جلسة اللانصاب… وجلسات اللارئيس لاحقاً

هيام طوق
هيام طوق

كما كان متوقعاً، لم تعقد الجلسة الثانية لانتخاب رئيس الجمهورية بسبب عدم اكتمال النصاب، فعند الحادية عشرة من قبل ظهر أمس، قرع الجرس في مجلس النواب، ايذاناً بانطلاق الجلسة التي تفصلها أيام عن انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 الجاري، لكن عند قرع الجرس، كان النواب يغنون مواويلهم الخاصة، فمنهم من حضر الى المجلس ولم يدخل الى القاعة، وفضل تناول القهوة والدردشة مع الزملاء من بعيد لبعيد، ومنهم من شارك لكن المشاركة لم تأت ثمارها على قاعدة “تيتي تيتي متل ما رحتي متل ما جيتي”، ومنهم من اعتذر وتغيب بداعي السفر أو المرض. وفي المحصلة، طارت الجلسة بعد أن بلغ عدد الحاضرين 89 نائباً، لم يبق منهم في القاعة العامة سوى 71 نائباً.

وفيما كان معلوماً أن تكتل “لبنان القوي” لن يشارك في الجلسة، اقتصرت مشاركة “حزب الله” على رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، فيما وقف النواب الباقون خارج المجلس، ولم يدخلوا إلى القاعة تماهياً مع موقف “التيار الوطني الحر”، لكن مصدراً نيابياً حضر الجلسة أكد أن عدداً من نواب “الوفاء للمقاومة” شارك في الجلسة، ولم يقتصر الحضور على النائب رعد، وأن سبب عدم الدخول هو غياب التوافق على رئيس، والمعرفة المسبقة بأنها لن تؤدي الى نتيجة، وهذا الموقف لا يرتبط مباشرة بالتضامن مع التيار.

وبعد تطيير النّصاب، شكا بعض النّواب، قائلين: “كنّا وفّرنا بنزين”. وبعدما طلب رئيس مجلس النواب نبيه بري “شوفولي إذا في حدا برا”، وكانوا كثراً في الخارج، أعلن عدم اكتمال النصاب وارجاء الجلسة الى 20 الجاري، فردت النائبة بولا يعقوبيان بالقول: “يا ضيعان البنزين، كنّا بقينا بالبيت، بدنا حق البنزينات”.

لكن كيف قرأ النواب سيناريو جلسة الأمس، وما هي معطياتهم للخروج من دوامة الجلسات التعطيلية؟

رأى النائب قبلان قبلان أن جلسة الأمس كالتي سبقتها بحيث أن “بعض الكتل النيابية ليس جاهزاً لانتخاب مرشح معين، لذلك نرى المقاطعة. وبتنا نشهد على مسلسل مزايدات شعبوية، فهذا التاريخ يناسب هذه الجهة وذاك لا يناسب تلك الجهة. اذا اختارت كل كتلة تاريخاً للمقاطعة فسيكون هناك مسلسل مكسيكي طويل من التعطيل، مع العلم أنه يجب الالتزام بالعطل الرسمية والأعياد الوطنية والحداد الوطني فقط. كان يجب أن تسير الأمور كما في الجلسة الأولى حتى لو كانت كل المعطيات تشير الى أنه لن يحصل انتخاب رئيس. ثم من يدري ربما في الدورة الثانية ينتخب رئيس اذا توافقت الكتل على مرشح، اذ ليس بالضرورة أن يحصل المرشح على أكثر من مئة صوت كما في السابق. على أي حال، الأمور غير ناضجة حالياً لانتخاب الرئيس”.

واعتبر أن “التجربة تثبت أننا غير مؤهلين لأن نكون أحراراً وأصحاب موقف. كل فريق متمترس في متراسه ولا أحد يقدم تنازلاً، وفي النهاية، ماذا ننتظر؟ هل ننتظر ضغطاً خارجياً؟ لماذا لا يحصل التفاهم بين الأفرقاء في الداخل؟ أليس الأفضل أن نتنازل لبعضنا البعض من أن نتنازل للخارج؟ هذا ليس صعباً الا اذا أراد البعض ممارسة الكيدية السياسية بحيث أن هذه اللغة تضر بالبلد”، معرباً عن أسفه لأن “اللبنانيين مستعدون أن يتنازلوا تنازلاً كلياً للخارج وغير مستعدين للتنازل لبعضهم البعض ولمصلحة بلدهم 20 في المئة. أليس من الأوفر والأفضل لنا وللبلد أن نتنازل لبعضنا البعض؟”.

وتمنى “أن يكون التحرك على المستوى الرئاسي لبنانياً خصوصاً أن الدول تتمنى علينا اجراء الاستحقاقات، واذا نحن لم نتوجه بصدق لانقاذ بلدنا، فالدول لن تقوم بعملنا بل علينا نحن أن نتفاهم ونتحاور لاخراج البلد من أزماته وانجاز الاستحقاقات الدستورية”، مشيراً الى أن “الرئيس بري يدير العملية الدستورية بحسب الأصول القانونية، ويترك المجال للكتل أن تتناقش، ويدور الزوايا في مكان ما، لكن اذا استمرينا في هذا المسار، فالرئيس بري ناشط في تواصله مع الكتل، لكن يريد أن تلاقيه في التفاهم، وعندما يرى أن الأمور ناضجة في الحد الأدنى لن يقصر في مبادرة أو تحرك لانجاز الاستحقاق الرئاسي”.

أما النائبة غادة أيوب، فلاحظت أن جلسة الأمس “أظهرت تهرب فريق الممانعة من مواجهة الرأي العام بمرشح، ما أدى الى تعطيل النصاب الى جانب غياب بعض الكتل وبعض النواب من الكتل التي حضرت”، مشددة على أنه “لا يجوز أن يتكرر هذا السيناريو في جلسات انتخاب الرئيس اللاحقة خصوصاً أننا لم نوقف تواصلنا مع القوى السيادية والتغييرية لزيادة عدد أصوات النائب ميشال معوض أو للمرشح الذي ستتوافق عليه قوى المعارضة. النائب معوض ليس مرشح تحد انما يجسد المواصفات التي وضعتها القوى السيادية، وهو جاهز للتواصل مع الأفرقاء ضمن الخطوط والمبادئ التي لا يتنازل عنها. فعلياً كان هو المرشح الأكثر حظاً الذي توافقت عليه القوى الأساسية في المعارضة. وفي المرحلة اللاحقة،اذا اتفقت المعارضة على اسم آخر، فليكن لكن الى اليوم حظوظه كبيرة”.

وأوضحت أن “لدينا علامات استفهام على الرئيس التوافقي. هناك خطان في لبنان: خط يأخذ لبنان الى مزيد من العزلة والانهيار، والخط الذي يريد الاصلاحات ويحافظ على سيادة لبنان ويعيده الى الحضن العربي والعلاقات السليمة مع الدول الصديقة “، مؤكدة أن “كتلة الجمهورية القوية لم ولن تنتظر يوماً، ضوءاً من الخارج، لذلك نحن نصوّت للنائب معوض في الجلسات. ليس الخارج الذي يوجه قراراتنا الداخلية، وهذا ما أثبتناه في الاستحقاقات السابقة. ليست هناك من دولة تفرض رئيساً على دولة أخرى، هذا الكلام غير محق في دولة مثل لبنان، ومجلس النواب هو الذي ينتخب الرئيس. هناك دول تتمنى على اللبنانيين وتحثهم على اجراء الاستحقاقات الدستورية في موعدها، لكن لا يجوز أن ننتظر الحث بل القيام بواجباتنا تجاه الشعب الذي انتخبنا”.

ولفت النائب بلال عبد الله الى أن “عدم اكتمال النصاب، حق ديموقراطي، ونتمنى أن نغلب الحس الوطني والاجتماعي، وننتخب رئيساً في أقرب فرصة. لا شك في أن هناك تأثيراً خارجياً على الاستحقاقات الداخلية، لكن اذا أردنا انتظار الخارج بكل عقده وأزماته في ظل الحرب الروسية – الأوكرانية وعدم انجاز التسويات الاقليمية حينها تتأزم الأمور أكثر. لذلك، علينا في الحد الأدنى لبننة الاستحقاق الرئاسي”، متسائلاً: “هل ننتظر المواقف الخارجية، ولم يعد باستطاعتنا تحمل مسؤوليتنا الوطنية والدستورية؟ على أي أساس انتخب النواب، أليس للحفاظ على الدستور، واجراء الاستحقاقات في الوقت المناسب؟ البلد منهار، والناس تعاني ما تعانيه، ونحن بسبب الكيدية السياسية وشهوة السلطة والحسابات الضيقة، يحصل ما يحصل. ”

وقال: “اذا كنا كلبنانيين غير قادرين على تسوية داخلية وأن نحافظ على بلدنا، ونكون دائماً بحاجة الى الخارج فهذا يعني أننا دولة فاشلة وغير قابلة للحياة”. وأ‘رب عن اعتقاده أنه “لو لم تكن هناك أزمة طاقة في العالم، لما حصل التقدم في الترسيم البحري مع العدو الاسرائيلي، وهذا غير مرتبط بالعمل الداخلي اللبناني. التسهيل في الترسيم لا ينعكس تسهيلاً في الاستحقاقات الدستورية. يجب فتح الحوار بصورة أوسع وأنشط بين القوى السياسية لانتاج التسوية الداخلية للتوافق على الرئيس المقبل.”

واعتبر النائب غسان عطا الله أن “موقفنا بعدم المشاركة طبيعي في مثل هذا اليوم، وكنا نتمنى لو أن الأطراف احترمت الذكرى كما نحن نفعل حتى لو كنا نختلف معهم في السياسة. ألبسونا في الجلسة التعطيل وعدم اكتمال النصاب على الرغم من أنها ان كانت في هذا اليوم أو غيره ستكون بنتيجة واحدة، كما أنه من غير الممكن أن نفقد وحدنا نصاب الجلسة”، موضحاً “أننا لم نطلب من أحد أن يتضامن معنا وكل طرف لديه حرية الاختيار، ونحن اتخذنا الموقف الذي يناسبنا.”

أضاف: “عندما تنضج الرؤية، يتم التوافق على شخصية من أكثر من كتلة نيابية، وبالتالي انتخاب رئيس للجمهورية لكن اليوم لم تنضج الأمور بعد، وما يحصل حالياً تقليدي في حين أن المرحلة المقبلة ليست تقليدية انما فيها مشهد جديد للبنان وبحاجة الى شخصية من نوع آخر”. ورأى أنه “يمكن أن نتوافق مع المعارضة حول اسم الرئيس اذا توافقت والتزمت بالأولويات التي وضعناها، ونحن نتناقش فيها خلال الجولة التي نقوم بها على مختلف الكتل”.

ورأى أنه “يمكننا أن نتسلم المسؤوليات ونجري الاستحقاقات الدستورية من دون الاتكال على الخارج، وحققنا انجازاً في ملف الترسيم البحري بإرادة وطنية جامعة، وبالتالي، لماذا لا يمكننا اجراء الاستحقاقات الدستورية ولبننتها كلياً؟”، مؤكداً أن “المهم أن تتوافر الارادة ويكون الجميع مقتنعاً بالأهداف. التوافق بين الكتل ضروري لأن تركيبة البرلمان واضحة للجميع، ونحن بحاجة الى استشراف المرحلة المقبلة التي ستكون جديدة للبنان. نحن سنكون في مرحلة المفاوضات الذكية والرؤوس الذكية كي يصبح لبنان من الدول المتقدمة. وربما سيحصل الشغور لكن ليس لفترة طويلة بحيث أن كل الأمور العالقة والعقد ستشهد حلحلة”.

شارك المقال