اللبنانيون في ألمانيا… عالة على الدولة أو مشاركة في القرار؟

محمد شمس الدين

انتهت المرحلة الثانية من اقتراع المغتربين صباح أمس بتوقيت بيروت، تبعاً لاختلاف التوقيت مع بعض الدول، ووصلت نسبة الاقتراع الإجمالية إلى 60% تقريباً، وهو رقم اعتبره البعض كبيراً فيما رأى البعض الآخر أنه متدن، لأن المغتربين لا تدرج أسماؤهم تلقائياً في لوائح الشطب، بل جهدوا من أجل التسجيل للاقتراع. وربط مطلعون على أجواء الانتخابات النسبة المتدنية إما بسبب مقاطعة جمهور “المستقبل” للانتخابات، أو بسبب المسافات البعيدة في بعض الدول. ولكن بعيداً من كل ذلك كان لافتاً الخطاب العام خلال اقتراع المغتربين، فقد هوجم الكثيرون لأنهم اقترعوا للأحزاب التقليدية، ووصفوا بأبشع الأوصاف، وسط الدعوات للعودة إلى لبنان للعيش في كنف الدولة التي هجرتهم.

على الأقل هذا ما كان سائداً لدى المجموعات التي تصنّف نفسها “ثورة”، من دون أن تعرف حقيقة نتائج الاقتراع، وكأن الهجرة من لبنان حصلت بسبب الأحزاب فقط، أو هرباً من الدولة! ولكن إذا نظرنا إلى الهجرة في بعض أكبر الدول وأقواها في العالم، فهل يكون السبب أحزابها أو سياسة الدولة؟ هل ما يقارب الـ 4 ملايين كندي خارج كندا هربوا من فساد السلطة في بلادهم؟ أو هل المليون أسترالي الذين يعيشون خارج أستراليا فروا من بلدهم بسبب تفرد الأحزاب الأسترالية بالسلطة؟ ماذا عن الـ 300 ألف بريطاني الذين يهاجرون سنوياً من المملكة المتحدة؟ لماذا يعيش 3.5 ملايين فرنسي خارج فرنسا، هل بطشت بهم الدولة الفرنسية؟ وماذا عن قرابة 8.7 ملايين مواطن أميركي يعيشون خارج “أقوى” دولة في العالم، هل تهجر كل هؤلاء بسبب الحزب الجمهوري أو الديموقراطي؟ طبعاً لا فالهجرة أمر طبيعي في كل بلدان العالم، وتختلف أسبابها بين بلد وآخر، وليس بالضرورة أن تكون الهجرة بسبب السياسيين، فمثلاً في فرنسا تهاجر الأدمغة إلى دول أخرى مثل أميركا، حيث يمكنها أن تحقق فيها ثروات ضخمة بسبب اختراعاتها، وهذا الأمر ليس متوافراً كثيراً في فرنسا، ولا يعني أن سياسة الأحزاب الفرنسية هي السبب.

ربما كان المشهد اللافت الأكبر هو في ألمانيا، حيث كان واضحاً طغيان حركة “أمل” على المرحلة الانتخابية فيها، الأمر الذي أزعج دعاة الثورة، واتهموا المغتربين اللبنانيين في ألمانيا بأنهم لاجئون يعيشون على حساب الدولة الألمانية، فهل هذا هو الواقع؟

مصدر خاص يعمل مع الدولة الألمانية قال لـ “لبنان الكبير” لدى سؤاله عن عدد اللبنانيين الذين يعيشون على حساب الدولة: “الدولة الألمانية لا تقوم بإحصاءات بناء على جنسية من يتلقى المساعدات، وذلك كي لا يحصل أي نوع من التمييز والعنصرية، بل تسعى الى تحسين وضع اللاجئ ودمجه بالمجتمع الألماني لا أن يبقى لاجئاً مدى الحياة يحتاج إلى رعاية الدولة، واليوم المعاش الشهري من مؤسسات الرعاية الاجتماعية في ألمانيا لا يتخطى الـ 400 يورو، وهو مبلغ صغير جداً، لا يمكن أن يؤمن حياة كريمة. أما عن اللبنانيين، فيمكن القول إن الرعيل المهاجر الأول إلى ألمانيا عاش لفترة على مساعدات الدولة، ولكنه لم يبق كذلك، بل حسّن وضعه، وطوّر نفسه، وأصبح بامكانه إعالة نفسه بنفسه، بل ان الجيل الجديد لا يقبل أن يعيش على حساب الدولة، وهو في غالبيته، من المتعلمين وخريجي الجامعات والاختصاصات وأصحاب المصالح، وجزء كبير منهم يملك الجنسية الألمانية، إضافة إلى جنسيته اللبنانية، كما أنهم مواطنون ألمان أيضاً، ويشاركون في القرار الألماني، مثل العديد من الجنسيات المختلفة التي هاجرت ولجأت إلى ألمانيا”.

من جهتها، أبدت مصادر اغترابية في ألمانيا انزعاجها من ردة الفعل عند بعض اللبنانيين على المشهد الانتخابي في برلين، وقالت لـ”لبنان الكبير”: “أولئك الذين يحملون لواء الثورة يبدو أنهم أسوأ من الأحزاب الطائفية في لبنان، التي تصنّف الناس بناء على انتمائهم السياسي، بل تحكم على ثقافتهم وعلمهم أيضاً. اللبنانيون في ألمانيا ليسوا عالة على الدولة، بل هم مشاركون في القرار فيها، وهم متنوعو الانتماءات السياسية، وهناك ألفة وتعاون بينهم، حتى لو كانوا مختلفين سياسياً، ومن المعيب أن يأتي من يصنفهم ويؤطرهم، لأنهم لم يختاروا كما يريدون سياسياً. هل هذه هي حرية الرأي والتعبير التي يحاضر بها الثوار الجدد؟ وأي تغيير يمكن أن نتوقع ممن يصنف الناس ويعاديهم بهذه الطريقة؟”.

أضافت المصادر: “هناك كذبة يحلو لحاملي لواء الثورة تسويقها، وهي أن كل المهاجرين هاجروا بسبب الأحزاب السياسية، وهذا أمر غير صحيح، على الأقل في ألمانيا، فالأرقام الكبيرة للهجرة هنا حصلت خلال الحرب الأهلية والاحتلال الاسرائيلي، وهدفهم من الهجرة ليس الهرب من لبنان بقدر ما كان تحسين وضعهم وتقديم المساعدة لأهلهم وناسهم من الخارج، وهم في غالبيتهم يزورون لبنان سنوياً تقريباً، ويعرفون خفايا السياسة فيه، بل أن ألمانيا لا تمنع العمل السياسي للمقيمين فيها من أصل غير ألماني، بل تشجع على ذلك، واللبنانيون في ألمانيا هم أصحاب اختصاصات ومثقفون، ومن يصفهم بالجهل هو الجاهل بأوضاعهم وحياتهم. للأسف هذه هي الثفاقة اللبنانية، كل من ليس معنا هو إما ضدنا أو جاهل”.

النزعة اللبنانية التقليدية لا تزال تطغى على الفكر عند الشعب اللبناني، أنت لست معي يعني أنت عدوي، أو أنك جاهل مسكين، أو مستفيد ممن تؤيده، لا يمكن أن يكون هناك مؤيد للخصم عن قناعة بعقيدة ما أو بنهج معين، هذا أمر لا يستطيع استيعابه العقل اللبناني. تراكمات من الستريوتيبية لا تزال تحكم تفكير اللبنانيين، حتى أولئك الذين يحملون شعارات الثورة والتغيير، يحكمون على أخوتهم المواطنين بناء على خياراتهم السياسية فقط، من دون أن يعرفوا أوضاعهم وهواجسهم وتفكيرهم. فمثلاً ألمانيا، عندما هاجر إليها عدد كبير من أبناء الطائفة الشيعة إبان الحروب، كانوا منتمين سياسياً، وعندما وصلوا إليها اعتبروا أنفسهم مسؤولين عن أي لبناني يهاجر إليها، ونظموا أنفسهم وأصبحوا يتواصلون مع اللبنانيين فيها، ويساعدونهم قدر الإمكان، وربما لهذا السبب كان ذلك المشهد فيها، والأمر نفسه في دول أخرى حيث الجالية اللبنانية تكاد تحكمها، بسبب قوة تنظيمها فيها، خاصة في الدول الأفريقية، لذلك، الخطاب التصنيفي الانعزالي لن يساعد حاملي لواء الثورة بل سيدفع هؤلاء الناس إلى اختيار أحزابهم التقليدية، لأن البديل يظهر كأنه يعاديهم بدلاً من أن يستقطبهم.

شارك المقال