جلسة البرلمان بين صفقة أقلية وخيبة أكثرية

هيام طوق
هيام طوق

على وقع هتافات أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذين طالبوا بـ “إخراج قضية المرفأ من التجاذبات السياسية، والضغط لتنفيذ مذكرات توقيف المتهمين وإسقاط الحصانات عنهم”، عقدت الجلسة الأولى لمجلس النواب الجديد لانتخاب رئيس المجلس ونائبه وهيئة مكتبه، ووصل النواب الى ساحة النجمة في سياراتهم الفخمة فيما رافق عدد من النواب التغييريين أهالي الشهداء في مسيرتهم التي انطلقت من مرفأ بيروت الى مقر البرلمان. كما لفت وصول النائب كميل شمعون في سيّارة جدّه الرئيس الراحل كميل شمعون، وهي تحمل الرقم 1000.

منذ الأمس، خطا البرلمان الجديد أولى خطواته في ولاية تعتبر الأصعب في تاريخ المجالس النيابية وأكثرها تعقيدا و”تغييراً”، بحيث أن لا أكثرية تتحكم بالقرارات كما يتوقع أن تشكل الكتلة التغييرية التي وعدت بنهج جديد في التعاطي السياسي، نوعاً من الدينامية غير الاعتيادية، وهي أمام امتحان صعب لأن الناس التي وثقت بالنواب التغييريين من خلال التصويت لهم في الانتخابات النيابية، تنتظر منهم الاصلاحات المنشودة والا تتحول الآمال الى أحلام مفقودة.

تنتظر البرلمان الجديد تحديات عدة، ومسيرته على مدى أربع سنوات لن تكون سهلة لأن البلد يمر بأسوأ أزماته، وبالتالي، فإن الحاجة ماسة الى إقرار قوانين عاجلة للانطلاق بالملفات الاصلاحية ومنها قانون “الكابيتال كونترول”، وبرنامج التعاون مع صندوق النقد الدولي، والموازنة العامة، وملف الكهرباء وغيرها الكثير من مشاريع القوانين التي تحتاج الى إقرار.

وجلسة الأمس التي اعتبرت الأكثر تشويقاً وحماسة خصوصا على صعيد نائب رئيس المجلس، سبقها الكثير من النقاشات والاجتماعات بين القوى التغييرية والأحزاب التقليدية المعارضة للتوافق على اسم محدد باعتبار أن نجاح الأكثرية الجديدة في توحيد صفوفها يشكل مدماكاً أساسياً للمرحلة المقبلة لناحية خوضها الاستحقاقات المنتظرة موحدة، وبالتالي، فرض خياراتها انطلاقاً من كونها الأكثرية.

وفي المسار الدستوري، انطلقت الجلسة المكتملة النصاب مع انتخاب رئيس المجلس ففاز الرئيس نبيه بري بـ 65 صوتاً لولاية سابعة. وعند البدء بالفرز حصل هرج ومرج في البرلمان حيث اعترض عدد من النواب التغييريين على عدم قراءة الأوراق التي لا تحمل أسماء مرشحين لرئاسة المجلس، فطلب الرئيس بري قراءة كل ما كتب في الأوراق الملغاة (40 ورقة) وفيها: “العدالة لتفجير مرفأ بيروت”، “العدالة للقمان سليم”، “العدالة لشهداء قوارب الموت”، “العدالة للنساء المغتصبات”، “العدالة للمودعين”، و”العدالة لموسى الصدر”. واقترع نوّاب “القوات” بعبارة “الجمهورية القوية” للتأكيد أنهم لم يصوّتوا للرئيس بري. كما كانت هناك 23 ورقة بيضاء وضعها النواب التغييريون الذين أوضحوا قبل أيام من الجلسة أنهم سيفعلون ذلك.

وبعد فوزه، ألقى الرئيس بري كلمة اعتبر فيها أن “من المفيد لجميع النواب والكتل أن يدركوا حجم التحديات الملقاة على عاتقهم، في زمن لن يحظوا فيه بترف المناورة، ولا سيما أنّ سلاح التعطيل المتوافر بين أيديهم، لن يفضي سوى الى جريمة كبرى بحق الوطن، الذي بات يحتضر بشهادة الجميع”.

ودعا النواب الى أن “نكون 128 (نعم) لإنجاز الإستحقاقات الدستورية في موعدها و128 (لا) للفراغ في أي سلطة، و128 (نعم) جريئة ومن دون مواربة للانتقال بلبنان من دولة الطوائف والمذاهب والمحاصصة الى دولة المواطنة والمساواة وتكافؤ الفرص، و128 (نعم) صريحة وقوية وواحدة موحدة ضد أي تفريط بحقوق لبنان السيادية في ثرواته المائية والنفطية مع فلسطين المحتلة، و128 (لا) للتنازل أو المساومة أو التطبيع قيد أنملة في هذه الثروات تحت أي ظرف من الظروف ومهما بلغت الضغوط”.

وبعد اعلان فوز الرئيس بري سمع اطلاق نار كثيف في بيروت، كما احتفل عناصر شرطة المجلس وحماية رئيس المجلس على وقع الموسيقى وقرع الطبول في عين التينة.

ثم جرت الدورة الأولى لانتخاب نائب رئيس المجلس، وكان التنافس بين النائبين الياس بو صعب وغسان سكاف، وجاءت النتيجة على الشكل التالي: 64 صوتاً لبو صعب و49 لسكاف و13 ورقة بيضاء وورقتان ملغاتان. وفي الدورة الثانية، فاز بو صعب بمنصب نائب الرئيس بعد حصوله على 65 صوتاً مقابل 60 صوتاً لسكاف، وورقتان بيضاوان وورقة ملغاة.

وشكر بو صعب “جميع الزملاء خصوصاً الزميل غسان سكاف على المنافسة، وما حصل خلال هذه الانتخابات هي الديموقراطية”. ثم جرى انتخاب هيئة مكتب المجلس.

وفي قراءة لمجريات الجلسة، رأى الصحافي بشارة خير الله أن “الأصوات الـ65 التي حصل عليها نائب الرئيس تختلف عن الأصوات الـ65 التي حصل عليها الرئيس، اذ أن أصوات الأخير تتضمن 9 من اللقاء الديموقراطي في حين أن بعض أصوات بو صعب مبهمة وغير معروفة من أي جهة أتت. إذاً، هناك 9 أصوات حصل عليها بو صعب لم تكن متوقعة مع العلم أن اللقاء الديموقراطي لم يصوّت له”، لافتا الى أن “الجلسة أثبتت أن لا أكثرية واضحة لدى أي طرف. ونتيجة بو صعب تشير الى أننا سنكون عرضة في كل محطة مفصلية لصفقة”.

وشدد على “ضرورة التنسيق أكثر بين التغييريين لأنه كان هناك امكان كبير لفوز سكاف. انها بداية غير مشجعة، ومن الضروري في الاستحقاقات المقبلة أن يكونوا أكثر تنسيقاً ويأخذوا موقفاً موحداً، اذ لا يجوز أن نتباهى بالحصول على الأكثرية في حين أن الاقلية تمسك بزمام اللعبة كما حصل في الجلسة”.

وأكد وجود صفقة “لأنه لا يمكن أن يحصل بو صعب على 65 صوتاً، وبالتالي، لا يمكن للتيار الوطني الحر بعد اليوم أن يقنع الناس بأنه ليس حليفاً مع الرئيس بري لأن حركة أمل حكماً صوّتت لبو صعب” .

من جهته، اعتبر المحلل السياسي أمين بشير أن “الجلسة كانت بمثابة امتحان أول لقوى التغيير التي من خلال تشتتها وعدم وحدتها في التصويت لسكاف، خلقت جواً من خيبة الأمل لدى الناس”، لافتاً الى أن “ما جرى يؤكد أن لدى بعض التغييريين حسابات خاصة، وأحلاماً بمناصب وعدوا بها، وهذا دليل على أن لا رؤية ولا ايماناً بقضية واحدة، وتبين أكثر فأكثر أن الأحزاب السياسية التقليدية أقوى بكثير من القوى التغييرية”.

وأشار الى أن “هناك مصالح شخصية وطائفية تتخطى المصالح الوطنية”، موضحاً أن “البروباغندا التي رافقت انتخابات المجلس خصوصاً لموقع نائب الرئيس، هدف من خلالها التيار الوطني الحر الى ايصال رسالة مفادها أنه لا يزال له موقعه على الساحة المسيحية”.

وقال: “كانت هناك حظوظ لسكاف بالفوز لكن قوى التغيير بدت وكأنها تلعب بيت بيوت ولم تستفد من الفرصة، في حين أن المايسترو حزب الله أثبت أنه يلعب صح ويزن حساباته بدقة. القوى التغييرية بحاجة الى مايسترو كبير مثل حزب الله يدوزن الأمور، وإلا هناك تخوف من التشتت خصوصاً وأن الامتحانات المقبلة أصعب”.

ورأى أن “حزب القوات أثبت بموقفه من خلال التصويت لسكاف وسحب مرشحه أنه يريد الدفع نحو خطوة تغييرية ، لكن بعض القوى التغييرية دخلت في لعبة السلطة، ورسبت في الامتحان الأول”، معرباً عن اعتقاده أن “هناك نوعاً من الاستخفاف بعقول الناس عندما يقولون ان ليست هناك صفقات أو مساومات لأن الامور واضحة، ولا أحد يعطي أي شيء من دون مقابل”.

شارك المقال