بوتين يراهن على الانقسامات الأوروبية

حسناء بو حرفوش

هل تلعب الانتكاسة التي سجلت للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الانتخابات البرلمانية والمشاحنات داخل الائتلافين الألماني والإيطالي في مصلحة موسكو؟ سؤال يجيب عنه مقال في موقع “كارنيغي” الالكتروني، الذي يحذر من أن الأمن الأوروبي سيتعرض للخطر في حال تعثر الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشأن أوكرانيا.

ووفقاً للمقال، “سجلت لحظة من الحماس الذي اشتدت الحاجة إليه في أوكرانيا مع زيارة قادة فرنسا وألمانيا وإيطاليا ورومانيا في 16 حزيران البلاد حيث أعربوا عن دعمهم لطلبها الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وجل ما تحتاجه أوكرانيا الآن هو موافقة بالإجماع من القادة الأوروبيين الذين يجتمعون في 23 – 24 حزيران.

في الواقع، تبدو العضوية في الاتحاد الأوروبي بعيدة المنال. لكن من الناحيتين النفسية والسياسية، هذا الدعم هو ما احتاجه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في الوقت الذي كان الجيش الروسي يقضي فيه على شرق أوكرانيا ويرحل قسراً آلاف الأطفال ويشن حملة دعائية مكثفة في المناطق الواقعة تحت سيطرته.

أما بالنسبة الى رد فعل الكرملين على انضمام أوكرانيا ذات يوم إلى الاتحاد الأوروبي، فقد تجاهل العلاقة المتغيرة بين كييف وبروكسل ولا عجب. يحتاج الرئيس فلاديمير بوتين فقط إلى إلقاء نظرة على التطورات السياسية والاقتصادية الجارية في أوروبا ليرى كيف تتغير ثرواته. وستضع نتيجة الانتخابات البرلمانية الفرنسية التي خسر فيها الرئيس إيمانويل ماكرون أغلبيته المطلقة، القضايا الداخلية على رأس جدول الأعمال في باريس.

ويكره الأعضاء المؤسسون للاتحاد الأوروبي الاعتراف بأن أوروبا في واقع الأمر في حالة حرب مع روسيا. وكما هو الحال، تقدم العديد من الدول أنظمة أسلحة إلى أوكرانيا وحتى الاتحاد الأوروبي كمؤسسة يقوم بذلك أيضاً. ومع ذلك، يفضل الرئيس ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي قراءة الغزو الروسي لأوكرانيا على أنه أزمة في العلاقات مع موسكو يمكن إصلاحها يوماً ما. كما يحب ماكرون تذكير محاوريه بأن “إذلال روسيا ليس فكرة جيدة”.

هذا هو جوهر سياسة أوروبا تجاه روسيا. لا ترغب ألمانيا، إلى جانب فرنسا، بقبول فكرة أن روسيا، بصرف النظر عن محاولتها تدمير أوكرانيا، قد قلبت الوضع الراهن بعد الحرب الباردة. تهديدات بوتين باستخدام الأسلحة النووية هي محاولاته لتخويف ألمانيا وتحييدها. ومع ذلك، طالما أن برلين لا تتخلى بصورة لا لبس فيها عن السياسة الشرقية، التي تقوم على فكرة تقريب روسيا من أوروبا وضمان استقرار القارة، فلا يمكن أن تكون هناك سياسة أوروبية متماسكة تجاه روسيا.

لذلك، في حين أن الأمر كله يمنح مرشح أوكرانيا وضعاً جيداً، إلا أن ما نحتاج إليه هو عقلية جديدة عندما يتعلق الأمر بروسيا، وفي الوقت الحالي، لا توجد مثل هذه العقلية المشتركة. وتدرك بولندا والسويد ودول البلطيق، بحكم تاريخها مع روسيا وموقعها، ما تعنيه الحرب في أوكرانيا ليس لوجود ذلك البلد وحسب، ولكن أيضاً لأمن أوروبا.

والواقع أن انتصار روسيا سيمنح بوتين الثقة لاستغلال رغبة معينة داخل الحزب الاشتراكي الديموقراطي بزعامة شولتز والجناح اليساري الألماني عموماً للتغلب على ما يرون أنه أزمة في العلاقات مع موسكو. بالنسبة اليهم، فإن إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة أمر لا بد منه. علاوة على ذلك، لا تقلل من شأن توق اليسار الألماني الى نوع من الهندسة الأمنية الجديدة التي قد تشارك فيها روسيا.

قلة هم الذين يجادلون ضد حاجة أوروبا الى إلقاء نظرة غير مذعورة ومنفردة على الحالة الضعيفة لاستعدادها الأمني ​​والدفاعي. لكن لا يمكن تشكيل أي بنية أمنية جديدة، مع حلف الناتو إلا من موقع القوة والوحدة. وبخلاف ذلك، يمكن لروسيا أن تضع الشروط، ولهذا السبب، تكمن أهمية السياسة الحالية والمستقبلية لألمانيا وفرنسا تجاهها. وبالقدر نفسه من الجوهر، يجب أن تتمتع أوكرانيا بإمكانية التفاوض على إنهاء هذه الحرب المروعة من موقع القوة. وفي حال لم يتم تقديم أي من هذه المعطيات، فسوف يتعرض أمن أوروبا للخطر بشكل كبير”.

شارك المقال