التشكيل أو التعويم… مقدمة لفراغ رئاسي؟

هيام طوق
هيام طوق

لا شك أن اللقاء بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي تجاوز كسر الجليد بين الرجلين بعد قطيعة طويلة، تخللتها حرب بيانات متبادلة، وحملات سياسية عنيفة، خصوصاً أنه تم التشاور في تشكيلة حكومية قد تكون مقبولة من الطرفين، بحيث أكدت مصادر مطلعة لـ”لبنان الكبير” أن الأجواء كانت ودية وايجابية، وأن الليونة كانت طاغية على المحادثات والنقاشات.

وفيما ينتظر أن يقوم الرئيس المكلف بزيارة أخرى الى بعبدا لاستكمال البحث في الملف الحكومي، تعددت المعلومات حول الاقتراحات الحكومية فتحدث البعض منها عن اقتراح ميقاتي ابقاء الحكومة الحالية على ما هي عليه باستثناء تغيير وزيري المهجرين والاقتصاد عصام شرف الدين وأمين سلام من دون التطرق لا من قريب ولا من بعيد الى أسماء وزيري الصحة فراس الأبيض والخارجية عبد الله بوحبيب كما تردد، ولن يلحقهما أي تعديل. في حين أشارت رواية أخرى الى أن رئيس الجمهورية اقترح توسيع التشكيلة، وتطويرها وتضمينها أسماء معينة في بعض الوزارات “الدسمة” تحسباً للفراغ الرئاسي المحتمل .

وتتضارب المعطيات حول الأسباب التي أدت الى هذه الاستفاقة المفاجئة للتأليف، اذ أن مصدراً سياسياً تخوف عبر “لبنان الكبير” من أن تكون تخفي في طياتها فراغاً رئاسياً طويل الأمد على الرغم من أن الاستحقاق الحكومي دستوري ويجب أن تكون الحكومة قد تشكلت منذ التكليف لأن وضع البلد لا يسمح بالمراوغة، لكن هناك علامات استفهام تطرح هنا: هل تعرض الرئيسان لضغوط ما؟ ما مدى تأثير دعوة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير إلى تشكيل حكومة مكتملة الصلاحية، وأن هناك من يتهددنا بالفراغ الرئاسي؟ هل “حزب الله” متخوف من عدم اخلاء القصر الجمهوري في حال تعذر انتخاب رئيس جديد خصوصاً أن رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل لمح خلال أكثر من مناسبة الى هذا السيناريو؟

وبغض النظر عن الأجواء المتفائلة بالتأليف، والأخرى المتشائمة في هذا الاطار، وبعيداً عن الاجتهادات الدستورية التي ستطلق في حال تعثر التشكيل، فإن المراقبين للوضع القائم، يؤكدون أنه في حال تشكلت حكومة كاملة الصلاحيات أو لم تتشكل في ظل الحديث عن إصدار مراسيم جديدة يوقع عليها عون وميقاتي لتعويم الحكومة الحالية وتوسيع صلاحياتها، يعني أن البلد متجه نحو فراغ رئاسي حكماً الا اذا استجد أي أمر يمكن أن يفرض رئيساً متفقاً عليه في الخارج.

وبالتالي، هل الحركة المستجدة على صعيد التشكيل الحكومي عشية بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية هي مقدمة لفراغ رئاسي بات المسؤولون شبه واثقين من أنه حاصل؟

من الناحية القانونية، قال الخبير الدستوري سعيد مالك لـ “لبنان الكبير”: “اما أن تكون هناك حكومة مؤلفة وتصدر مراسيم تشكيلها واما أن لا تؤلف حكومة وتبقى الحكومة الحالية حكومة تصريف أعمال لأنه مبدئياً لا يمكن تفعيل أي حكومة الا بثقة مجلس النواب. كي تعود الحكومة الى المثول أمام المجلس النيابي يقتضي اصدار مراسيم بهذه التشكيلة وطلب الثقة من مجلس النواب على أساس بيان وزاري جديد، لكن أن يصار الى توقيع مرسوم بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة من أجل تفعيل حكومة من دون العودة الى مجلس النواب لأخذ الثقة منه، هذا أمر لا يجوز في الدستور”.

وأوضح أن “حكومة تصريف الأعمال باستطاعتها أن تتسلم ويجب أن تتسلم مهام رئيس الجمهورية بعد انتهاء الولاية. نص المادة 62 واضح، وبالتالي، لا اجتهاد في معرض النص، وطالما النص لم يحظر أصبح يبيح مما يفيد أن حكومة الرئيس ميقاتي بعد انتهاء ولاية الرئيس عون تناط بها صلاحيات الرئيس وكالة حتى انتخاب رئيس جديد”، مشيراً الى أن “مهام الحكومة الحالية ضيقة ومحصورة، لكن هذا شيء وانتقال صلاحيات رئيس الجمهورية اليها شيء آخر بمعنى أن صلاحياتها كحكومة تبقى مقيدة، ولو بعد انتهاء ولاية الرئيس عون، ضمن اطار التصريف بالحد الأدنى وبالمعنى الضيق، لكن هذا لا يؤثر على انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية لها التي تمارسها أيضاً ضمن اطار المفهوم الضيق لتصريف الأعمال”.

أما النائب سجيع عطية، فأكد أن “البلد، وفق المعطيات الداخلية والخارجية، متجه نحو الفراغ على مستوى الرئاسة الأولى خصوصاً أن المجلس النيابي مقسوم الى نصفين متوازيين غير متوافقين، كما أن الجو الاقليمي غير مساعد بحيث أنه ما من دولة مدت يد المساعدة على هذا الصعيد. لبنان تعود في الأزمات والاستحقاقات الكبرى أن يتكل على من يسهّل أموره، لكن الى اليوم، كل المؤشرات والتحركات تقول اننا ذاهبون الى الفراغ، ولا مسعى الى التوافق على شخصية وطنية جامعة”.

وسأل النائب أسعد درغام: “لماذا كل هذه التأويلات والشائعات؟ أليس من الطبيعي أن تكون هناك حكومة خصوصاً أن بانتظارنا استحقاقات كبرى؟”، مشدداً على أن “التشكيل لا يحل محل الانتخابات الرئاسية وليس مقدمة لفراغ منتظر. الاستحقاق الحكومي دستوري، ويجب أن ينجز، وفي حال تعثر انتخاب الرئيس أو تأخر، فإن الحكومة تكون جاهزة لمواكبة الملفات الاصلاحية”. واعتبر أن ” الاستحقاق الرئاسي سيحصل في موعده وما من أجواء الى اليوم تشير الى أنه لن يتم. لا يجوز الحكم على النوايا، واستباق الأمور”.

وأكد أن “كل ما يقال عن فبركات لبقاء رئيس الجمهورية في القصر بعد نهاية ولايته غير صحيح وغير دقيق، والرئيس لن يبقى دقيقة واحدة في بعبدا بعد انتهاء ولايته، وهو يحترم الدستور، وملتزم بمضمونه”، لافتاً الى أن “مصلحتنا جميعاً أن تكون هناك حكومة كاملة الصلاحيات وليس لأهداف يتم الحديث عنها”.

ولم يربط السياسي توفيق الهندي ما يجري على الصعيد الحكومي بالفراغ الرئاسي بل ربطه بموقف “حزب الله” من اسرائيل في المعادلة التي وضعها في ملف الترسيم البحري لناحية اما الاستخراج للبلدين أو لا استخراج”، معتبراً أنه “اذا تمكن من ربح هذا الرهان، فيمكنه فرض الرئيس الذي يريد، ولا يحصل الفراغ. وهذا ليس مستحيلاً خصوصاً في ظل العطش الأوروبي الى الغاز وعدم قدرة اسرائيل على التصدي للصواريخ والمسيرات. ليست القضية لعبة برلمانية انما قضية ميزان قوى”.

وأشار الى أن “الحزب يدعو الى تشكيل حكومة ليزيل المسؤولية عنه، وليقول للخارج والداخل ان التعطيل ليس من عنده. فهو يجيد المناورة التكتيكية، وليس كل ما يقوله في العلن يقصده، فعلى سبيل المثال، هل يمكن أن نعرف من هو خياره للرئاسة؟”.

شارك المقال