هل العقوبات ضد روسيا مجدية؟

حسناء بو حرفوش

في الوقت الذي تعمل فيه موسكو على التخفيف من حدة العقوبات التي فرضها الغرب عليها، تفكك العقوبات غير المسبوقة في أعقاب الغزو الشامل لأوكرانيا، الاقتصاد الروسي. وقد أدت سرعة فرض العقوبات وحدتها الى انهيار الروبل وأجبرت البورصة الروسية على الإغلاق ودفعت الروس الى الاصطفاف عند ماكينات الصرف الآلي لسحب المال من حساباتهم المصرفية. في البداية شهد الاقتصاد الروسي حالة سقوط حر، لكن هل الحال كذلك بعد الصدمة الأولية؟ الإجابة في قراءة لجين كيربي.

“استجاب البنك المركزي الروسي للعقوبات من خلال رفع أسعار الفائدة بشكل كبير إلى 20% وفرض قيود صارمة على رأس المال. وساعدت هذه التدخلات، إلى جانب قدرة روسيا المستمرة على بيع نفطها وغازها في الخارج، في خلق حاجز ضد الفوضى الاقتصادية بعد صدمة العقوبات الأولية. واستمدت هذه الإجراءات من دليل الأزمة الاقتصادية في البلاد، فأتت النتيجة باستقرار الروبل. ثم أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في نيسان ما اعتبره “فشل استراتيجية الغارة الاقتصادية”، لكن هذا على الأقل ما تود روسيا المطالبة به.

ماذا عن الواقع؟ تخفي الجهود التي تبذلها روسيا لدعم عملتها الاضطرابات الاقتصادية العميقة والتحولات التي تتسبب بها العقوبات داخل روسيا في الوقت الحالي. إذ أن عقوبات الغرب تعزل روسيا وتقطعها عن الواردات الرئيسة التي تحتاجها للسلع التجارية والصناعات التحويلية الخاصة بها ليستمر اقتصادها. وهذا يعني واردات عالية التقنية مثل الرقائق الإلكترونية الدقيقة لتطوير أسلحة متطورة، كما يعني أن روسيا تعيش حالياً “شعوراً زائفاً بالاستقرار” كما تقول ماريا شاجينا من المعهد الفنلندي للشؤون الدولية.

ركود وانكماش؟

وتواجه روسيا ركوداً عميقاً، مع توقع وصول التضخم إلى 23% هذا العام، وتنظر في التخلف عن سداد الديون الذي يلوح في الأفق. كل هذا سيعني مشقة للروس العاديين، الذين يشهدون بالفعل انخفاضاً في دخلهم الحقيقي. كما حاول بعض عشرات الآلاف الفرار، لا سيما أولئك العاملين في مجال التكنولوجيا، مما أدى إلى “هجرة أدمغة” محتملة. ولفت خبراء إلى أن روسيا ستتوقف عن نشر الكثير من البيانات الاقتصادية، وهو أسلوب استخدمته من قبل لإخفاء آثار العقوبات.

وحسب الخبير في الاقتصاد السياسي ياكوف فيجين، ستدفع العقوبات روسيا لعقود وعقود إلى الوراء، لأن الاجراءات المتخذة لن تساعد على المدى الطويل. وتواصل الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون تكديس وتشديد المزيد من العقوبات في محاولة لتصعيد الضغط على موسكو. واقترح الاتحاد الأوروبي التخلص التدريجي من منتجات النفط الروسية كما يمكن للولايات المتحدة اتخاذ خطوات إضافية، مثل التهديد بفرض عقوبات ثانوية تلاحق دولاً مثل الصين أو الهند، لردعها عن شراء الطاقة الروسية الرخيصة.

وحتى بغياب المزيد من التصعيد، يعتبر نظام العقوبات ضد روسيا أحد أكثر أنظمة العقوبات عدوانية في التاريخ، وسواء كانت العقوبات “فاعلة” أم لا، فإن ذلك يعتمد على ما تهدف إلى تحقيقه. هناك أمر واحد واضح: بمرور الوقت، من المرجح أن تصعب هذه العقوبات على روسيا إعادة تأمين دباباتها وتصنيع صواريخ كروز وتمويل الحرب. كما أنها ستزيد من صعوبة إنتاج الطعام وصنع السيارات. وقد لا يمنع ذلك روسيا من مواصلة حملتها ضد أوكرانيا، وكل ذلك مع عواقب لا يمكن التنبؤ بها لبقية العالم.

ولروسيا تجربة سابقة مع العقوبات. فبعد أن فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات في العام 2014 بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم وغزو دونباس، اتخذت الحكومة الروسية إجراءات مثل تأمين حوالي 640 مليار دولار من الذهب والاحتياطيات الأجنبية. ومع ذلك، هزت شدة العقوبات الأخيرة على أوكرانيا اقتصاد روسيا “المحصّن”. واستهدفت إجراءات الغرب خطة الدعم الروسية بشكل مباشر، مثلاً من خلال العقوبات المفروضة على البنك المركزي الروسي، على سبيل المثال، لمنع روسيا من الوصول إلى حوالي نصف الاحتياطيات الأجنبية.

وانتهجت روسيا وفقاً للخبراء سياسات دفاعية نموذجية للاحتفاظ برأس المال واستقرار العملة وتجنب حدوث أزمة مالية. فسعى البنك المركزي الروسي مثلاً الى خلق طلب على الروبل من خلال سلسلة من الإجراءات، وشمل ذلك رفع أسعار الفائدة وهو حافز للروس لتوفير أموالهم. كما نفذ سلسلة من ضوابط رأس المال التي استهدفت الشركات والأفراد الروس وحدَ من مقدار الأموال التي يمكن للروس تحويلها إلى الخارج أو إزالتها من حسابات بنكية أجنبية، كما طالب بوتين “الدول غير الصديقة” بدفع ثمن الغاز الطبيعي بالروبل.

لكن لا يستطيع محافظو البنوك المركزية الروسية ولا قطاع الطاقة إنقاذ الاقتصاد الروسي بالكامل على المدى الطويل، فالإجراءات الغربية مؤلمة، مما يزيد من صعوبة تحملها. وصحيح أن روسيا تريد من الجميع الدفع بالروبل، لكن ليس هناك الكثير مما يمكنها فعله بعملتها وكل هذا يعني أن الاقتصاد الروسي سيصبح أكثر عزلة بمرور الوقت. إذن، هل تنجح العقوبات ضد روسيا؟ هذا يعتمد على الهدف. قد تكتشف روسيا وسائل مثل إيران أو كوريا الشمالية، وستجد حلولاً حيثما أمكنها ذلك، لكن قد تتآكل مستويات المعيشة إلى مستويات لم نشهدها منذ عقود، والأشياء التي يشتريها الروس قد تكون سيئة الصنع ويصعب الحصول عليها. لن يحدث هذا على الأرجح في المستقبل القريب، الا أن هذا هو المسار الذي تسلكه روسيا. لكن يبقى السؤال: ما الذي يريد الغرب بالفعل تحقيقه؟

في أعقاب الغزو، تم تأطير الهدف على أنه معاقبة روسيا ودعم شعب أوكرانيا. ولكن مع استمرار الحرب واستمرار العقوبات، قد ينقسم التحالف الغربي، خصوصاً إذا تصاعدت التكاليف الاقتصادية خارج حدود روسيا، بحيث ستتعرض البلدان الفقيرة لصدمة هذه العقوبات الاقتصادية، من دون أن يكون لها رأي كبير على الإطلاق في ما إذا كانت ستدعم هذه السياسات أم لا. مثلاً، يحتاج المزارعون في البرازيل إلى الأسمدة من روسيا، كما أن البلدان التي تعتمد على صادرات الأسلحة الروسية لن تجد فجأة قطع غيار أو معدات لنفسها أيضاً. بالتالي، يجزم الخبراء بأن الولايات المتحدة وحلفاؤها يحتاجون أيضاً الى تخفيف المعاناة عن هذه البلدان، ولا شك في أن العقوبات المفروضة على روسيا تقوّض اقتصادها، لكن هذا الضغط الاقتصادي الشديد سيترك عواقب تتجاوز روسيا. العقوبات شكل من أشكال الحرب الاقتصادية، لكنها مع ذلك تشبه إلى حد كبير إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي”.

شارك المقال