تحول مفاجئ في العلاقات بين واشنطن وبكين

حسناء بو حرفوش

العلاقات بين الولايات المتحدة والصين ستشهد انفراجات قريبة وانخفاضاً في حدة التوتر، حسب ما توقع المحلل بوب ديفيس في قراءة في موقع “بوليتيكو” الالكتروني الأميركي. وأول الغيث، خفض إدارة جو بايدن التعريفات الجمركية في ضوء الترحيب من بكين وتوقع جولة جديدة من المفاوضات التجارية. هذه الافتراضات وفقاً للقراءة، ترتبط بـ”نموذج التنبؤ الذي استخدمته وكالة الاستخبارات المركزية وتوقع نموذجاً لاتجاه العلاقة الجيوسياسية الأكثر أهمية.

وبغض النظر عن تحقق التوقعات أم لا، تتقاطع التخمينات مع بعض أصداء في العالم الحقيقي حيث يناقش بايدن وكبار مسؤوليه ما يجب فعله بشأن التعريفات الجمركية في الصين. ومن خلال تحليل التفاعلات المحتملة بين صانعي السياسات، يمكن الحصول على صورة أوضح حول عمليات صنع القرار التي تحدث في عواصم مختلفة.

وتختلف استراتيجيات التنبؤ في البرنامج المستخدم، حيث ينظر النموذج إلى علاقات القوة ويرى صنع القرار كمعركة بين الناس الذين يتبعون مصلحتهم الذاتية (…) كما لا يحاول النموذج تقويم أفضل حل ممكن لمشكلة أو القرار الذي يعكس المصلحة الوطنية على أفضل وجه. ومن خلال التمرين، عيّن خبراء للعمل ضمن فرق تمثل مسؤولين في الولايات المتحدة أو الصين. وضم الفريق الأميركي عدة أشخاص مقربين من إدارة بايدن و(باراك) أوباما. ومن الجانب الصيني، مراسلة سابقة في صحيفة “فايننشال تايمز” الصينية تعمل حاليا في جامعة هارفارد وممثل وزارة الخزانة لأوباما في بكين وخبير أوباما في مجلس الأمن القومي الصيني.

وصمم نموذج المحاكاة في شهر شباط للتنبؤ بإيفاء الصين بالتزاماتها لتعزيز مشترياتها من البضائع الأميركية بأكثر من 200 مليار دولار، كما هو مطلوب بموجب اتفاق المرحلة الأولى التجاري الذي تم التفاوض عليه في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب. كما اختبرت ردة فعل الولايات المتحدة في حال لم تلتزم بكين بدورها من الصفقة. وفي النهاية، امتدت المحاكاة حتى نهاية نيسان. وبحلول ذلك الوقت، أصبح الاتفاق التجاري غير ذي صلة إلى حد ما حيث تحول تركيز واشنطن إلى غزو روسيا لأوكرانيا والانتخابات النصفية الوشيكة. كما أن تعليقات بايدن الأخيرة حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان أثارت قلق بعض مراقبي الصين. لحسن الحظ، درست لعبة المحاكاة أيضاً أسئلة أوسع حول التحركات الاقتصادية التي ستتخذها الولايات المتحدة بعد ذلك للتأثير على بكين وكيفية استجابتها.

ووضع نموذج التنبؤ، الذي طوّره عالم السياسة في جامعة نيويورك بروس بوينو دي ميسكيتا، تنبؤات من خلال تقويم علاقات القوة بين صانعي القرار. وينظر النموذج إلى 4 خصائص: تأثير صانعي القرار ومواقفهم من قضية ما ومرونتهم في التفاوض وتركيزهم على القضية. وتحسب خوارزميات النموذج الملايين من التفاعلات الممكنة المختلفة، وباستخدام نظرية اللعبة، تظهر النتيجة الأكثر احتمالية.

وفي واشنطن، تضمن الفريق أكثر من عشرين لاعباً قوياً، بما في ذلك ممثلون مفترضون عن البيت الأبيض ووزراء الحكومة وجماعات الضغط في قطاع الأعمال والعمالة وأطياف المشرّعين. أما بالنسبة الى الصين، فكان من الصعب معرفة من يمكن اختياره بخلاف أعضاء اللجنة الدائمة للمكتب السياسي الحاكم وبعض المستشارين الاقتصاديين والسياسيين البارزين. وفي النهاية، توصلت الفرق إلى تصنيفات. وفي نقاط مختلفة، بدت الخيارات اعتباطية، كما عكست ردود أفعال لاعبي اللعبة واحدة من أكبر مشكلات التنبؤ. بغض النظر عن مدى تعقيد النموذج، تعتمد دقته وفاعليته على جودة المعلومات التي يعالجها.

وتجدر الإشارة إلى أن النموذج حقق بعض النجاحات الكبيرة. فقد توقع في السابق بشكل صحيح خلفاء آية الله الخميني قبل خمس سنوات من وفاة الزعيم الإيراني. لكنه يعترف ببعض الأخطاء أيضاً، بما في ذلك الخطأ في كل التنبؤات تقريباً حول فاتورة الرعاية الصحية لبيل كلينتون على سبيل المثال.

وبحلول نهاية المحاكاة، طلب من أعضاء الفريق الأميركي وضع قائمة بالإجراءات الأميركية المحتملة تجاه الصين. وعندما قام اللاعبون الأميركيون بتقويم الكيفية التي ستنظر بها السلطات الأميركية في الخيارات، أصبح سلوك الصين تجاه روسيا أكثر أهمية. ومنذ أن رفع الرئيس ريتشارد نيكسون العلاقات مع بكين في العام 1972، لعبت التجارة دوراً حاسماً في التقريب بين الولايات المتحدة والصين. وبغض النظر عن الاختلافات الشاسعة بين النظامين السياسيين، أدرك كلا البلدين أن التجارة قد تفيدهما من خلال توسيع الأسواق وأماكن الإنتاج. وحتى أثناء إدارة ترامب، وقع البلدان في النهاية اتفاقاً لإنهاء الأعمال العدائية التجارية. في المحصلة النهائية، ذهبت التوقعات (التي تحتمل الخطأ لأنها تتغير بتغير الظروف) باتجاه مبادرة أميركية خاصة بخفض الرسوم الجمركية على السلع الاستهلاكية الصينية، من دون أن تعني الرضوخ. بينما تبين من الجانب الصيني أن الخطوة الأميركية ستكون موضع ترحيب وقد تشجع بكين على زيادة مشترياتها من الولايات المتحدة”.

شارك المقال