين مليون ليرة لبنانية بدلاً من ثمانية ملايين ليرة. ولا يعترف هذا القانون بالمرشح المنفرد، فعلى الرغم من أنه يلزم المرشح بأن يودع الوزارة تصريح ترشيحه مرفقاً بكامل المستندات المطلوبة، يجب على المرشحين أن ينتظموا في لوائح قبل أربعين يوماً كحدٍ أقصى من موعد الانتخابات، على أن تضم كل لائحة كحدٍ أدنى 40% من عدد المقاعد في الدائرة الانتخابية، بما لا يقل عن 3 مقاعد، وعلى أن تتضمن مقعداً واحداً على الأقل من كل دائرة صغرى في الدوائر المؤلفة من أكثر من دائرة صغرى. وعليهم أن ينضووا في لوائح وأن يقوموا بتسجيل هذه اللائحة لدى الوزارة، وذلك في مهلة أقصاها أربعون يوماً قبل الموعد المحدد للانتخابات. وتعلن الوزارة أسماء اللوائح المقبول تسجيلها وأسماء اعضائها، وتبلغها إلى المحافظين والقائمقامين وهيئة الإشراف على الانتخابات وتنشرها حيث يلزم.

والقانون لا يتضمن حق العسكريين بالاقتراع ولا خفض سن الاقتراع الى 18 سنة بعد ان أسقطت المطالبة به على غرار معظم الدول كما لم يلحظ كوتا نسائية.

وعلى الرغم من أنّ القانون يتضمّن بعض الإصلاحات إلا أنّه يحتوي على الكثير من المواد التي من شأنها أن تقوّض النظام النسبي الذي اعتبر كثيرون أنه في الظاهر يهدف الى تحقيق التمثيل العادل لكنه يحاكي قوانين النظام الأكثري لا بل أسوأ منها. 

القانون يكرّس أكثر فأكثر الخطاب الطائفي

وفي هذا الاطار، قال رئيس مركز “ليبرتي للدراسات القانونية والدستورية” محمد زكور: “تفاءل اللبنانيون خيراً عند صدور القانون وإقراره سنة 2018 كونه يعتمد على نظام النسبية الذي تعتمده غالبية دول العالم الديموقراطية الا أننا كعادتنا لا بد من أن نقدم نموذجاً مشوّهاً عن كل ما له علاقة بالحياة السياسية والدستورية. صحيح أن القانون اعتمد على نظام النسبية وتعدد اللوائح الا أنه وضع اللمسة الطائفية بما يسمى بدعة الصوت التفضيلي الذي يجعل كل مرشح يُنتخب بطريقة غير مباشرة من طائفته، وذلك لأن المقترع عندما يعطي صوته التفضيلي، لا شعورياً، يتجه الى مرشح طائفته. هذا الأمر يشجع المرشحين على اعتماد الخطاب الطائفي لأنهم يدركون أن الصوت التفضيلي سيأخذونه على أساس طائفي. وهذا ما يجعلهم يهملون الخطاب الوطني ومطالب المناطق الأخرى التي تكون مجاورة لدائرتهم الجغرافية أو لفئات من الشعب قد تكون موجودة في دائرتهم الانتخابية. هذا القانون يكرّس أكثر فأكثر الخطاب الطائفي”.

أضاف: “من جهة أخرى، فإن تقسيم لبنان الى دوائر متعددة لا ينسجم مع نظام النسبية الذي يفترض الدوائر الكبرى جداً أو لبنان دائرة واحدة. أما أن تكون النسبية داخل المناطق الصغيرة مع الصوت التفضيلي، فإنها تكرّس الطائفية حيث يجد المرشح نفسه مضطراً الى التوجه الى أهل منطقته التي يكون غالباً معظمها من لون واحد”.

وأشار الى أن “القانون نص على أن يكون المجلس النيابي في انتخابات 2022 مؤلفاً من 134 نائباً أي بزيادة 6 مقاعد للقارات الست، وهذا لم يحصل”، موضحاً أن “المقترع في القانون الحالي لا يستطيع أن ينتخب لائحة معينة ويعدل عليها بل ملزم بكل أسماء اللائحة، ولا مجال لما يعرف بالتشطيب في النظام الأكثري لأن القانون الحالي هو قانون لوائح أي أن الناخب يجب أن ينتخب اللائحة ثم يعطي صوته التفضيلي لعضو فيها”.

وشدد على أن “القانون وُضع لصالح الأحزاب والشخصيات السياسية، ولا بد من أن يقترن مع الدائرة الكبرى أي لبنان دائرة واحدة، وإن كان ذلك مستحيلاً، فلمَ لا يكون على أساس المحافظات الست؟. هكذا لا يستخدم المرشح الخطاب المناطقي والطائفي ويحرّك العصبيات في دائرته الصغرى”.

وسأل زكور: “هل وضع القانون توسلاً للديموقراطية وللشفافية ولجعل ارادة الناخب تمثل الانعكاس الحقيقي أو أنه وضع لسبب وحيد، وفصّل تفصيلاً على قياس القوى التي صاغته كي تضمن وصولها الى البرلمان؟”، داعياً الى “التصويت بكثافة لأن السلطة لها مصلحة في أن تكون نسبة التصويت متدنية، والخطر الحقيقي عليها هو أن تلجأ الطبقة الصامتة الى التصويت بكثافة على أمل الوصول الى برلمان يقر قانون انتخاب عصرياً”.

القانون غير عادل ولا يجسد التمثيل الصحيح

من جهته، اعتبر المرشح عن مقعد البترون ضمن تحالف “شمالنا” ربيع الشاعر أن “القانون غير عادل ومفصّل على قياس الطبقة السياسية، ولا يجسد تمثيلاً صحيحاً لقوى التغيير، ولكن على الرغم من ذلك تستطيع هذه القوى الخرق”. وقال: “أنا ضد هذا القانون الذي فيه الكثير من الثغرات التي لا يقبلها العقل والمنطق، لكن علينا خوض المعركة بالأدوات الموجودة”.

وتحدث عن ثغرات كثيرة في القانون “الذي قسّم الدوائر بشكل غير عادل، اذ هناك دوائر كبيرة وأخرى صغيرة، وبالتالي، لم يعتمد وحدة معايير في مختلف الدوائر. وصحيح أنه اعتمد النسبية، لكن الحاصل الانتخابي مرتفع بحيث يحتاج المرشح الى 20 في المئة من الأصوات ليفوز في بعض الدوائر، وهذا لا يجوز بل يجب خفض نسبة الحاصل”.

وتابع: “التوزيع الطائفي والمناطقي في القانون يؤدي الى فوز مرشح بـ 70 صوتاً في حين لا يفوز مرشح آخر معه حصل على 15 ألف صوت إضافة الى ثغرة الصوت التفضيلي في القضاء، وهيئة الاشراف التي يجب أن تكون مستقلة للاشراف على الانفاق والظهور الاعلامي كما أن رسم الترشح بلغ 30 مليون ليرة، وهذا رقم مرتفع ويحرم كثيرين من الترشح، في حين أن الغرامات على كل من يخالف القانون متدنية من دون أن ننسى الانفاق الانتخابي وعدم المساواة في الظهور الاعلامي المتكافئ فضلاً عن التخوف من التلاعب خلال نقل صناديق المغتربين”.

شارك المقال