الترسيم في البازار الانتخابي… إثبات الحق أو تمييعه؟

هيام طوق
هيام طوق

في وقت ينغمس لبنان واللبنانيون في الاستحقاق الانتخابي يوم الأحد في 15 أيار الجاري حيث لا صوت يعلو على صوت الماكينات الانتخابية، بات يُسمع هدير سفينة الانتاج FPSO التي تشق طريقها عبر البحار نحو اسرائيل للبدء بشفط النفط والغاز من حقل كاريش الذي أعلنه لبنان رسمياً حقلاً متنازعاً عليه بموجب رسالته إلى الأمم المتحدة التي بُعثت إليها بناء على توجيهات الحكومة اللبنانية بتاريخ 2022/1/28.

وإذا كانت المفاوضات توقفت منذ أشهر بين الجانب اللبناني والوسيط الأميركي أموس هوكشتاين لأسباب تبقى غامضة على الرغم من تشعب التحليلات التي ترتبط في جزء منها بالجانب اللبناني وصولاً الى الجانب الاقليمي والمفاوضات في فيينا، لفت التصعيد في المواقف في هذا الاطار، اذ أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري، استعداد لبنان الرسمي للعودة إلى مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل انطلاقاً من “اتفاق الإطار” الذي توصل إليه مع الأميركيين منذ أكثر من سنة “والذي يبقى الآلية الصالحة لإنجاز الترسيم الذي يمنح لبنان الحق باستثمار كامل ثرواته في البحر من دون تنازل أو تفريط أو تطبيع أو مقايضة. تحت هذا السقف، لبنان الرسمي مستعد لاستئناف المفاوضات في أي لحظة، والكرة في ملعب الأطراف الراعية للتفاوض غير المباشر ولكن ليس إلى العمر كله ولمدة أقصاها شهر واحد يصار بعدها الى البدء بالحفر في البلوكات الملزمة أصلاً من دون تردد وإلا تلزم شركات أخرى”. في حين تولى الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله مهمة التهديد بإطلاق مسيّرات جوية فوق السفينة التي أبحرت باتجاه المياه الإقليمية للتنقيب في حقل كاريش “لا لنقصفها بل لنعطيها إنذاراً”، متحدثاً عن عزم الحزب، على منع إسرائيل والشركات العاملة معها من استكمال أعمال التنقيب في المناطق المتنازع عليها مع لبنان.

ووسط معلومات غير مؤكدة تتحدث عن أن السفينة بدأت بعملية الشفط في حقل كاريش، واللبنانيون يتلهون بجنس الملائكة ويضيّعون المزيد من الوقت بدل الاسراع في الانتهاء من الملف، بحيث يعتبر بعض المعنيين أن لبنان تنازل عن حقه لصالح العدو الاسرائيلي، وأن من هم في السلطة عقدوا الصفقات لمصالحهم الشخصية إن كانت مادية أو سياسية أو قضائية. وفي المحصلة، لا زلنا ندور في حلقة التصريحات والمواقف الانتخابية الموسمية في وقت يخطط العدو الاسرائيلي لسحب حصة لبنان من الغاز، وهكذا عندما يتم التوافق بين اللبنانيين على ملف الترسيم بعد سنوات، يسحب لبنان جرة فارغة من البحر بدل أن يستفيد من ثروة تقدر بمليارات الدولارات من انتاج الغاز.

رأى رئيس “مركز الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث” العميد الركن هشام جابر في حديث لـ “لبنان الكبير” أن “هذه المواقف والتصريحات موسمية في زمن الانتخابات النيابية، وهي خاضعة للتبدل بعدها”، مشدداً على أن “السلطة السياسية في واد والحقيقة في واد آخر”.

وقال: “لدينا مشكلة في لبنان بحيث أن السلطة السياسية على الرغم من تناقضاتها، متفقة على أن تتخلى عن حقوق لبنان. أنا كلبناني أشعر أن السلطة السياسية الحاكمة حالياً متآمرة على لبنان وتريد التخلي عن ثروته النفطية”.

أضاف: “لبنان لديه ملف قوي ومتين ومدعم بالوثائق مقابل هزالة الملف الاسرائيلي، وهذا الكلام ليس من عندي انما جاء على لسان الموفد الأميركي في مجالسه الخاصة، لكن الفرق بين لبنان واسرائيل هو أن الأخيرة توحدت حول موقف واحد صلب وثابت في ملف الترسيم، في حين أن في لبنان خلافاً بين السياسيين والقيادة العسكرية التي كانت مكلفة متابعة الملف”. واعتبر أن “الجيش قام بعمل ممتاز وعلى أفضل وجه، لكن السلطة السياسية أرادت التخلي عن حقوق لبنان بحيث أن كل جهة لديها أسبابها الخاصة لترضي الولايات المتحدة وتسير وفق المقترحات الأميركية. بعض الجهات لديه مصالح سياسية وأخرى مادية وبعضها قضائية. الأمور باتت واضحة”.

وتحدث عن العميد بسام ياسين “الذي وضع ملفاً متيناً جداً، وفاوض وكان موقفه مبنياً على أسس قوية، ولم يتنازل عن حق لبنان، لكن في النتيجة تم تمييع الملف، وهذا مؤسف”، رافضاً التعليق على كلام الرئيس بري “فنحن محبطون من مواقف السلطة”.

وأشار الى أن “الاسرائيليين يتخوفون من أن يتسبب تنقيبهم عن النفط بصراع عسكري مع حزب الله في الجبهة الجنوبية، وهم لا يريدون فتح هكذا جبهة حالياً. لسنا ضد الموقف التحذيري من السيد نصر الله، ولكن في النتيجة ليس هذا هو الحل انما الحل يكمن في إثبات حق لبنان وأن يتوحد اللبنانيون حول الملف الذي أعده الجيش اللبناني”. وقال: “كفى السياسيين والسلطة الفاشلة أن يبيعوا ثروات لبنان ويفلسوه. كفى فساداً وكفى سرقة خيرات لبنان وبيع ممتلكاته”.

من جهته، أكد العميد جورج نادر أن “كل الكلام والتصريحات والمواقف التي نسمعها حالياً تهدف الى التعمية على الصفقات التي أبرمها محور الممانعة وحلفاؤه، ودفعوا ثمنها تنازلاً عن أراض لبنانية لصالح العدو، وهذا يسمى بالخيانة العظمى”، قائلاً: “حسب القانون الدولي لم يعد لدينا الحق في الاعتراض على التنقيب من الجانب الاسرائيلي بعد أن تنازلنا عن حدودنا البحرية، وعن 1430 كلم من المياه الاقليمية للعدو الاسرائيلي، وما يقدر بـ 40 مليار دولار من الغاز”.

وأوضح “أننا أسسنا جبهة الدفاع عن الخط 29 وسنرفع دعوى بحق كل من يظهره التحقيق في التنازل عن الأراضي اللبنانية لصالح العدو الاسرائيلي”.

في المقابل، وصف الكاتب الصحافي والمحلل السياسي حسن الدر كلام الرئيس بري بأنه “متقدم جداً وغير مسبوق في ملف ترسيم الحدود، وجاء في هذا التوقيت بسبب مماطلة الوسيط الأميركي وعدم نزاهته، وبسبب انسداد الأفق بخصوص خطة التعافي الاقتصادي، فلم يعد أمام لبنان خيارات سوى فرض الترسيم بقوة المقاومة بعد فشل المساعي الديبلوماسية”، مشيراً الى أن “خطاب الرئيس بري يمكن اعتباره بمثابة رسم لملامح المرحلة المقبلة بعد الانتخابات، عنوانها: نحن أقوياء ولدينا بدائل، ولن نسمح بالتمادي في إفقار اللبنانيين وتدمير الاقتصاد اللبناني بينما ننعم بثروة نفطية نستطيع من خلالها حلّ مشكلاتنا الاقتصادية والانطلاق في مرحلة جديدة أكثر ازدهاراً من السّابق”.

وتابع: “لاقى السيد نصر الله، الرئيس بري وتبنى كلامه، وأضاف أن المقاومة قادرة على منع العدو من التنقيب داخل المساحة المتنازع عليها، وهذه رسالة واضحة للعدو وللوسيط الأميركي، وهم يعرفون أن المقاومة اذا قالت فعلت، فالكرة الآن في ملعب الأميركيين والعدو الاسرائيلي”.

شارك المقال