تركي الفيصل يمثلني

عبدالعزيز حسين الصويغ

أنا من تلك الفئة من الناس التي ترى أن نترك الكُتّاب والمثقفين يعبّروا عن آرائهم تجاه مختلف القضايا الداخلية والخارجية التي تتعلق ببلادهم، بكل حرية وأريحية من دون أن يكون هذا الرأي مرتبطاً بنهج أو سياسة حكومة بلادهم. فالاختلاف في الرأي هو أمر طبيعي يجب ألا يُعطى أكبر من حجمه، بل ان الله أكد عليه حينما قال تعالى: (وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَٰحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) – [هود – 118].

غير أن ما ألاحظه مؤخراً هو أن ثقافة تقبل الرأي الآخر تتراجع يوماً بعد آخر وكأنه يفترض أن يكون كل الناس داخل قالب واحد مختومين بختم الموافقة على كل موقف رسمي. والغريب أن من يرفض الرأي الآخر ليس الحكومات نفسها بل من جعلوا من أنفسهم أوصياء على آراء الناس تطوعاً، حيناً من باب المكابرة، وحيناً آخر من باب النفاق والتزلف ليس إلا.

لذا أصبح من ينتهج نهجاً “آخر” يتعرض للهجوم والإقصاء، فضلاً عن شن وابل من الاتهامات عليه، ويصل الأمر إلى تخوينه والتنمر عليه والتقليل من شأنه! وأنا أقصد هنا ما يحدث في وسائل ومنصات التواصل الإجتماعي التي ساهمت في غياب ثقافة تقبل الرأي الآخر، وأصبحت منصات لإطلاق “قذائف الرأي الشامل” على من يخالف رأي المجموعة أو يقرر أن يعبّر عن رأيه ووجهة نظره كما يراها هو.

هذا يأخذني إلى المقال الذي كتبه مؤخراً سمو الأمير تركي الفيصل، سفير المملكة العربية السعودية السابق في واشنطن، ورئيس الإستخبارات السعودية السابق، حول العلاقات السعودية – الأميركية، وزيارة بايدن المحتملة الى السعودية ولقائه سمو ولي العهد. وهو مقال نشرته صحيفة “عرب نيوز” على موقعها الالكتروني في 11 يونيو/حزيران، وتداول محتواه رواد مواقع التواصل الاجتماعي على مدى واسع، وهناك عدة نقاط تطرق اليها سموه يأتي على رأسها ما أسماه “رقصة بين المسؤولين الأميركيين ووسائل الإعلام” حول زيارة مقترحة من الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المملكة. واعتبر سموه فيها أن “الشعبية المتدهورة للرئيس (بايدن) هي التي تأتي به إلينا. إنها شرعيته التي يأمل في تعزيزها من خلال لقائه مع ولي العهد السعودي (الأمير محمد بن سلمان)”.

وأكد الأمير تركي الفيصل على أن الرئيس بايدن سيحصل عند زيارته على كل التكريمات المستحقة التي مُنحت لجميع الرؤساء الأميركيين السابقين… و”أن قيادتنا ستظل تنظر في الفوائد المتأتية من علاقتنا كقصة مستمرة تبرر استضافة الرئيس”. لكنه رأى أن من الأهمية بمكان، وما للعلاقات بين البلدين من أهمية تذكير الرئيس بايدن بنقاط منها:

” – أهمية العلاقة في احتواء السلوك الإيراني التخريبي عموماً، وخطر الإرهاب، وتحقيق السلام في اليمن، والعمليات العسكرية المشتركة، وغيرها من الاعتبارات”.

– أنه عندما يحاضر الرئيس بايدن دولنا عن حقوق الإنسان، أو تتطرق إدارته أو أحد أعضائها الى هذه المسائل، أو ينتقد أعضاء المجلسين بشدة المملكة فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان، “أطلب بكل احترام من قادتنا تذكير الرئيس، سواء في السر أو العلن (…) بانتهاكات حقوق الإنسان في الولايات المتحدة التي لا تتطلب إجراءات رئاسية فحسب، بل تتطلب أيضاً أحكاماً في الكونغرس ومجلس الشيوخ”.

وهكذا… أن تكون هناك مقالات وطروحات تنتقد السياسة الأميركية والموقف الأميركي تجاه المملكة أراه أمراً يشكل ضغوطاً لا يمكن التقليل من أهميتها على الإدارة الأميركية والمسؤولين الأميركان. ويمكن للجهة المختصة في السعودية أن تجمع هذه المقالات وتقدمها في أي إجتماع يضم مناقشة العلاقات السعودية – الأميركية مع الجانب الأميركي. وتكون مثل هذه المقالات التي تحمل الرأي الآخر ورقة ضغط تبيّن موقف الرأي العام السعودي تجاه مختلف القضايا في إطار ما يُعرف اليوم بـ”الديبلوماسية العامة… أو الشعبية “Public Diplomacy، التي أصبحت تُشكل جابناً هاماً من القوة “الناعمة”، عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي المختلفة، ويشكل فيها المواطن ورقة الضغط الرئيسة. لذا تهتم مختلف الدول اليوم “بالرصد الدقيق لآراء واهتمامات تلك الشعوب، وتحليلها ودراستها بعيداً عن أي آراء مسبقة (…) فالهدف الأساس للديبلوماسية العامة هو خدمة السياسة الخارجية للبلد وتحقيق أهدافه الوطنية”. (*) سعود كاتب، القواعد الذهبية العشر للديبلوماسية الشعبية، المدينة 11 يناير 2022.

فإذا كانت الولايات المتحدة تؤمن بأهمية الرأي الشعبي في التأثير أو توجيه سياسة الحكومات، فان ما كتبه سمو الأمير تركي الفيصل يصب في هذه الخانة.

 

# نافذة

“على من يسكن في بيوت زجاجية ألا يلقي بالحجارة”
تركي الفيصل


عبدالعزيز حسين الصويغ
سفير السعودية الأسبق في كندا

شارك المقال