واشنطن وضرورة تهدئة التوترات مع الصين

حسناء بو حرفوش

سلط مقال في موقع “ذا كونفرسايشن” (Theconversation) الالكتروني الضوء على ضرورة عمل الولايات المتحدة على التخفيف من حدة التوترات مع الصين على خلفية الزيارة الأخيرة لرئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، إلى تايوان، على الرغم من التهديدات التي ألمحت إليها الصين.

ولفت المقال إلى إطلاق الصين أكبر مناورات عسكرية بالقرب من جزيرة تايوان، بعيد تلك الزيارة، في سيناريو يحاكي حملة هجوم على جزيرة في المجال الجوي وفي المياه وفقاً للجيش الصيني. واستمرت التدريبات على الرغم من الإصرار على إنهائها في 7 آب، حسب تقرير الجيش كما أطلقت البروباغاندا الصينية التي تهدف إلى تقويض المعنويات في تايوان وزيادة الضغط على واشنطن بشأن مسألة السيادة الصينية. وفي المقلب الآخر، لم تتخل الولايات المتحدة عن نهجها تجاه تايوان والذي ينطوي على “الغموض الاستراتيجي” من ضمن أهم العناصر. وتؤكد النظرية أنّ الولايات المتحدة ستساعد في بناء القدرات العسكرية لتايوان، من دون أننـن تمنح أي ضمانات تتعلق بتقديم الدعم العسكري المباشر رداً على أي هجوم عسكري من الصين. ومع ذلك، ركزت واشنطن على مدار العقد الماضي، على دعم تايوان على قاعدة الارتفاع في حدة التصرفات الصينية الحازمة.

واتخذت الولايات المتحدة مجموعة من الاجراءات لتوثيق العلاقات غير الرسمية بين واشنطن وتايبيه، ومن ضمنها قانون السفر التايواني (2018) الذي يتيح التبادلات غير الرسمية بين المسؤولين الأميركيين والتايوانيين وقانون تايوان لعام 2019 الذي يتيح بيع عدّة حزم من الأسلحة. كما واصلت إدارة الرئيس جو بايدن الحفاظ على تقديم الدعم الكبير لتايوان من خلال مبيعات الأسلحة العسكرية والتدريبات وتعزيز التبادلات الرسمية والسعي الى إدراجها في الاتفاقية الأمنية “إثنين زائد إثنين” بين الولايات المتحدة واليابان. وصرّح الرئيس الأميركي في أيار2022، برغبة الولايات المتحدة في الدفاع عن تايوان في حال تعرضت للهجوم، ولكنه بذلك بدا وكأنه ينتهك “الغموض الاستراتيجي”. وسرعان ما أتى تعديل الموقف برد الادارة الاميركية على تصريحات بايدن والتأكيد على أن سياسة الولايات المتحدة الخاصة بأمن تايوان، لم تلحقها أي تعديلات.

وعلى الرغم من تمسك إدارة بايدن بتعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة وتايوان، لم تدعم زيارة بيلوسي إلى تايبيه تفادياً لتصعيد التوتر المحتمل مع بكين. ولاقت زيارة بيلوسي ردود فعل متباينة في الصحافة الأميركية، حيث وصفها بعض المعلقين البارزين بـ “غير الحكيمة” لما أثارته من توتر لا لزوم له في علاقة إستراتيجية معقدة بينما كان الأجدى بالولايات المتحدة التعامل مع أزمة الغزو الأوكراني. ولكن الخوف من أن تؤدي التدريبات العسكرية الصينية الى مواجهة عسكرية بين الصين والولايات المتحدة في غير موضعه، ويسعى الطرفان في الأصل الى تجنب الإنزلاق لهذا الوضع.

وتحاول الصين إرسال إشارة قوية إلى حكومة الولايات المتحدة لعكس قراءتها لتصرفات واشنطن التي تضعها في إطار “إضمحلال” السياسات المتفق عليها تجاه تايوان، وفي الوقت نفسه، تسعى من خلال عرض للجيش الى إظهار القوة الداخلية للجمهور المحلي. وفي حين أنّ إدارة بايدن وبّخت الصين على أفعالها غير المقبولة، وسّعت الأخيرة مناوراتها العسكرية ووضعتها في خانة “التحذير للولايات المتحدة”. كما علقت التعاون مع الولايات المتحدة بشأن بعض القضايا كالتغيّر المناخي على سبيل المثال، مما يوضح أن الإشارات التي ترسلها لا تستهدف في المقام الأول تايبيه بل واشنطن.

ومن غير المحتمل أن تتخلى إدارة بايدن عن سياستها تجاه الصين، إلّا أنّ مفهوم “الغموض الاستراتيجي” يتعرض للكثير من الضغط في ظل رغبة الولايات المتحدة بردع الصين عن إعادة ضم تايوان بالقوة. ولا شك أن الأحزاب السياسية في تايوان راضية على ما يبدو عن الحفاظ على الوضع الراهن. وعلي النقيض من ذلك، تنبئ سياسات الصين الحازمة تجاه تايوان باحتمال حدوث أزمات مستقبلية في المضيق. كما قد تتصاعد الأزمة لتترجم بغزو تايوان في حال رأى قادة الصين أن احتمال تدخل الولايات المتحدة عسكرياً بصورة مباشرة، ليس مرجحاً مما يهدد بنشوب حرب أوسع تشمل الصين والولايات المتحدة وسواها وتنذر بعواقب وخيمة تطال جميع الأطراف. لذلك، لا بد من أن تركز واشنطن من ضمن أولوياتها على تطوير إطار عمل أكثر متانة لادارة الأزمات وتجنب الصراع، وإيجاد الطرق الأمثل للتقليل من حدّة التوترات”.

شارك المقال