الترسيم في خواتيمه… وإخراج المسرحية في بعبدا

هيام طوق
هيام طوق

يبدو أن السرية التي ترافق المفاوضات في ملف الترسيم البحري ستستمر الى لحظة توقيع الاتفاق المنتظر في الأسابيع المقبلة، بحيث أن بعض الخبراء والمعنيين اعتبر أن هذا التكتم مهم لانجاح العملية التفاوضية بعيداً عن الاعلام وعن المواقف الشعبوية والمزايدات، فيما يتخوف آخرون من أن تكون هناك صفقات خاصة على حساب لبنان لا تريد السلطة إظهارها الى العلن قبل التوصل الى الاتفاق. لكن في كل الأحوال، فإن ما كتب قد كتب ولم يعد ينفع البكاء على أطلال الخطين 23 و29 كما قال أحد المطلعين على ملف الترسيم.

كان ينتظر اللبنانيون أمس من اللقاء الذي جمع الرؤساء الثلاثة مع الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين أن يطلعوا على مسار التفاوض وخطوطه العريضة، الا أن المسؤولين كما الوسيط فضلوا عدم الدخول في التفاصيل قبل الوصول الى اتفاق نهائي متوقع خلال زيارة هوكشتاين المقبلة التي ستكون قريبة كما قال نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب.

وبعد الاحتفال بعيد الجيش أمس، استقبل رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا رئيسي مجلس النواب نبيه بري وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وخصص الاجتماع للبحث في الأوضاع العامة وفي موقف لبنان الواحد من ملف الترسيم قبل أن ينضم اليهم لاحقاً الوسيط الأميركي وسفيرة الولايات المتحدة الأميركية في لبنان دوروثي شيا. وعقد اجتماع موسع في قصر بعبدا حضره الى الرؤساء الثلاثة، بوصعب والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم.

وبعد الاجتماع الذي استمر ساعة، قال هوكشتاين: “أنا متفائل جداً بالتوصل الى اتفاق بشأن الترسيم في الأسابيع المقبلة عند العودة الى بيروت لاستكمال المفاوضات”. اما بوصعب، فأكد أن “الأجواء إيجابية والجميع خرج مرتاحاً من اللقاء ولم يطرح هوكشتاين علينا تقاسم الثروات أو الأرباح أو البلوكات مع العدو ولبنان جدد المطالب ببلوكاته كاملةً ولم يطلب منا أحد قضم البلوكات وتمديد الأنانبيب. الفجوة ضاقت والفترة الزمنية التي تفصلنا عن عودة هوكشتاين مع جواب إلى بيروت ستكون قصيرة”.

وفيما أكد مصدر معني بالترسيم لـ “لبنان الكبير” أن الخلاف لا يزال اليوم على حصة اسرائيل وحصة لبنان من البلوك رقم 8 والبلوك رقم 5، يبدو أن لا أحد يعلم بمسار التفاوض سوى حلقة ضيقة معنية مباشرة بالملف، اذ أكد النائب السابق وهبي قاطيشا أن “لا أحد يملك معطيات حول مجريات المفاوضات واللقاء الذي عقد مع الوسيط الأميركي، لكن نأمل أن يحصل الاتفاق، ويكون لبنان قد حصل على أكبر قدر ممكن من حقوقه. وبحسب المؤشرات فإننا ذاهبون الى توقيع الاتفاق في العهد الحالي أو في العهد المقبل، لا نعلم. الكل يتحدث بالسياسة في ملف الترسيم، ولا أحد يتحدث بالعلم الذي لم يؤخذ في الاعتبار في المسار التفاوضي بحيث أن هناك قوانين دولية تظهر حدودنا”، معتبراً أن “حزب الله لا يساند الدولة من خلال تهديداته انما شعر بأن ملف الترسيم ذاهب نحو الاتفاق، فأطلق التهديدات للقول انه لولاها لما كان الجانب الاسرائيلي تجاوب مع المطالب اللبنانية. من يفاوض هو الدولة اللبنانية، وكل التهديدات والفيديوهات لا معنى لها في هذا المسار”.

أما العميد المتقاعد جورج نادر فرأى أن “التفاوض في مراحله الأخيرة، ومنذ البداية أعلنت السلطة أن الخط 23 هو خطنا التفاوضي. وهنا نسأل أين حصة لبنان من حقل كاريش الذي يقع ضمن الخط 29 الذي هو بحسب القانون الدولي خط لبنان الحدودي؟ حصتنا من كاريش يجب أن تكون مناصفة مع العدو الاسرائيلي. الصفقة انطلقت عندما لم يقبلوا بتعديل المرسوم 6433”.

وفي حين أعرب أركان السلطة عن تفاؤلهم بامكان التوصل الى اتفاق، قال نادر: “هم متفائلون لأنهم متفقون على الطبخة مسبقاً، وما يجري اليوم هو إخراج للصفقة لا أكثر ولا أقل، وكل التهديدات من هنا وهناك هدفها التعمية. وبالتالي، نحن ذاهبون الى اتفاق التخاذل وبيع حصة لبنان لأن الاتفاق الفعلي يكون عندما تحصل المفاوضات بين جانبين ويصل كل طرف الى حقه مع التنازل بصورة متساوية، وهذا لم يحصل في ملف الترسيم البحري الحدودي لأن لبنان تنازل عن الكثير عندما لم يطرح الخط 29 كخط حدودي”.

وأوضح رئيس اللجنة الوطنية لمتابعة ملف ترسيم الحدود البحرية عمران زهوي أن “ما يتم التداول به حالياً هو حصة الـ 30 بالمئة التي كان يطالب بها الجانب الاسرائيلي من حقل قانا، بأن يأخذ مقابلها من البلوك رقم 8 الذي فيه ثروات هائلة كما أنه صلة الوصل مع أوروبا بحيث أن الاسرائيلي مهتم بالمرور عبره لاختصار المسافة والكلفة. وبالتالي، التفاوض اليوم على الشكل التالي: لبنان يأخذ حقل قانا كاملاً ويسير في خط متعرج اما يصل الى خط هوف أو الى الخط 23. ونتيجة كل ما حصل من عراضات ومفاوضات ومسيرات وفيديوهات، هي إجبار الشركات الأجنبية على التنقيب في البلوكات اللبنانية. هذا هو المكسب الوحيد للبنان الذي تنازل بما فيه الكفاية لصالح العدو الاسرائيلي لأننا لم ننطلق من الخط 29 في التفاوض”.

وأشار الى أن “الخلاف لا يزال اليوم على حصة اسرائيل وحصة لبنان من البلوك رقم 8 والبلوك رقم 5 بمعنى على كيفية مرور الخط المتعرج والى أين سيصل الى خط هوف أو الى الخط 23، اضافة الى مطلب لبنان أن تكون لديه ضمانة التي هي الوسيط الأميركي بأن تأتي الشركات وتبدأ بالتنقيب”، مؤكداً أنه “لن تكون هناك حرب جراء ملف الترسيم الذي بات في خواتيمه، وما يجري اليوم إخراج لمسرحية ترسيم الحدود خصوصاً أن المسؤولين عن الملف يعلمون بما يحمل هوكشتاين في جعبته قبل زيارته لبيروت”. وتساءل: “من هم أصحاب الاختصاص في الترسيم؟ أليس الوفد التقني في الجيش اللبناني؟ أين هم من الاجتماع الذي حصل في بعبدا ومن هذا التفاوض؟”، معتبراً أن “هذا يعني كف يد الجيش وأن الترسيم سياسي وليس ترسيماً تقنياً وقانونياً. وفي حال جرى التفاوض في الناقورة، فيكون مجرد إخراج لمسرحية الترسيم طالما أن التوافق جرى بين السياسيين”.

شارك المقال