ماذا لو رُفعت الحصانات أو كان تحقيق دولي؟

ميرنا سرور
ميرنا سرور

تحلّ الذكرى الثانية لانفجار مرفأ بيروت على اللبنانيين لتحملهم من جديد الى ساعات الحزن والألم والغضب الأولى. وفي التوليفة المعقّدة والمركبة من المشاعر التي عاشوها منذ الرابع من آب 2020 حتى اليوم، لعلّ الشعور الأبرز هو الخيبة، يليها الغضب، إذ أننا وبعد مرور عامين نقف باكين على الأطلال، عاجزين عن رفع إصبع الاتهام في وجه أيٍ كان، ذلك أن التحقيق الذي وعد رئيس الجمهورية ميشال عون بأن يصل الى الحقيقة في غضون 4 أيام يراوح مكانه حتى اليوم، وهو كسواه من الأمور المصيرية في هذا البلد ضحيّةُ التعطيل حيناً والمناكفات السياسية أحياناً.

ما آل إليه التحقيق في جريمةٍ كهذه ليس محل استغراب في لبنان، فقد اعتدنا ألا تصل القضايا المحالة على المجلس العدلي الى أي مكان، ونذكر على سبيل المثال جرائم اغتيال كمال جنبلاط، رينيه معوّض، المفتي حسن خالد، وليد عيدو، سمير قصير، جبران تويني، جورج حاوي، بيار الجميل، أنطوان غانم، فرانسوا الحاج، محمد شطح، وسام الحسن ووسام عيد، وكذلك قضية تغييب الامام موسى الصدر وجريمة تفجير مسجدي التقوى والسلام، والعشرات غيرها.

الرئيس سعد الحريري سارع الى المطالبة بتحقيق دولي منذ اللحظة الأولى لوقوع الجريمة، ذلك أنّه أدرك باكراً أن إحالتها على المجلس العدلي تعني حتماً أن لا حقّ ولا عدالة لأي من الضحايا، لا الشهداء منهم ولا الأحياء. ومن الجهة المقابلة، رأى الحريري أن سلوك التحقيق مساراً دولياً سيكشف الحقيقة حكماً، فالتحقيق الدولي في جريمة اغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري وصل الى الحقيقة بتفاصيلها وبالأسماء، وأدان فردين منتميين الى “حزب الله” بالوثائق والأدلّة. هذا ما أراده الحريري، وما يريده اليوم اللبنانيون جميعهم.

وحين لم يبصر طرح التحقيق الدولي النور، وراحت الاستنسابية في التحقيق تفعل فعلها، طرح الحريري وكتلته النيابية تعليق كل المواد الدستورية والقانونية التي تمنح حصانة أو أصولاً خاصة بالمحاكمات، لرئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، والوزراء، والنواب، والقضاة، والموظفين وحتى المحامين، لضمان حسن سير التحقيق، وعّلل الحريري طرحه حينها بالقول: “عندما تمر الدول بأزمات كبرى، أو تشهد جريمة بحجم جريمة مرفأ بيروت، التي تمّ تصنيفها ثالث أكبر انفجار في تاريخ العالم، على الدول، وعلى القوى السياسية فيها، أن تأخد قرارات استثنائية بحجم الجريمة”.

وحينها، حاولت كتلة “المستقبل” أن تحشد الدعم النيابي فجال وفدٌ منها على الكتل النيابية حاملاً عريضة تعديل الدستور لتعليق الحصانات بغية تسهيل التحقيق. حظيت الكتلة يومها بدعم رئيس مجلس النواب نبيه برّي وكتلة “التنمية والتحرير” و”اللقاء الديموقراطي”، فيما رفض البعض الآخر الاقتراح، وعلى رأسه “التيار الوطني الحر” لرفضه رفع الحصانة عن رئيس الجمهورية.

النائب السابق نزيه نجم، وفي حديث لـ”لبنان الكبير”، ذكّر بطرحي “المستقبل”، معتبراً أن من عرقلهما هو نفسه من يعرقل التحقيق اليوم.

وعن إمكان توجيه أصابع الإتهام الى أي فردٍ أو طرف، أكد أنه “طالما لم يصل التحقيق الى نتيجة لا يمكننا توجيه الاتهامات تفادياً للظلم والإفتراء، إلّا أن كبار القوم هم من يتحملون المسؤولية الأكبر”.

وجدّد نجم الدعوة الى إجراء تحقيق دولي في الجريمة، قائلاً: “مرّ عامان من دون أن نصل إلى أي نتيجة، لذا لا نزال نرى في التحقيق الدولي سبيلاً للوصول الى الحقيقة”.

أيٌّ من الاقتراحين لم يبصر النور، وإذ بنا بعد عامين على الجريمة نقف محبطين ومجرّدين من أي عدالة أو حقيقة نقدّمها للشهداء والمتضررين بل وللأمّة الانسانية جمعاء، بيد أن هذا الواقع كان ليتغير حتماً لو أن تحقيقاً دولياً أجري منذ اللحظات الأولى، أو لو أن الحصانات رُفعت من دون أن تتحول الخطوط الحمر حاجزاً بين الضحايا والعدالة.

شارك المقال