“القوات اللبنانية” وكمين الحوار!

جورج حايك
جورج حايك

تشكّل “القوات اللبنانية” العمود الأساس لقوى المعارضة، وهذا ما يجسّده تكتلها النيابي الأكبر في البرلمان والاستحقاقات الدستورية وأهمها الانتخابات الرئاسية التي تشهد تكراراً للمشهد نفسه كل خميس، ومبارزة بين مرشّح قسم كبير من المعارضة وهو النائب ميشال معوض، والورقة البيضاء التي يتسلّح بها “حزب الله” وحلفاؤه. ولا شك في أن الفريق “الممانع” يحاول بشتى الوسائل اخضاع منافسيه لشروطه والاستسلام لمرشّحه غير المعلن ألا وهو سليمان فرنجية. ولعل أبرز المعارضين لهذا الخيار هي “القوات” لعلمها أن فرنجية يشكّل امتداداً لمرحلة الرئيس السابق ميشال عون من خلال تبعيته لمرجعية “حزب الله” والنظام السوري.

لا يتوانى “الحزب” وحلفاؤه عن استنباط أفكار مفخخة تعتمد التهديد حيناً والترهيب أحياناً أخرى لدفع المعارضين إلى التخلي عن اللعبة الديموقراطية المؤسساتية، ومن هذه الأفكار “معزوفة” يرددها الفريق الممانع الممثل رسمياً برئيس مجلس النواب نبيه بري، حاملاً مبادرة ظاهرها لبق ومغر، أما باطنها فليس سوى “كمين” هدفه صرف النظر عن الانتخابات تحت شعار “التوافق” على إسم رئيس يريدونه غير استفزازي، حسب ما يعبّرون، إلا أن المقصود أن يكون حامياً لظهر المقاومة ويؤمن بثلاثية “جيش وشعب ومقاومة”، وبالتالي هذا هو الرئيس الاستفزازي بحد ذاته لكل فئات المعارضة، وكانت “القوات” السبّاقة الى رفض هذا الحوار وأهدافه ونوعيّة الرئيس الذي يريده “الحزب”.

لكن لا يمكن إلا الاعتراف بأن فكرة الحوار ذكية، والترويج لها يستخدمه الفريق الممانع لإبعاد مسؤولية تعطيل الانتخابات الرئاسية عنه بسبب خشيته من ضغوط الرأي العام الذي ينشد الانتظام والاستقرار، فيما القاصي يعلم والداني أيضاً أن المعطِّل للانتخابات الرئاسية هو فريق الممانعة. لذلك تعتبر المطالبة بالحوار “كميناً” شهد في الأسابيع الأخيرة ثلاث محاولات تضليلية:

– المحاولة الأولى وضع مسؤولية الشغور على “الخلافات المسيحية التي تؤخِّر التفاهم”، وحشر “القوات” بأنها تعطّل التفاهم المسيحي فيما هي ترى أن لا موجب لتفاهم مسيحي – مسيحي في استحقاقٍ الفيصل فيه صندوقة الاقتراع في المجلس النيابي، وبالتالي جلّ ما هو مطلوب الالتزام بالدستور والإقلاع عن التعطيل، فضلاً عن أن الخلاف ليس من طبيعة مسيحية – مسيحية ولا من طبيعة مسيحية – إسلامية، إنما من طبيعة وطنية بين رؤيتين للبنان: الرؤية الممانعة التي تريد لبنان ساحة، والرؤية السيادية التي تريد لبنان دولة.

– المحاولة الثانية وضع مسؤولية الشغور على “القوات” التي ترفض الحوار، فيما المسؤولية الأولى والأخيرة تقع على “حزب الله” وحركة “أمل” و”التيار الوطني الحر” أي القوى التي ترفض تطبيق الدستور ولم تلتزم أساساً بالمهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، وتعطِّل الجلسات الانتخابية، وتسعى إلى شراء الوقت عن طريق الحوار، وتحاول التلطّي خلفه لمواصلة سياساتها التعطيلية وتغطية اعتداءاتها المتواصلة على الدستور، كما تحاول التلطي خلف الورقة البيضاء لإخفاء خلافاتها الداخلية وبالتالي من غير الجائز بتاتاً استبدال الجلسات الانتخابية بجلسات حواريّة.

– المحاولة الثالثة وضع مسؤولية الشغور على المعارضة بذريعة “تبنيها لمرشّح تحدٍّ”، وكأن دور المعارضة البصم على مرشّح الممانعة، فيما المسؤولية تقع على من يرفض تطبيق الدستور والاحتكام الى الديموقراطية ويصرّ على منطقه الأعوج التخريبي الذي يخيّر اللبنانيين بين الشغور المفتوح أو الرئيس الممانع، فضلاً عن أن “القوات” وقوى المعارضة قالت بوضوح إن النهج التعطيلي هويته ممانعة، وانه في حال نجحت الممانعة في انتخاب رئيس من صفوفها، لن تعطّل الجلسات، بل ستحافظ على تموضعها المعارض والمواجه للفريق الممانع.

المؤسف أن مفهوم الحوار حوّلته الممانعة من قيمة مطلقة وأساسية وضرورية بين البشر، إلى مكيدة و”كمين”، لأن هذا الفريق يريد الحوار بشروطه وليس بشروط الحوار الذي يتطلب التوافق على مساحات مشتركة عنوانها الدولة، وفي موازاة رفضه تسليم سلاحه يوظِّف الحوار خدمةً لأجندته الخاصة في إساءة ما بعدها إساءة الى الحوار. فكيف يمكن التحاور مع فريق يتمسّك بسلاحه الذي يحول دون قيام دولة وإرساء استقرار ويشكّل المسبِّب الأساس للأزمة المالية؟ وكيف يمكن الجلوس حول طاولة واحدة مع فريق كل هدفه من هذه الطاولة الصورة للقول بأنه داعية حوار للحوار الذي يدور في حلقة مفرغة منذ العام 2006؟

على كل حال، نجحت “القوات” في مواجهة “أكذوبة” الحوار من خلال خطة – ثوابت مؤلفة من نقاط عدة:

– أولاً، تشارك “القوات اللبنانية” في جلسات الانتخابات الرئاسية الأسبوعية منذ تعيين الجلسة الأولى طارحة مرشّحاً رئيساً صريحاً وواضحاً هو النائب ميشال معوض الذي يتمتع بمواصفات محدّدة تزاوج بين السيادي والإصلاحي من أجل ان تكون قادرة على الإنقاذ.

– ثانياً، طالبت الرئيس نبيه بري بعدم إقفال جلسة الانتخابات وافتتاح دورة ثانية وثالثة ورابعة وصولاً إلى انتخاب رئيس الجمهورية، لأن الانتخاب يتحقّق بتحمل النواب مسؤولياتهم وممارسة أحد أدوارهم الأساسية بالحرص على الانتظام المؤسساتي لا التعطيل المؤسساتي.

– ثالثاً، رفضت الحوار الفولكلوري الرامي إلى تغطية التعطيل بمشهدية صورية، ودعت إلى استبدال الحوار الجماعي بحوارات ثنائية بين دورة وأخرى انتخابية تساهم في تسريع عملية الانتخاب.

– رابعاً، وضعت خطة رئاسية تقوم على توحيد مكونات المعارضة بما يخوِّلها ولوج عتبة النصف + 1 (65 نائباً) ولا تزال تسعى إلى ذلك، بحيث تتمكّن من إدخال الفريق المعطِّل إلى قفص الاتهام ووضعه في مواجهة الرأي العام اللبناني والرأي العام الدولي والمرجعيات الروحية، الأمر الذي يحرِّك الركود الرئاسي ويدفع باتجاه انتخاب الرئيس العتيد.

وليست “القوات” وحيدة في المواجهة، لأن هناك ضغطاً مثلّثاً على فريق الممانعة هو ضغط الرأي العام على من يعطِّل النصاب لاستمرار الشغور ومفاقمة الأزمة، وضغط بكركي على من لا يمارس من النواب مسؤوليته بإلزامية الحضور، وضغط المجتمع الدولي بالتلويح بالعقوبات على من يمنع انتخاب رئيس للجمهورية.

وحيال كل ما تقدّم وغيره، ما هو المطلوب بعد من “القوات اللبنانية”؟ وهل من الانصاف والعدل وضعها في مساواة من يعطِّل ومن يزايد ومن لا يبادر؟ وهل هذا المشهد الأسبوعي المكرّر هو من مسؤولية “القوات” التي سعت وتسعى الى انتخاب رئيس للجمهورية، أم من مسؤولية من يعطِّل ومن يؤازره باقتراع غير مفهوم يخدم الفريق المعطِّل؟

من الخطيئة والجريمة التعميم ووضع البرلمان في سلة واحدة، لأن هناك من يصرّ على المشاركة في جلسات الانتخابات الرئاسية ويفعل المستحيل لانتخاب رئيس للجمهورية، وهناك من يصرّ على الشغور، ومن الجرم مساواة هذا بذاك.

أما طاولة حوار بالصيغة التقليدية المعروفة، أكانت مسيحية أم وطنية، فأصبحت مرفوضة من الرأي العام الذي لا يريد رؤية القوى المختلفة حتى العظم مجتمعة من دون نتيجة كالعادة، فيما أوضاع المجتمع اللبناني تزداد سوءاً وتردياً، خصوصاً أن الحوار وجِد كوسيلة للخروج من الأزمات وليس للتغطية على من يفتعلها!

شارك المقال