الفاتيكان يستشعر الخطر على الكيان اللبناني… ويريد الدولة

هيام طوق
هيام طوق

منذ سنتين يحاول “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” أن ينشرا بروباغندا مفادها أن الفاتيكان يؤيد سياساتهما في لبنان على اعتبار أن ما يقومان به يهدف الى حماية المسيحيين وحماية الكيان اللبناني، وباتت لديه قناعة بأن تفاهم مار مخايل ساهم في تعزيز الدور السياسي للمسيحيين في السنوات الماضية.

وقالت وسائل اعلام تابعة لفريق الموالاة ان المواقف المتقدمة من حاضرة الفاتيكان تجاه الحزب، بدأت إشاراتها الأولية خلال زيارة وزير خارجية الفاتيكان بول ريتشارد غالاغير الأخيرة الى لبنان عندما تحدث عن ضرورة الحوار مع الحزب والتحذير من عزله. كما أن موقف الفاتيكان المتقدم من الحزب تبلور أكثر عندما زار رئيس الجمهوريّة ميشال عون في آذار الماضي روما، حيث سمع كلاماً من كبار المسؤولين أنّ “حزب الله” فريق لبناني ويجب أن يكون هناك حوار معه.

وتحدثت وسائل الاعلام عن ثلاثة لقاءات عقِدت في مقر السفارة البابوية مع وفود من “حزب الله”، وتم نقاش ملفات عديدة بمعزل عن الخلاف حول مسألة السلاح. هذه البروباغندا، توحي وكأن هناك تناغما بين الفاتيكان وايران في لبنان، إلا أن مصدراً معنياً أكد أن هذه المعطيات وما يتم التسويق له في هذا الاطار ليس سوى كذبة، والدليل ما جرى مع المطران موسى الحاج الذي تحولت قضيته الى رمز لاشتباك أبعاده أعمق بكثير من التقنيات القانونية التي حاول محور الممانعة الركون إليها، بل إن لما جرى علاقة بالهوية اللبنانية والكيان اللبناني.

وقد خرج السفير البابوي في لبنان المطران جوزيف سبيتيري عن صمته، وتحدث للمرة الأولى في الشأن السياسي على خلفية قضية المطران الحاج التي اعتبرها “رسالة بالغة الخطورة، واذا كان هناك من يريد ايصال رسالة فلا تكون بهذه الطريقة في بلد أساسه الحريات.”

توضيحاً لكل هذه المعطيات، وللاضاءة على ما تم الحديث عنه بشأن التواصل الفاتيكاني المباشر مع “حزب الله”، وتداعيات توقيف المطران الحاج، وما قامت به الديبلوماسية الفاتيكانية من أجل لبنان منذ 3 سنوات الى اليوم، تحدث المدير التنفيذي لـ”ملتقى التأثير المدني” زياد الصائغ لـ “لبنان الكبير” قائلاً: “أولوية الديبلوماسية الفاتيكانية كانت منذ العام 2019، حماية السلم الأهلي في لبنان، لكن بناء على ثوابت الحرية، والديموقراطية، وحقوق الانسان، والعيش معاً، وتطبيق الدستور وحصرية السلاح في يد الشرعية وصولاً إلى بناء الدولة. دولة المواطنة التي تحترم التعددية. دولة الحياد عن الصراعات الاقليمية والدولية. دولة الهويّة العربيّة. هذه الأولوية، برزت في كل المواقف التي صدرت عن البابا فرنسيس عندما تحدث في شهر آب 2020 عن أن (لبنان في خطر داهم)، وقبّل العلم اللبناني. وبعدها أوفد الى لبنان أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين الذي دعا اللبنانيين خلال قداس في حريصا الى ألا يخافوا، وأننا سنعمل مع أصدقائنا في العالم الحر على حماية لبنان. اضافة الى زيارة المطران غالاغير الذي قال كلاماً واضحاً بأن الهوية اللبنانية يجب أن تحافظ على معناها الحضاري المميز في المنطقة وفي العالم. كل هذه التصاريح الواضحة المعالم للديبلوماسية الفاتيكانية عن لبنان، تدل على أن الفاتيكان استشعر الخطر الوجودي على الكيان اللبناني وهو يرفض الديكتاتورية والتفتيت على حدّ سواء، ويتلاقى مع البطريركية المارونية في كل نضالها من أجل حماية هذا الكيان وأساسه ثابتة الحرية والعيش معاً. بهذا المعنى، الفاتيكان يرفض حتماً كل انقضاض على الحريات في لبنان، وعلى الصيغة اللبنانية الميثاقية، وهو يدعم البطريركية المارونية في توجهها الى ارساء حياد لبنان وعدم إلحاقه بأي محاور”.

وعن تواصل الفاتيكان المباشر مع “حزب الله” ورفضه عزل أي مكون لبناني، أكد أن “الفاتيكان يرفض عزل أي من المكونات اللبنانية، لكن من قال انه يمكن لثنائي حركة أمل وحزب الله أن يختصر الطائفة الشيعية؟ وهل يجب الانتظام في محورهما للحفاظ على مكوّن مؤسّس في الكيان اللبناني؟ الفاتيكان ينظر الى كل العائلات الروحية في لبنان على أنها تقدم نموذجاً حضارياً في المواطنة الحاضنة للتنوع وفي العيش معاً، وبالتالي، اذا أردنا أن نحمي هذه الصيغة فمن خلال تطبيق الدستور والالتزام بمنطق الدولة وليس بالخروج عن الدستور بخيارات لا علاقة لها بمنطق المساواة بين أبناء الشعب اللبناني. ومن هذه الخيارات الملتبسة الخطيرة ذاك المرتبط بحلف الأقليات الذي هو كارثي ليس على المسيحيين وحسب، بل على كل المكونات اللبنانية. هذا يرفضه الفاتيكان بالدرجة الأولى اذ أنه يدعو المسيحيين الى النضال من أجل تثبيت فكرة المواطنة. ويجب عدم فهم توجه الفاتيكان برفض عزل أي مكون لبناني على أنه قبول بهيمنة أي فريق على آخر وتحديداً ما اصطلح على تسميته خطأ بالثنائي الشيعي فيما هو ثنائي حزبي، وثورة ١٧ تشرين وجهت رسائل صارمة الى كل الأحزاب في كل الطوائف رافضة اختزال المواطنين بروحيّة الرعايا الزبائن”.

أما في ما يتعلق بتداعيات توقيف المطران الحاج، فأشار الصائغ الى أن “التوقيت مشبوه وملتبس وفيه تضليل للرأي العام. كل عمل إنساني، هو عمل ضروري لمساندة اللبنانيين، واطلاق حملات تخوين وتحريض هو حالة مفبركة اعتدنا عليها، وتدمر العقد الاجتماعي بين اللبنانيين المتفقين بصورة واضحة على أنهم تحت القوانين المرعية الاجراء، ولا أحد يمكنه استخدام القانون خدمة لمصالحه السياسية التي ليست لها علاقة بالمصلحة الوطنية العليا، وما قام به المطران الحاج راعوي إنساني فكفى. المسألة وطنية أخلاقية وحصرها بالمسيحيين خطأ استراتيجي”، مشدداً على أن “الاعتداء على المطران الحاج أثبت أن هناك تجاوزاً للقوانين المرعية الاجراء من قبل سلطات من المفترض أن تكون مؤتمنة عليها. وهذا يطرح اشكالية جدية بضرورة الغاء المحاكم الاستثنائية ومنها المحكمة العسكرية أو حصر تعاملها بالعسكريين فقط . ”

أضاف الصائغ: “موقف البطريركية المارونية من خلال المجمع الدائم لمجلس الأساقفة الذي التأم في الديمان على خلفية قضية المطران الحاج كما مواقف البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، واضحة المعالم ليس برفض الاعتداء الصارخ على المطران الحاج وحسب، لكن برفض الانقضاض على هوية لبنان الحضارية وعلى صيغته واختباره التاريخي في الحريات. وهذه المسألة ستكون لها تداعيات كبيرة في المرحلة المقبلة في خط النضال لحماية هوية لبنان. وعلينا ألا ننسى أن السفير البابوي جوزيف سبيتيري خرج عن صمته ووجه رسالة واضحة عندما قال: ما جرى أمر بالغ الخطورة، واذا كان هناك من يريد تمرير رسالة، فليس بهذه الطريقة تمرر رسائل في بلد أساسه الحريات. وهذا يدل على أن الكرسي الرسولي مصمم على استمرار العمل الديبلوماسي لانقاذ لبنان من محاولات تغيير هويته”.

وأسف لـ”اقتصار ردات الفعل على تلك التعابير الخطابية والشعاراتية، والتي لا تزال أدنى من المستوى المطلوب”، معتبراً أن “بعض الجهات يتعاطى مع المسألة على أنها مسألة تقنية فيما هي أبعد من ذلك”. ولفت الى أن “المطلوب قيام أوسع ائتلاف وطني من كل الطوائف لبحث استراتيجية واضحة المعالم انطلاقاً مما جرى، وفهم طبيعة الخطر الوجودي وكيفية التعاطي معه خصوصاً من باب الاستحقاق الرئاسي المقبل. هذه مسألة شائكة ودقيقة ويجب رفعها الى مستوى اللحظة التاريخية”.

ورأى الصائغ أن “من افتعل هذا الاشكال يعرف ماذا يفعل اذ أراد رفع مستوى الاشتباك الى أعلى مستوى مع الكنيسة كما مع الفاتيكان. والأخطر، المراهنة على اثارة البلبلة بين المسيحيين والانقسام بين المسيحيين والمسلمين، وهذا لن يحصل بحيث هناك حكمة في عدم الانجرار الى انقسام وطني حول قضية ليست قضية مسيحية انما وطنية لأنها تتعلق بهوية البلد”.

شارك المقال