ماذا لو لم يمر اتفاق الترسيم في مجلس النواب؟

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

أنهى الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين مهمته في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وسلمت السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا الرؤساء الثلاثة نسخاً من التقرير حمل التوصيات الأخيرة التي تم التوصل إليها وفقاً لسير عمليات التفاوض المكوكية ما بين بيروت وتل أبيب وقطر وواشنطن، وفي الوقت نفسه قدم التقرير إلى إسرائيل مختتماً مهمته.

أشاد رئيس مجلس النواب نبيه بري بإيجابية الإتفاق وإلتزام هوكشتاين بالمهل التي أعطاها والتعويل على مصداقيته في كتابة التقرير، والمصداقية هنا تنبع من مفهوم الطبقة السياسية اللبنانية التي لم تستطع الحفاظ على كامل حق لبنان في حفظ مخزون ثروته البحرية، ما أدى الى خسارته 860 كلم من حدوده، وهذه الخسارة الكبيرة نتيجة التنازلات التي قدمتها السلطة اللبنانية وفشلها في حماية حق لبنان، على الرغم من إشارة بري في كلمته إلى أن الترسيم الحدودي البحري لا علاقة له بطبيعة الحدود البرية، والتي تبقى مزارع شبعا هي مسمار جحا لا يريد النقاش والتفاوض عليها مع الجانب السوري لحسم الجدل حول موضوع لبنانيتها وعما اذا كانت تتبع القرار 425 أو القرار 242، وهل هي أرض احتلت في حرب 1967 أو في العام 1978 عندما هاجمت اسرائيل لبنان واقتطعت منه مناطق حدودية، وبالتالي ينطبق قرار دولي آخر بعد أن نفذت وعودها بالانسحاب ولكن أبقت على منطقة متنازع عليها وغير معروف ما هو القرار الدولي الذي يجب أن تدرج تحته.

والواضح أن لبنان أمام مرحلة جديدة بعد الترسيم والبت بمضمون التقرير الذي يراد تطبيقه من الطبقة السياسية اللبنانية التي تسعى الى طي الملف وفقاً لتقرير المفاوض الأميركي، في ظل أزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحادة وسط ضغط خارجي وتحديداً من الولايات المتحدة التي تريد إنهاء ملف الترسيم. والمفاجأة أن الدولة اللبنانية لم تتمسك بالخط الذي كان يجب التفاوض على أساسه وهو الخط 29 الذي قدم الجيش اللبناني ما يكفي من خرائط ومخططات واضحة كدليل على أنه الخط الذي يجب أن يعتمد وليس الخط 23، مع أنه وقع على القرار 6233 منذ عام وبقي في أدراج رئاسة الجمهورية ولم يرسل الى الأمم المتحدة عبر القنوات الديبلوماسية لاعتماد هذا الخط لحدود لبنان البحرية، وبالتالي التعديل في عملية التفاوض وفقاً للخط 29 واعتبار منطقة “كاريش” في اطار الصراع.

وهنا يطرح معظم اللبنانيين سؤالاً: لماذا وافقت الطبقة السياسية على الخط 23 ولم يتم التمسك بموقف الجيش اللبناني وتسبب بأزمة لاسرائيل وللدول الغربية الداعمة؟ هذا ما يكشف تورط هذه الطبقة وتنازلها العلني عن حقوق لبنان في ثروته الطبيعية ولم تجهر أبداً بتمسكها بالخط 29 بمن فيها “حزب الله” الذي يعتبر ان مسيراته وتهديداته أقنعت الأميركي بإيجاد هذه المعادلة وهذا غيض من فيض، فموقف الحزب في هذا الموضوع كان تبني ما تتبناه الدولة وفجأة لا نعرف “شو عدا ما بدا” فأرسل مسيراته الى الحدود للاستكشاف والدخول على عملية التفاوض مبرراً ذلك بأن على اسرائيل الالتزام بما يجب الاتفاق عليه، وهو لم يطالب بـ “كاريش” واخترق الحدود ولم يضربها، والواضح أنه كان يريد ارسال رسالة شعبوية بأنه موجود، ولن ترسم الحدود الا بموافقته وهكذا بانت ازدواجية موقفه.

وترحم اللبنانيون على اتفاق 17 ايار الذي أسقط، لأن هناك من رفض التطبيع مع اسرائيل، ولكن اليوم كيف يتم القبول باتفاق مذل استجابت له السلطة اللبنانية، فيما أعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي يائير لابيد أن الاتفاق يضمن حقوق اسرائيل القومية؟

التنازل من لبنان جاء نتيجة صفقة عقدت بين ايران والولايات المتحدة، التي ستغض النظر عن عمليات التهريب والبواخر الايرانية التي تخرج محملة بالنفط والغاز وعدم مراقبتها. والولايات المتحدة والغرب عبر تمرير هذه الاتفاقية سمحا لايران ببيع مليون و800 ألف طن من النفط والغاز شهرياً في الوقت الذي كان يسمح لها ببيع 400 ألف طن شهرياً، وهذا الارتفاع في البيع جاء كعربون ثقة من الولايات المتحدة في فتح باب التفاوض من جهة مع ايران، وتأمين مصادر الطاقة لأوروبا وللدول الغربية بدلاً من الغاز الروسي المعاقب من جهة أخرى. وهنا تكمن الخطورة لأن ايران انتظرت الاتفاق على رفع بيع غازها مقابل الايعاز بترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.

وكان واضحاً أن السلطة اللبنانية تحدثت عن الخط 23 والخط المتعرج من قانا، وجبران باسيل هدد اسرائيل بأنها لن تستخرج الغاز من “كاريش” اذا لم يستخرجه لبنان من قانا والخط 23، مما يعني أن لبنان راض عن الخط 23 والالتفاف التعرجي لأن اسرائيل كانت تعارض تحديد الحدود اللبنانية بقانا. وفي خطاب الأمين العام لـ “حزب الله” ما قبل الأخير هدد بضرب “كاريش” اذا لم تستجب اسرائيل للبنان، من دون الاشارة الى الخط 29، ولم يضغط على حليفه ميشال عون للذهاب الى الأمم المتحدة لكي تبقى قضية الترسيم في مأزق وبالتالي يجري تأليب المجتمع الدولي حتى لا يقف مع اسرائيل في بدء التنقيب في منطقة متنازع على حدودها. وعدم تمسك لبنان بالخط 29 يعني أن المساحة من 23 الى 29 هي منطقة اسرائيلية وبالتالي مسيرات “حزب الله” فوق هذه المنطقة تعني اعتداء على اسرائيل التي يحق لها الرد عليها.

المشكلة باتت واضحة مع اعلان اسرائيل عدم ممانعتها حصول لبنان على الخط 23 والخط المتعرج من قانا مقابل أخذ ضمانات وحوافز لمساهمتها في ما ترك للبنان، والحصول على شراكة معه أو ريع من حقول الغاز المكتشفة في هذه المنطقة على أن تقوم شركة “توتال” بتقويم الموقف. ويكون لبنان قد أقحم نفسه في مأزق نتيجة قبوله بالخط 23 وهو لا يعرف ماذا تحوي هذه المنطقة وربما لن يحصل على الغاز الموجود في الحقل التاسع القريب من حدود الخط 23، وعليه قد لا يجري التصديق على اتفاق الترسيم في المجلس النيابي، وسيوضع لبنان في مأزق جديد مع المجتمع الدولي في ظل احتمالات الفراغ الرئاسي وعدم التوافق على رئيس جمهورية.

شارك المقال