الخلايا الارهابية بأحجام محدودة… والتضخيم لأهداف سياسية

هيام طوق
هيام طوق

في ظل التعقيدات السياسية والتشنجات بين مختلف القوى التي أدت الى تعطيل عقيم في المؤسسات الدستورية والعامة، والى شغور رئاسي لا أحد يعلم نهايته، بالتزامن مع أزمات معيشية وحياتية غير مسبوقة، وغلاء فاحش في الأسعار فاق كل قدرات التحمل، يتصاعد الخوف لدى الجميع من فوضى أو أعمال أمنية تنفذها خلايا إرهابية مستفيدة من الأوضاع الصعبة، ومن حالة الشغور والفراغ، لتخلق نوعاً من البلبلة لأهداف معينة ما يزيد الأمور تأزماً.

وفيما يشدد المسؤولون من مختلف الدول على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات، فانهم لا ينكرون قلقهم من الذهاب نحو المزيد من التدهور اذا لم يساعد اللبنانيون أنفسهم في إنقاذ بلدهم، وما حذرت منه مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، من أن لبنان مفتوح أمام كل السيناريوهات، بما فيها تفكك كامل للدولة، يصب في هذا الاطار، مشيرة الى أن “القوى الأمنية والعسكرية قد تفقد السيطرة، وتكون هناك هجرة جماعية. وفي الوقت نفسه أتخيل أن البرلمانيين أنفسهم سيحزمون حقائبهم ويسافرون إلى أوروبا حيث ممتلكاتهم”.

تصريح المسؤولة الأميركية يزيد الطين بلة، ويرفع من حالة الهلع لدى اللبنانيين الذين يعيشون الهاجس الأمني بصورة يومية ما دفع وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي الى الاعلان أن “الوضع الأمني بالنسبة الى الظروف التي نعيشها جيد ومقبول”، لافتاً الى أن “شعبة المعلومات تمكنت خلال العام 2022 من توقيف ثماني خلايا إرهابية، ونحن نتقيّد بمهنيّة التحقيق وسرّيته، وما نكشف عنه هو لطمأنة اللبنانيين فقط، والأجهزة الأمنية ساهرة على تأمين حمايتهم”.

وعطفاً على ما أعلنه مولوي، أوضحت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي – شعبة العلاقات العامة، في بلاغ أنه “بنتيجة المتابعة الاستعلامية والميدانية، التي تقوم بها القطعات المختصّة في شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي لجهة المتابعة الجدّيّة لنشاطات الخلايا الإرهابية وبصورةٍ خاصّة تلك المرتبطة بتنظيم داعش الإرهابي، تمكّنت الشعبة من تنفيذ عمليات نوعية استباقية دقيقة خلال صيف عام 2022، (اعتباراً من شهر تموز لغاية شهر تشرين الأول)، أسفرت عن رصد ثماني خلايا إرهابية وتحديدها وتوقيفها في مختلف المناطق اللبنانية (البقاع – بيروت – الشمال – الجنوب – جبل لبنان) ينتمي أعضاؤها إلى تنظيم داعش الارهابي. وتبيّن بعد التحقيق معهم تخطيطهم للقيام بعمليات إرهابية تستهدف مراكز عسكرية وأمنية وتجمّعات دينية ومدنية مختلفة. وبلغ عدد موقوفي هذه الشبكات، ثلاثين إرهابياً غالبيتهم من الجنسية اللبنانية، وآخرين من الجنسيّات السورية والفلسطينية وإرهابي من الجنسية المصرية، وقد أحيلوا جميعاً على القضاء المختص. كما تبيّن من خلال التحقيقات معهم، أنه خلال تواصلهم مع قيادات التنظيم في الخارج كانوا يطلبون تسهيل أمر خروجهم من لبنان للذهاب والقتال في سوريا أو العراق، فكانوا يشدّدون على البقاء في لبنان بغية تنفيذ أعمال إرهابية فيه، كون الظروف في هذا البلد قد أصبحت مؤاتية لذلك”.

هذه المعطيات والتوقيفات لم تعلن عنها المديرية في حينه، لعلمها أن ذلك قد يؤثّر سلباً على حركة السيّاحة وموسم الاصطياف، لكن لا بد من التساؤل: هل أصبح البلد في مرمى الخلايا الارهابية فعلاً في ظل الظروف المؤاتية لأعمالها؟ وهل التحذيرات الخارجية في مكانها من أن لبنان مفتوح على كل السيناريوهات بما في ذلك تفكك الدولة؟ وهل ما أعلن عنه مولوي من توقيفات لخلايا إرهابية يطمئن اللبنانيين أو يزيد من قلقهم؟

وفي هذا الاطار، رأى العميد المتقاعد نزار عبد القادر أنه “لا يمكن استبعاد وجود خلايا ارهابية في أي دولة من دول الشرق الأوسط، لكن بعد التجرية التي مرت بها عدة دول مع تنظيم داعش وغيرها من التنظيمات المماثلة، فإن كل المجتمعات على الصعيدين الشعبي والأمني في حالة استنفار ضد هذه المجموعات التخريبية التي تتعاطى مهنة القتل الأعمى”، معتبراً أنه “أصبحت لدينا أجهزة ونشاطات أمنية مكثفة قد تفوق حاجة لبنان، وهذه الحالة تدفع الى نوع من التنافس بين الأجهزة التي تتسابق لتسجيل مواقف بطولية في مكافحة الارهاب والجريمة. مثل هذه الحالة تدفعنا الى الخشية من أن تكون هناك مغالاة في توصيف الحدث الأمني”.

وأوضح أنه “يمكن أن نجد خلية ارهابية أو بعض الجهات المنفردة التي تتعاطى الارهاب على حسابها، لكن أن نتحدث عن 8 خلايا ارهابية، يدفعنا الى الشك والاعتقاد أن هناك نوعاً من افتعال البطولات. البيئة اللبنانية في مجملها، في كل المناطق والطوائف والفئات السياسية غير مؤاتية للارهاب ولا تحمي الارهابيين، لذلك من الصعب جداً على الارهابيين أن يعيشوا ويتنقلوا من دون أن ينكشفوا بسرعة مطلقة داخل المجتمع اللبناني. كما أن الكل لديه الوعي الأمني بعد تجارب الحرب والأحداث السابقة أو الفترات التي كان فيها الارهاب ناشطاً”.

وأكد أن “لا أحد يريد أن يسمع التحذيرات الخارجية. رؤساء الكتل والأحزاب الأساسية في البلد، يرفضون الاستماع الى منطق الاصلاح والعمل في اتجاه انتظام المؤسسات الدستورية حتى أن كل قريق يفسر الدستور على قياسه ووفق مصالحه. اللغة العربية واضحة والنص الدستوري واضح”.

أما العميد المتقاعد يعرب صخر فأشار الى “أننا في مرحلة الفراغ، وكل فريق يحاول فرض آرائه السياسية عبر اطلاق شائعات محددة بهدف الاستحواذ على مواقف سياسية داعمة له”، معتبراً أنه “كلما يكون هناك فريق محشور في الزاوية، يتحدث عن وجود خلايا ارهابية، وكلما يكون وضع ايران وأذرعها مأزوم، تبدأ ببث الأخبار عن الخلايا الارهابية، وكلما ارتاحت على وضعها تختفي مثل هذه الأخبار. وعلى الرغم من ذلك، لا يخلو الأمر من أن هناك خلايا ارهابية نائمة لأننا لسنا في حالة استقرار واسترخاء”.

وقال: “من الطبيعي أن تظهر بين فترة وأخرى خلية من هنا وأخرى من هناك. لا يخلو الأمر من خلايا موجودة، لكن بأحجام محدودة نتيجة عدم الاستقرار. وهذه الظاهرة تتواجد في أي بلد حالته غير مستقرة وليس في لبنان فقط… الخطر موجود، لكن ليس بهذا الحجم الذي يحاول البعض إظهاره”.

ورأى أن “من يمسك الأمن على الأرض ومن يسيطر على القرار السياسي وعلى قرار الحرب والسلم والقرار الاستراتيجي هو حزب الله. حين تضخّم الأخبار عن خلايا ارهابية يعني أن من يمسك القرار هو من يثير هذه الأخبار”.

وفي ما يتعلق بالمواقف الصادرة عن مسؤولين في الخارج، اعتبر صخر أنها “تهدف الى حث المسؤولين اللامسؤولين على العودة الى المؤسسات الدستورية وملء الفراغ إن كان بانتخاب رئيس الجمهورية أو بتأليف الحكومة. هذه التحذيرات بغض النظر عن صحتها من عدمها، تأتي في اطار حث السلطة على القيام بواجباتها. كما أنها تلفت النظر الى أنه طالما الفراغ لا يزال موجوداً طالما أن الساحة مشرّعة على كل الاحتمالات لأنه حينها تكون الساحة مستباحة، ومن الطبيعي أن تتفلت الأمور اذا لم تملأ الفراغات، واذا لم تعد المؤسسات الدستورية الى عملها”.

شارك المقال