لو انتخب ميشال معوض…

جورج حايك
جورج حايك

لن ندخل في تفاصيل الجلسة الانتخابية التي فشل فيها المجلس النيابي في انتخاب رئيس للجمهورية، لكن ما هو واضح أن المعارضة المتمثلة في الأحزاب والشخصيات السيادية أرادت فعلاً الانتخابات، عكس الفريق الآخر، ودخلت إلى الجلسة بمرشح معروف هو ميشال معوض إبن رئيس الجمهورية الشهيد رينيه معوض، وهذا يعني الكثير سياسياً ووطنياً!.

بصرف النظر عن الأصوات التي نالها معوض أي 36 صوتاً، ولو نال أصواتاً كافية وانتخب رئيساً لكانت للأمر رمزية سياسية ووطنية عميقة، تتمثل في النقاط التالية:

أولاً، هو إبن أول رئيس للجمهورية الثانية أي بعد التوقيع على اتفاق الطائف، وهذا ما هو مطلوب لأن معوض يحمل مشروع والده الذي يريد إعادة الاعتبار الى هذا الاتفاق الذي لم يطبّق حتى اليوم، أولاً بسبب الاحتلال السوري بين عامي 1990 و2005، وثانياً بسبب هيمنة “حزب الله” على قرار الدولة اللبنانية منذ 2006 وحتى اليوم.

لا شك في أن ميشال يتمتع إلى حدّ كبير بصفات والده، إذ يكرّس نفسه شيئاً فشيئاً زعيماً وطنياً شهابياً علمانياً معتدلاً منفتحاً على الجميع، ولا يعني انتخابه من الأحزاب السيادية أي “القوات اللبنانية” و”الكتائب” و”الوطنيين الأحرار” والحزب “التقدمي الاشتراكي” وبعض الأصوات السّنية، أنه يمثّل فريقاً واحداً، بل يشكل وضعية رئاسية لها جذور ضاربة في صميم الواقع السياسي اللبناني. صحيح أنه ينطلق من بيئة سيادية، لكن قادر على التواصل مع الجميع، من خلفية التزامه باتفاق الطائف، الذي من المفترض أن يكون الدستور الذي تعمل كل المكوّنات السياسية والطائفية تحت مظلته وحتى إشعار آخر.

ولا نستطيع أن نفهم ذهنيّة ميشال من دون العودة إلى ذهنية الرئيس رينيه معوض الذي لم يكن رمزاً لعصبية طائفية ولا قائداً جماهيرياً يعزف للناس لينتزع منهم التصفيق. كان رجل الثوابت اللبنانية يحملها بصبر، وكان يحفر الجبل بإبرة، لم تكن شجاعته استعراضية لكنها كانت حاضرة، اعتداله لم يوصله الى التفريط بما آمن به بل الى محاولة تحصين جوهر قناعاته.

الرهان على الدولة كان رهانه الكبير. الدولة التي تذهب الى الناس في ورشة الانماء المتوازن. كان رينيه معوض مشروع مصالحة بشخصه، وبالحل الذي أوصله إلى الرئاسة. كان صلة الوصل ومنتصف الطريق بين اللبنانيين أنفسهم.
لم يكن رينيه معوض سيفاً لطائفته بل كان العقل الهادئ الذي يسعى الى تجنيبها الظلم، وظلم سيوف الآخرين. لم تكن عنده ميليشيا على خطوط التماس، ولا قائد يأمر بإشعالها، ولم يغرق في لعبة الدم، كان اللبناني الشهابي العتيق. كان ابن زغرتا المدينة اللبنانية التي لا تعترّف بقطع شرايين الوطن، ولا تسلم بإغلاق النوافذ. فهذا الشمالي الزغرتاوي كان ابن 10452 كلم مربع بحدوده الكاملة. منذ اغتيال معوض وهو اغتيال سياسي بامتياز، اغتيل “الطائف” ومشروع المصالحة الوطنية والوفاق، وعدنا إلى زمن الحرب من دون مدافع وصواريخ!.

وعى الإبن ميشال على هذا الإرث الذي تركه والده، وأحسن حمله منظماً حزب “حركة الاستقلال”، و”مؤسسة رينيه معوض”، وزعامة زغرتاوية مع قاعدة جماهيرية لا بأس بها، لكن أكثر ما بقي في ذهن ميشال هو اتفاق الطائف “المشلّع”، والمؤسف أن الذين امتنعوا عن التصويت لميشال في الجلسة السابقة، أظهروا لامبالاتهم باتفاق الطائف سواء كانوا في المعارضة أو الموالاة.

ثانياً، يُعتبر ميشال معوض جزءاً لا يتجزأ من مشروع 14 آذار الذي لا يزال موجوداً بروح الشعب التائق إلى دولة حرة، سيّدة ومستقلة، فهو خاض النضال في تجمّع قرنة شهوان تحت مظلة البطريرك الماروني الراحل مار نصر الله بطرس صفير.

وكانت له مشاركة فاعلة في ثورة الأرز عام 2005 ضد نظام الوصاية، أي حين سقطت المعادلة التي اغتالت رينيه معوّض واستهدفت اتّفاق الطائف. ولو انتخب يوم الخميس الفائت لكان يعني ذلك إحياء مشروع العبور الى الدولة العلية السيّدة الحرة والمستقلة الذي أجهِضت مفاعيله بالإرهاب وقوّة السلاح.

ثالثاً، لو انتخب معوض لكان اعتمد سياسة تحييد لبنان المشروع الذي ينادي به البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، علماً أن لبنان دفع ثمناً باهظاً منذ العام 1969 نتيجة تدخّل أنظمة العسكريتاريا بشؤونه الداخلية مثل سوريا وايران واستهدافهما للنموذج اللبناني الديموقراطي.

رابعاً، لو انتخب معوض لكان سيعمل على مواجهة تسليح الميليشيات ودعم الارهاب والبؤر الأمنية في وجه الدولة، وانتهاك السيادة كما مارسها النظامان السوري والايراني.

خامساً، لو انتخب معوض لكان سيعيد لبنان إلى الساحة الدولية من الباب الواسع عبر التزامه الشرعيتين العربية والدولية، أي العودة إلى لبنان وطن الرسالة المتفاعل مع محيطه العربي والمنفتح على الغرب.

سادساً، كثر لا يعلمون أن ميشال معوض اصلاحيّ بالدرجة الأولى، ومتحدر من المدرسة الشهابية التي تؤمن بالمؤسسات ولا تتساهل مع الفساد، وخلفيته إنسانية – اجتماعية، انطلق من صفوف الشباب ويعرف وجع الناس انطلاقاً من ادارته لـ “مؤسسة رينيه معوض” ومطلع على تفاصيل متطلباتهم المعيشية والتنموية وواقعهم الميداني الذي يرزح تحت وطأة الإهمال والحرمان المزمن. وانتخابه لو حصل لكان سيحدث انتفاضة إصلاحية لبناء الوطن المرتجى وتحرير لقمة العيش، حتماً ليس بمفرده انما مع حكومة منتجة ومجلس نيابي يتولى دوره التشريعي والرقابي، فمن المستحيل أن يقوم أي رئيس بورشة اصلاح وحده من دون تجمّع أصحاب النيّات الطيبة معه.

المؤسف أن “حزب الله” وحلفاءه لا يريدون ميشال معوض أو أي رئيس يشبهه بالتصميم على بناء مشروع الدولة الذي يشكل الضمانة لكل مواطن يريد العيش في سلام تحت سقف القانون الذي يحقِّق المساواة والاستقرار والازدهار.

وربما تكون مبررات “حزب الله” وحلفائه مفهومة لرفضهم معوض، لكن ما لا نفهمه هو رفض النواب التغييريين وبعض النواب السنّة له. فالرجل واضح وقويّ ومستقيم وانقاذي ويريد تطبيق القانون والدستور، لأن عكس ذلك يعني رئيساً توافقياً أو وسطياً، هم يسمونه “خارج الاصطفافات”، فهل يا ترى شخصية “الرئيس” الذي يريده التغييريون ستتمكن من العمل عكس توجهات “حزب الله”؟ وهل يتمكّن من اقناع “الحزب” بمسار مغاير يحدث تغييراً جذريّاً ويكسر الممارسة الحاصلة اليوم؟ فالمرحلة لا تحتمل “حلولاً وتسويات خنفشارية” ولا تتطلب رئيس جمهورية تكنوقراط لأنّ الرئيس عليه أن يكون قويّاً وقادراً على اتخاذ قرارات سياسية.

رفض التغييريين وبعض النواب الآخرين لمعوض مريب ويضعهم في وضعية مشبوهة، تخدم الفريق الممانع، بل ان غرورهم وبقاءهم فوق الشجرة يُضعف المعارضة ويُبطل الرهان على أي تعاون مع بعض هذه المكونات مستقبلاً، بعدما أظهرت الوقائع أنّ مَن يدّعون التغيير ليسوا تغييريين بل اما يبحثون عن مصالحهم أو يكبحهم الخوف من سلاح “الحزب”!.

ومن يظن أن معوّض يعتبر مرشحاً للتحدي، وقد يأخد لبنان إلى حرب أهلية، فهو لا يعرفه جيداً، لأنه رجل عقلاني ويتمتع بالحكمة والهدوء، ويُدرك مسبقاً أن مسألة حل سلاح “الحزب” لا تحصل بالقوة والعنف، بل بالحوار فقط.

أما المكوِّن الدولي الذي كان شديد الوضوح في بيانه الثلاثي الصادر عن واشنطن وباريس والرياض، فانّ المدخل لتقديم الدعم العربي والدولي المنشود للبنان يرتكز على انتخاب رئيس للجمهورية يلتزم باتفاق الطائف والقرارات الدولية والاصلاحات المطلوبة، ولا يمكن أن يكون ضد مرشح كميشال معوض.

مخطئون جداً من يروّجون بأن إسم ميشال معوض احترق، وإن تم اختيار أي مرشح آخر لن يكون أقل منه من حيث المواصفات، علماً أن لا “حزب الله” ولا غيره سيتمكن من إعادة عقارب الساعة إلى زمن الحرب، ويُخطئ إذا اعتقد أنّ بإمكانه حرف أنظار اللبنانيين عن الجريمة التي ارتكبها ويرتكبها هو وحلفاؤه بحقِّهم في الحاضر، إذ لم يسبق للمواطن اللبناني أن عرف طعم الذلّ الذي يعيشه في كل تفاصيل حياته ويومياته كما يعيشه اليوم بفعل سياسات حروب وفساد وتغييب للدولة والدستور والقانون والعدالة.

لا يمكن للشعب اللبناني أن يقبل رئيساً بمواصفات أقل من ميشال معوّض، يعيد لبنان إلى مجده وصورته البهية الحقيقية.

شارك المقال