انفجار المرفأ بين العرقلة والرسائل الأممية… إلى النسيان؟

هيام طوق
هيام طوق

صحيح ان معرفة الحقيقة في انفجار مرفأ بيروت لن تعيد الضحايا الى أحبائهم، ولن تشفي المصابين الذين لا يزال بعضهم يعاني في المستشفيات بين الحياة والموت، لكن على الأقل تبرّد قلوب الأهالي التي تشتعل بسبب فقدان أحبائهم من جهة وبسبب طمس الحقيقة من جهة ثانية، ويحزّ في قلوبهم أن تذهب الدماء التي سالت في قلب العاصمة في الرابع من آب 2020 هدراً ورخيصة ومن دون أي مبرر، وأن لا ينال المرتكب عقابه، ويصبح مبدأ الافلات من العقاب في الجرائم الخطيرة من الثقافات المسلم بها في المجتمع .

أهالي الضحايا يؤكدون انهم لن يكلّوا ولن يملّوا من متابعة ملف التحقيق في الانفجار حتى النهاية، وسيضغطون في كل الاتجاهات لعدم تمييعه ووضعه على رفوف النسيان، وهم يعلمون ان مسارهم طويل وتعترضه الكثير من العراقيل، لكنهم لن يتراجعوا عن قضيتهم مهما كلّفهم الأمر. وعلى الرغم من اقتناعهم ان التدخلات السياسية تشلّ عمل القضاء اللبناني إلا انهم يعوّلون على القضاة الشرفاء الذين سيتابعون مسيرة كشف الحقيقة مع العلم ان الاهالي أعدّوا عريضة أو رسالة رسمية الى مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، يطالبون فيها بتشكيل لجنة تحقيق دولية، تتولى المهمة في انفجار المرفأ إذ كشف شقيق أحد الضحايا لـ “لبنان الكبير” انهم سيحاولون الحصول على موعد مع الامين العام للأمم المتحدة وتسليمه الرسالة بشكل مباشر، وإخباره تفاصيل ما يحصل على صعيد التحقيق في لبنان.

وفي حين وقع نوّاب “الكتائب اللبنانية” على الرسالة، تقدم تكتل “الجمهورية القوية” بعريضة رسمية الى مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة بهدف تشكيل لجنة تقصي حقائق دولية تعمل على مساعدة التحقيق اللبناني في جريمة انفجار المرفأ، ويجول نواب التكتل على عدد من السفارات لتسليمها نسخة عن المذكرة وطلب دعم دولهم.

اما البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، فأكد خلال ترؤسه قداساً لراحة نفس ضحايا الانفجار على انه “لا يحقّ للدولة أن تمتنع عن إجراء تحقيقٍ محلي وتُعرقل في المقابل إجراء تحقيقٍ دولي”.

وفي هذا الاطار، أشار أحد كبار القانونيين لموقع ” لبنان الكبير” الى ان السلطة أبقت التحقيق بين يدي القضاء اللبناني المشرذم وبين الأجهزة الامنية ذات الامكانات المحدودة. كان يجب منذ البداية اللجوء الى لجنة تقصي حقائق دولية للوصول الى نتائج علمية في أقرب وقت ممكن بحيث ان اللجنة لا تعترضها الحصانات أو استخدام حق التقاضي لشل حركة المحقق العدلي. جربنا القضاء اللبناني والاجهزة الامنية والطبقة السياسية، لكنهم جميعهم لم يعطوا أي نتيجة، والحقيقة لن تظهر الا من خلال تحقيق دولي. والمطالبة اليوم ليست بالمحاكمة امام المراجع الدولية انما الاستعانة بلجنة تحقيق دولية تكون كل الادلة متوافرة لديها. وهنا لا بد من الأسئلة: أين المجتمع الدولي من انفجار المرفأ؟ ولماذا لم يزوّد القضاء اللبناني بصور الاقمار الاصطناعية اذ من يقتنع بمقولة انه لا يوجد أي قمر اصطناعي التقط الصور للحظة الانفجار؟.

وأشارت النائب غادة أيوب الى ان “المجتمع الدولي لا يتدخل في ظل وجود القضاء اللبناني الذي يتابع قضية انفجار المرفأ، لكن نحن كتكتل عندما رأينا ان كل الابواب أغلقت في وجه التحقيق، قررنا رفع عريضة الى مجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة لدفعه الى انشاء لجنة تقصي حقائق تنظر بانتهاكات حق الحياة وحق التعويض لأن من حق أهالي الضحايا والمتضررين أن يتم التعويض عليهم بمحاكمة عادلة ومن خلال إنزال العقاب بالمرتكبين”.

وأوضحت ان “هناك وسائل عدة لرفع الشكاوى والانتهاكات الى الامم المتحدة: اما عبر مجلس حقوق الانسان من خلال تقديم عريضة له موقعة من قبل تكتل نيابي ومن الاهالي والمجتمع المدني وجمعيات تعنى بحقوق الانسان اذ ان هذا المجلس مؤلف من 47 دولة وأي دولة من هذه الدول تتبنى المشروع، تلجأ الى انشاء لجنة تقصّي حقائق ثم تقدم تقريرها فيما بعد الى الامم المتحدة. أما الوسيلة الاخرى، فتتطلب من الحكومة اللبنانية تقديم طلب الى مجلس الامن لإنشاء محكمة دولية أو لجنة تقصي حقائق دولية. وبالتالي، المسار الذي نتبعه موجود ضمن الوسائل الدولية لمخاطبة المجتمع الدولي عبر مجلس حقوق الانسان وهو أمر ملحوظ لأنه منذ تأسيسه حتى اليوم، نتجت عنه الكثير من لجان تقصي الحقائق، وتوصلت الى تقديم التقارير ووضع النقاط على الحروف في الانتهاكات التي حصلت. انه مسار طبيعي ضمن الوسائل القانونية المتاحة في الامم المتحدة. ونحن بدأنا جولة على السفارات لتجييش الرأي العام الدولي لمواكبتنا في هذه العريضة”.

ورأت انه “قبل ان نسأل عن صور الاقمار الاصطناعية، يجب ان نسأل عن العرقلة وطمس الحقائق التي تبدأ من لبنان وكأن هناك قرارا بتمييع الحقيقة ووضع هذه الجريمة في جوارير النسيان، كما حصل مع كل الجرائم السابقة. نتمنى تحقيق العدالة في هذه القضية، ليعود الامل للأهالي، وتعود الثقة بلبنان وبدولة القانون”.

من جهته، أكد رئيس مركز “ليبرتي للدراسات القانونية والإستراتيجية” محمد زكور ان “المجتمع الدولي لم ولن يأبه يوما للبنان انما يتحرك وفق مصالحه. الدول تبيع بعضها المواقف وتتبادل المصالح، حتى لو كان على حساب أكبر الجرائم. صحيح اننا شاهدنا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عقب الانفجار في بيروت، لكن يجب الا ننسى ان فرنسا تريد أن تدخل بوابة الشرق الاوسط من بوابة لبنان للحصول على غاز المتوسط. لا يجب أن نأمل ونطمح وننتظر من المجتمع الدولي أن يحقق لنا العدالة التي يجب أن نحققها بأيدينا”.

ولفت الى ان “هناك من ينادي بلجنة تقصي حقائق دولية، فهذا أمر مدعاة للسخرية لأن لجنة التحقيق الخاصة يأتي دورها عقب وقوع الانفجار أو الجريمة مباشرة، واليوم قد مضى على الانفجار سنتين، وأي آثار ستتقصّاها اللجنة وأي تحريات ودراسات فنية، وتم العبث بساحة الجريمة على مدى سنتين. ان كان يجب ان تعيّن لجنة تحقيق خاصة، كان ذلك يجب ان يكون بعد الانفجار مباشرة وليس اليوم. أما أولئك الذين يسألون عن مسوحات وصور الاقمار الاصطناعية التي من الممكن ان تجزم ان كان الانفجار قد حصل بفعل فاعل أو باعتداء عسكري. فنقول في هذا الإطار ان الدول تتحرك وفق أجنداتها ومصالحها الخاصة. والواضح ان أجنداتها اليوم لا تتواءم مع كشف الحقائق في انفجار المرفأ وربما يوما ما، يصبح كشف الحقيقة مناسبا لمصالحها.”

وفيما يتعلق ببعض المحامين الذين يعدّون العرائض والرسائل الى الامم المتحدة، نقول لهم: “كفاكم شعبوية يا من تدّعون الغيرة والحرص على الضحايا. كفاكم شعبوية واتجار بالقضية وبدم البشر. وهنا نسألكم: هل تستطيع الامم المتحدة ان تنتهك سيادة الدول وتفرض على لبنان أو على غيره تحقيقا ما أو عدالة ما؟ هل تُخاطب الامم المتحدة عبر عرائض أو رسائل؟ فلنذهب الى الحل الحقيقي الذي يقضي بتعديل المواد المتعلقة بمحاكمة القضاة والرؤساء والوزراء، وغير ذلك ليس هناك من حل. الدول ومجلس الأمن لا يتحركان الا بناء على قرارات أممية تتطلب في مجلس الامن على سبيل المثال التصويت بأكثرية 9 أعضاء من أصل 15 عضوا وعدم وجود أي فيتو من أي دولة. لن يصدق أحد ان الامم المتحدة ستأخذ بعين الاعتبار بعض العرائض التي تكتب. كنا نتمنى لو كان بالإمكان ذلك، لكن هذا مستحيل”.

شارك المقال