“زعماء زواريب” بغياب الحريري… ومؤتمر تكميلي للطائف

رواند بو ضرغم

حصد حزب “القوات اللبنانية” المقاعد النيابية على حساب الرئيس فؤاد السنيورة، فأكل من طبقه والتهم منه الحاصل ولم يترك له شيئاً. فقدم السنيورة لـ “القوات” حاصلين اضافيين في صيدا وسقط مرشحه، وفي عكار أهداه حاصلاً على طبق من فضة، وفي زحلة حاصلاً آخر، بحيث قدم له الدعم من خلال ترشيحه شخصيات سنية على لوائحه، الا أنه لم يحصد شيئاً سوى عمله كرافعة لحواصل “القوات”.

هزيمة كبيرة مُني بها الرئيس السنيورة، فمن لم يستطع انتزاع مقعد سني واحد في بيروت أو غيرها، ثبت أنه لا يستطيع أن يشكل كتلة نيابية متواضعة، وحتى أنه أخفق في ايصال رئيس لائحته في بيروت الوزير السابق خالد قباني (المقدّر سنياً) وهو بعيد كل البعد عن الزعامة.

وبنظرة أولية على نتائج الانتخابات، فإن أكثر من 25 نائباً في المجلس الجديد محسوبون على الحراك والمستقلين، سيجلسون على مقاعد النيابة. هؤلاء النواب ما كانوا ليصلوا الى الندوة البرلمانية لولا تعليق الرئيس سعد الحريري وتياره العمل السياسي التقليدي إفساحاً في المجال أمام التغيير، بحيث أن غالبية هذه المقاعد انتُزعت من مناطق يشكل تيار “المستقبل” ثقلاً أساسياً فيها. وبذلك أثبت الرئيس الحريري قولاً وفعلاً أنه الوحيد الذي تجاوب مع الثورة باستقالته من رئاسة الحكومة، والوحيد الذي تجاوب مع الثوار بفتح طريق النيابة أمامهم.

لا قيادة سياسية سنية وازنة حالياً في لبنان، وحتى الرئيس نجيب ميقاتي، الذي كان يُعوّل عليه للبقاء في سدة الرئاسة الثالثة بتكليفه من جديد، ثبت عملياً أنه خاف من المواجهة في الانتخابات عبر تشكيل لائحة قوية متماسكة في وجه تحالف “القوات” – أشرف ريفي إما بسبب شح السيولة لتنظيم الماكينة الانتخابية، أو لعدم تعكير صفو علاقته بالمملكة العربية السعودية التي تدعم هذه اللائحة. وبذلك أعطى ميقاتي خدمة مجانية لـ “القوات” في طرابلس عبر اهدائه نائبين فيها.

أما من يطرح نفسه مؤهلاً لقيادة السنة في لبنان فاثنان: أشرف ريفي وفؤاد مخزومي، وهما في الواقع وفي أفضل الأحوال مؤهلان لأن يكون كل منهما “زعيم زاروب”، لا زعيماً على امتداد الوطن.

ويبقى الجمهور السني هو ميزان الزعامة، وقال عبر مقاطعته الانتخابات أو مشاركته فيها، إن الزعيم الوطني الأوحد عنده هو سعد الحريري، أكان حاضراً أم غائباً. فلا ميقاتي ولا السنيورة ولا ريفي ولا مخزومي ولا أي شخصية سنية استطاعت أن تسد فراغ غياب سعد الحريري ولن تقوى على محاصرة شعبيته.

وهكذا أثبتت الانتخابات أنه بغياب الحريري تخلو الساحة السنية من قيادة حقيقية، وتكون الطائفة السنية غير ممثلة في كتلة متماسكة ووازنة.

إنما حسنات هذه الانتخابات تمثلت في اختراق المجتمع المدني مقاعد النيابة بكتلة وازنة، وهذا النجاح يلقي على نوابه مسؤولية العمل بطريقة مختلفة عن أسلافهم، وإثبات أن طريقتهم مختلفة عن “كلن يعني كلن”. وفي هذه الانتخابات أيضاً، جرت تصفية رموز الحقبة السابقة المدعومة من “حزب الله” والسوريين، فسقط الحزب “السوري القومي الاجتماعي” وحزب “البعث”، كما سقط ايلي الفرزلي وفيصل كرامي وطلال أرسلان ووئام وهاب وغيرهم… وهذه النتيجة إن دلت على شيء فانما تدل على أن الجمهور اللبناني انتقل الى مرحلة جديدة من المواجهة مع “حزب الله” إما من داخل المجلس النيابي عبر المجتمع المدني و”الاشتراكي” و”القوات”، أو شعبياً عبر مواجهة متكتمة في الوسط الشيعي ظهرت من خلال أصوات شيعية صبّت لصالح مرشحين تغييريين معارضين، حتى ولو لم يصلوا الى الحاصل.

خلقت الانتخابات ديناميكية جديدة، وأظهرت أن اللبنانيين متعطشون للتغيير، ولم تُبقِ لـ”حزب الله” من حلفاء سوى “التيار الوطني الحر”. ولكن المؤسف أن البعض من الجمهور المسيحي لا يزال يصوّت للتيار الجهنمي على الرغم من أنه صاحب عهد الخراب، الذي يريد أن يستمر في المضي بنا الى الهلاك.

أما النتيجة السياسية فستظهر في أول جلسة للمجلس النيابي، بانقساماتها وتباعداتها وخصوماتها من أول استحقاق، بدءاً برئاسة مجلس النواب مروراً بتكليف رئيس حكومة جديد، وصولاً الى الاصلاحات وامتداداً نحو انتخابات رئاسة الجمهورية. فمجلس النواب سيكون متفرقاً وغير منتج، بسبب هذه الانقسامات. وبات واضحاً جداً للعالم أن الخلاص لن يكون محلياً، إنما من خلال تسوية تشمل رئاسات مجلس النواب والحكومة والجمهورية، ولن يكون بالامكان انتاجها لبنانياً، بل من خلال مؤتمر على نسق الدوحة، لن يصل الى مؤتمر تأسيسي إنما عبر مؤتمر لتنفيذ ما تبقى من الطائف وتحت سقفه. فمن غير المتوقع أن يقدر هذا المجلس الجديد على تجاوز أي استحقاق، ولن يكون أي توافق تحت قبته، والآتي من التجاذبات والانقسامات والصراعات سيكون أعظم.

شارك المقال