السويد وفنلندا “معضلة” جديدة لروسيا

حسناء بو حرفوش

تضيف السويد وفنلندا المزيد من النفوذ والقوات و”المعضلات” لروسيا، حسب قراءة لكريستوفر وودي. ووفقاً للتحليل، “يعي القادة العسكريون الأميركيون الذين عبّروا بشكل واضح عن دعمهم لعضوية البلدين في الناتو، مساهماتهما في الأمن الأوروبي. وأعلن كبار المسؤولين العسكريين الأميركيين في الأيام الأخيرة أن الجيش الأميركي لن يستفيد إلا إذا انضمت السويد وفنلندا إلى الناتو، مردداً حماس الكثيرين في الولايات المتحدة وأوروبا بشأن انضمام الدولتين إلى الحلف”.

رغبة السويد وفنلندا تطرح السؤال حول احتمال تفاقم مشكلات التحالف. وهذا ما يركز عليه تحليل لزاكاري سلدان الذي يحذر من “الآثار الاستراتيجية لحقيقة أن دولتين من دول عدم الانحياز تقعان على مقربة شديدة من روسيا ترغبان في الانضمام إلى الناتو. ولكن على عكس ما يجادل به معظم الناس، سيقدم هذا التوسع تحديداً أكثر من التوسعات السابقة. فقد حصلت توسعات الناتو السابقة كجزء من دمج دول شرق أوروبا ووسطها في المؤسسات الغربية، ولا سيما الاتحاد الأوروبي، أكثر من السعي الى الحماية الصريحة مقابل الطموحات الروسية. ومع ذلك، تنضم السويد وفنلندا إلى الناتو فقط من أجل الالتزام الأمني ​​الأميركي في مواجهة العدوان الروسي.

ومن المرجح أن يؤدي هذا الانضمام إلى تفاقم التوترات في التحالف بين الأعضاء الذين يركزون على بناء الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي، وأولئك الذين يهتمون أكثر بالحفاظ على علاقة أمنية متينة عبر المحيط الأطلسي تعتمد بشكل كبير على القوة العسكرية الأميركية. وتجلب السويد وفنلندا المزيد من الأصول المالية والعسكرية إلى طاولة المفاوضات أكثر من الدول التي انضمت في الجولات السابقة وستستخدمان ذلك لتشكيل الناتو بما يخدم مصالحهما قدر الإمكان. ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى وجود جوي وبحري أكبر لحلف شمال الأطلسي في منطقة البلطيق، فضلاً عن تركيز الناتو بشكل أكبر على القطب الشمالي. في كلتا النقطتين، ستكون السويد وفنلندا أقرب إلى موقف بريطانيا، الذي له أهمية سياسية خصوصاً في مرحلة ما بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.

وتنضم السويد وفنلندا اليوم الى الناتو بسبب شعورهما المتزايد بالضعف في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا. وليس من الواضح ما إذا كان الخوف من العمل العسكري الروسي لم يكن العامل الرئيس الذي دفع العديد من دول وسط أوروبا وشرقها إلى التقدم بطلب للحصول على عضوية الناتو في جولات التوسيع السابقة. وتوسع الناتو منذ نهاية الحرب الباردة بناءً على طلب الدول الطامحة، وفي العام 1999، انضمت اليه بولندا والمجر وتشيكوسلوفاكيا. في العام 2004 وافق التحالف رسمياً على دخول الدول التي كانت في السابق جزءاً من الاتحاد السوفياتي (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا)، إضافة إلى سلوفينيا وسلوفاكيا وبلغاريا ورومانيا. وانضمت ألبانيا وكرواتيا في العام 2009، وتبعتها مونتينيغرو (الجبل الأسود) ومقدونيا في العامين 2017 و2020.

وفي جميع الحالات، سبقت الانضمام عملية مطولة لدفع كل عضو طامح يثبت تلبيته لمعايير معينة. ولم يقتصر السؤال على التوافق العسكري والقدرة فحسب، بل على قوة المؤسسات الديموقراطية وعمقها أيضاً. وخضع كل عضو طموح لخطة عمل طويلة للعضوية، بحيث تم تقويم التقدم باستمرار في مجالات مثل بناء سلطة قضائية مستقلة وتنظيم عمليات انتخابية شفافة وبناء اقتصاد قائم على السوق. ولا يرتبط الكثير من هذه العناصر باحتياجات التحالف العسكري، وإنما يؤكد أن الناتو هو تحالف سياسي عسكري.

وتتوافق المطالب العديدة لعملية الانضمام بشكل وثيق مع الإصلاحات التي نفذتها كل من هذه الدول في سعيها الى تحقيق العضوية ضمن الاتحاد الأوروبي. واعتبرت العديد من هذه الدول العضوية بمثابة الجائزة الأكثر أهمية، وكان الوفاء بمعايير عضوية الناتو وسيلة لتحقيق هذه الغاية. كما ترجم الوفاء بالمعالم المحددة في خطة عمل العضوية كوسيلة لإحراز تقدم نحو استكمال مكتسبات الاتحاد الأوروبي، وهي تنص على مجموعة ضخمة من الإصلاحات التي يجب أن يتم التصويت عليها لتصبح قانوناً لكل مقدم طلب للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ويُنظر إلى عضوية الناتو على أنها خطوة مهمة إلى الأمام وتحديداً كجزء من حزمة تؤدي إلى “التكامل الأوروبي الأطلسي”. ولا شك في أن الحفاظ على الأمن في وجه الإجراءات الروسية وسلامة الأراضي من أولويات دول البلطيق بشكل واضح، لكن معظم الدول التي انضمت إلى الناتو على مدار الأعوام العشرين الماضية لا تشترك في حدود مع روسيا.

(…) ومن المرجح أن تجذب السويد وفنلندا مزيداً من الاهتمام نحو منطقة منافسة مع روسيا. ولا يمكن إلا أن نلاحظ أنه بانضمامهما، سيظهر وكأن كل دولة في مجلس القطب الشمالي ستكون أيضاً عضواً في الناتو باستثناء روسيا. وهذا قد يؤدي إلى تفاقم بعض التوترات في الحلف، خصوصاً وأن قدرات الدولتين تمنحهما نفوذاً يمكن توقعه لزيادة تحويل تركيز الناتو على منطقة البلطيق والقطب الشمالي. وسيتطلب الأمر يداً ديبلوماسية ماهرة لتحقيق التوازن بين الأولويات والحفاظ على التضامن داخل التحالف في ما يعد بفترة صعبة تختبر العلاقة عبر الأطلسي بالإضافة إلى الأمن الأوروبي”.

شارك المقال