هل كان “الجوكر” محقاً؟

محمد شمس الدين

سلسلة القصص المصورة عن البطل الخارق “باتمان” أو الرجل الوطواط، حققت نجاحاً كبيراً لدى الجماهير منذ انطلاقتها، واقتبست عنها أفلام ومسلسلات عديدة، منها بالرسوم المتحركة وأخرى عادية بميزانيات ضخمة، وكان الجمهور يعشق الشخصية السوداوية التي تحل القضايا الجرمية، وتدافع عن المساكين، وربما أكثر اقتباسات الشخصية الناجحة هي ثلاثية الأفلام التي كانت من إخراج المخرج الكبير كريستوفر نولان، وتميزت هذه السلسلة تحديداً بالجزء الثاني منها، حيث يواجه “باتمان” الشخصية الشريرة “الجوكر”، الذي مثل دوره الممثل الراحل هيث ليدجر، الذي توفي بجرعة زائدة من المخدرات، بعد تصوير الفيلم، وقدم أداءً باهراً نال عنه جائزة الأوسكار، بعد مماته.

عند عرض الفيلم قبل 14 سنة، أعجب الجمهور بشخصية “الجوكر” كالشرير الرئيس في الفيلم، ولكنه كان يشجع الرجل الوطواط على الفوز عليه، والذي استطاع فعلاً في النهاية إحباط مخططات “الجوكر”، والحفاظ على أمن المدينة. ولكن الأمور اليوم تختلف، إن كان لدى اللبنانيين أو في بقية أنحاء العالم، فلدى مشاهدة الفيلم من جديد أصبح عدد كبير من المشاهدين يرى أن “الجوكر” كان على حق، وأن الرجل الوطواط يحاول الحفاظ على أمن وهمي، لمدينة لا يمكن إصلاحها.

الجمهور اللبناني الذي يعاني بلده أسوأ نوع من الأزمات عبر مر التاريخ، أصبح يؤيد وجهة نظر “الجوكر”، فهذا البلد محكوم بشريعة الغاب، والأنظمة والقوانين هي مجرد أدوات، يستعملها أصحاب النفوذ للحفاظ على مكتسباتهم، والبقاء في سدة الحكم أطول فترة ممكنة، بل إنها مطية لأجنداتهم يدعون الالتزام بها عندما يناسبهم الأمر، ويدوسون عليها بل يمزقونها تمزيقاً عندما لا تلائمهم، ولذلك أصبحت غالبية اللبنانيين الذين ضاقوا ذرعاً بالوضع السائد، تريد المسح والبدء من جديد، إلا أن ذلك ليس سهلاً. ففي لبنان تطبق نظرية شخصية أخرى في عالم الرجل الوطواط، هي شخصية المحامي هارفي دينت، الذي يتحول في نهاية الفيلم إلى الشخصية الشريرة “ذات الوجهين”، مطبقاً نظريته الخاصة: “إما أن تموت بطلاً أو تعيش وقتاً كافياً لترى نفسك تتحول إلى الشرير”. وهذا ما يحصل في لبنان، تأتي شخصية بشعارات التغيير والإصلاح وعندما تصل إلى طاولة الحكام تصبح شريكة لهم، بل هي أسوأ من دينت لأن نيتها في الأساس كانت دخول نادي الكبار، لتستطيع الحصول على حصتها من قالب الجبنة، أو تكون مدسوسة من أحد اللاعبين الكبار ودميتها التي اخترقت الناس المنتفضة وركمجت على مطالبها، لتنفيذ أجندات ولي نعمتها.

قد يكون النواب التغييريون هم أكبر مثال على صحة نظرية دينت، فقد تحولوا بعيون منتخبيهم إلى الأشرار، ويلاحظ التململ الكبير لدى الجمهور من أدائهم في البرلمان، فهم منقسمون إلى ثلاثة محاور، محور “الممانعة”، محور “السيادة”، ومحور المصارف، وبدل أن يشكلوا تكتلاً ضاغطاً يستطيع فرض شروط على أحد المحورين في البلد، الذي لا يملك أكثرية عددية تستطيع أن تفرض مشاريعها من دون بضعة نواب من الجهة الأخرى، أصبحوا كتلاً صغيرة لا تهتم بحقوق الناس بل بأجنداتها الخاصة، إما مصالح “البيزنس” والمصارف، أو أجندات محور من المحورين.

فعلاً، إن بقيت حياً بما يكفي ستتحول إلى الشرير، وقد يكون أسلوب “الجوكر” متطرفاً بعض الشيء، إلا أنه يدغدغ عقول الكثير من اللبنانيين المنتفضين على الواقع المفروض عليهم، ولا يرون حلاً غير بحرق القديم والبدء من جديد، بدءاً من “باتمان” الذي يحاول إنقاذ ما لا يمكن إنقاذه.

شارك المقال